مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بلا أمريكا، خروجٌ جديد لواشنطن من اتفاقية دولية ربما لم يُفاجئ الكثير من المحللين السياسيين على المستوى الدولي، فها هي أمريكا تعود إلى أمريكيتها الأصيلة، متخليةً عن كل الشعارات التي كانت ترفعها سابقاً والتي تختصُّ بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان معلنةً وعلى لسان رئيسها المحافظ "أمريكا.. ومن بعدها الطوفان".

نهج أمريكي

منذ وصول ترامب إلى الحكم بدأ بتنفيذ وعوده الانتخابية التي أغرى بها الناخب الأمريكي والتي تتلخص بالعودة بأمريكا والأمريكيين إلى القرن الثامن عشر، والتركيز على الداخل الأمريكي متخليّاً عن كل التزامات أمريكا الخارجية، إذ كانت أمريكا تُنصّب نفسها سيّدةً لهذا العالم وقُطبه الأوحد، لتنكشف ومع وصول ترامب جميع الادعاءات الأمريكية الزائفة، وأنّها مستعدةٌ لفعل أيِّ شيءٍ في سبيل حفظ مصالحها.

الانسحاب الأمريكي الجديد لم يكن هو الأول من نوعه، فمنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض؛ انسحبت واشنطن من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، كما خفّضت مساهمتها في موازنة الأمم المتحدة، وانسحبت من اتفاق باريس للمناخ الذي تدعمه المنظمة الدولية، ناهيك عن انسحاب واشنطن من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ و "TPP" التي تجمع 12 دولة، بالإضافة لتأكيد ترامب على رغبته في إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "NAFTA"، التي أبرمت بين أمريكا والمكسيك وكندا في العام 1994، كما وتدور إشاعات حول نيّة واشنطن إلغاء كل اتفاقيات التجارة الحرة وذلك لمصلحة “التجارة العادلة” كما يصفها ترامب.

غضب دولي

القرار الأمريكي الجديد نتج وبشكلٍ مباشر من عدم قدرة واشنطن على الإجابة عن أسئلة دوليّة حول الإجراءات التي اتخذتها مؤخراً بحق اللاجئين ولاسيما فيما يخصّ سياستها المرتبطة بفصل أطفال المهاجرين غير الشرعيين عن ذويهم عند الحدود مع المكسيك، إذ قال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الأمير "زيد بن رعد بن الحسين" إنّ سعي أي دولة لردع الأهالي عبر التسبب بإيذاء الأطفال بهذه الطريقة هو أمر غير مقبول.

أما رئيس مجلس حقوق الإنسان الأممي فوييسلاف شوتس، فدافع عن عمل المجلس بعد أن انسحبت أمريكا منه، مؤكداً أنّ عمل المجلس ضروري في وقت تواجه فيه دول العالم العديد من التحديات، مشيراً إلى أنّ المجلس يعمل كنظام إنذار مبكر من خلال دقّ أجراس الإنذار قبل الأزمات الوشيكة أو المتفاقمة.

في حين أبدت وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب خيبة أمل إزاء قرار أمريكا الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مُشيرة إلى أنّ أستراليا ستواصل العمل بشكل بنّاء حول قضايا حقوق الإنسان مع البلدان الأخرى بما في ذلك أمريكا، تقول بيشوب: "نحن ملتزمون بالتقدم بإصلاح فعّال وذي معنى لتمكين المجلس من الاضطلاع بدوره على نحو أكثر فعالية".

ابتزاز سياسي

"سرائيل" ربما هي كلمة السر في كل القرارات الأمريكية المناهضة لحقوق الإنسان، فالسبب الرئيسي والمباشر لخروج الأمس كانت فيه "إسرائيل" اللاعب الرئيسي، إذ وصفت المبعوثة الأمريكية للأمم المتحدة نيكي هايلي مجلس حقوق الإنسان بأنه منظمة “منافقة وأنانية وتستهزئ بحقوق الإنسان"!.

خطوة أمريكا هذه بالخروج من مجلس حقوق الإنسان سبقها تعليق واشنطن دفع 65 مليون دولار من أصل 125 مليون دولار كانت ترصده لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وذلك كجزء من مستحقات ومساهمات تدفعها للوكالة سنويّاً، الأمر الذي يُشكّل ابتزازاً أمريكيّاً للفلسطينيين، وذلك بعد رفض السلطة الفلسطينية الحاكمة في الضفّة الغربية، وباقي المنظمات الفلسطينية في الضفّة والقطاع قرار واشنطن اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة إليها.

أمريكا التي تعرف جيداً من أين تُأكل الكتف، وتعرف أيضاً كيف تضغط على منظمة الأونروا، تُريد الضغط عليها لتقليص الخدمات التي تُقدمها تدريجيّاً للاجئين، حيث إن واشنطن تُريد اتقاء شرّ ردّة فعل اللاجئين، وهي تهدف بذلك إلى إجبار الفلسطينيين أولاً والدول المستضيفة لهم ثانيّاً على التسليم بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتسليم بأنّ القدس المُحتلة هي عاصمة "إسرائيل".

خُلاصة القول إنّ أمريكا وعندما يتعارض أيُّ قرارٍ مع مواقفها كانت تعمد إلى الفيتو في مجلس الأمن، أما في بقية المجالس التابعة للأمم المتحدة فكانت تتجاهل تلك القرارات طالما أنها غير مصيرية بالنسبة لها أو لـ "إسرائيل"، أما اليوم وبعد تزايد الضغوط الدولية قررت واشنطن الانسحاب من تلك المجالس، لتصبح أيُّ قرارات تُتخذ غير ملزمةٍ لها، وعلى هذا الأساس من المتوقع أن يواصل ترامب الخروج من بقية مجالس الأمم المتحدة خصوصاً بعد سياساته التي أراد لها أن تجعل أمريكا تعيش متقوقعةً على نفسها، راميةً بمصالح العالم أجمع عرض الحائط.انتهى/س

اضف تعليق