شهدت الفترة الماضية الكثير من الاضطرابات في مملكة الأردن، إذ خرج المحتجون إلى الشوارع في مناسباتٍ عديدة يشكون ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة، ويطالبون الملك بمواجهة الفساد. وفي خضم تلك الاضطرابات الداخلية، يواجه عبد الله ملك الأردن أزمة في علاقاته الخارجية، إذ يبدو وكأنَّ حلفاء المملكة التقليديين يتخلون عنها في الوقت الحالي.

تشير مجلة الايكونوميست إلى أنَّ الوضع الداخلي يمكن تلخيصه في حادثتين أخيرتين. أولهما الحملة الرسمية للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين لتولي الملك عبدالله عرش المملكة الأردنية، والتي كان شعارها "كلنا الملك عبدالله". فمعدل المشاركة الضعيف في المناسبة، التي تحل في السابع من فبراير (شباط) كل عام، ألمح إلى أنَّ القليلين لديهم هذا الشعور. ولم تفلح صواني المنسف الشهيرة، وأكداس اللحم باللبن المطبوخ، في إثارة حشودٍ أكبر للحضور.

وثانيهما جاء بعد شهرين، في المنتدى الاقتصادي العالمي المعني بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي أقيم بمنطقة البحر الميت في الأردن. إذ أخفق المنتدى في اجتذاب الجماهير المرجوة من الشخصيات العالمية البارزة. مما يسهم في توكيد الانطباع، الذي أبداه مسؤولٌ أردني سابق، بأنَّ "الملك يفقد مكانته في الداخل والخارج".

وتستعرض "إيكونوميست" وضع الأردن طوال السنين الماضية. فبينما تمتلك دول الشرق الأوسط الأخرى النفط، حظي الأردن بموقعٍ مهم على مفترق طرق استراتيجي، وهو ما جعل القوى الغربية والإقليمية تحرص لمدةٍ طويلة على استقراره. وفي الوقت الذي ولّت فيه بعض الدول العربية وجهها إبان الحرب الباردة صوب الاتحاد السوفيتي، كان الأردن حليفًا موثوقًا ومعتدلًا للغرب.

كما مثَّلت وسيطًا للتعامل مع الجارة إسرائيل، التي وقعت اتفاقية سلام معها، حينما نأت باقي الدول العربية بنفسها عن الدولة اليهودية. بالإضافة إلى استخدام الولايات المتحدة الأراضي الأردنية مركزًا لانطلاق قواتها الخاصة إلى العراق، وقاعدةً للتنسيق مع المعارضة في الحرب الأهلية السورية.

المملكة التي يمكن الاستغناء عنها

لكنَّ الأردن اليوم، وفقًا للمجلة، لم تعد بذات الأهمية في المنطقة. فالعديد من الدول العربية الآن تتعامل مع إسرائيل بشكلٍ مباشر. وبعض تلك الدول منزعجة من عدم التزام الملك عبدالله بالموقف المنتظر منه من القضايا الإقليمية. فالأردن حافظت على علاقاتها مع قطر، التي نبذتها دول خليجية أخرى، وتراجعت عن دعمها تحالف الحرب في اليمن بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة. علاوةً على ما تراه تلك الدول موقفًا لينًا من الملك إزاء جماعة الإخوان المسلمين، حيث يُسمح لها بالعمل في الأردن، رغم حظرها في كل مكانٍ آخر. فضلًا عن مصافحته حسن روحاني، رئيس إيران، التي تبغضها دولٌ عربية كبرى.

ولم تسحب الولايات المتحدة قواتها من المنطقة فحسب، بل وفقدت أيضًا على ما يبدو اهتمامها السابق بالأردن. فالملك عبد الله لا يكف عن شكوى تجاهل إدارة دونالد ترامب له، في الوقت الذي تضع فيها خطة للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

ويخشى الملك دفعه إلى توفير وطنٍ دائمٍ للملايين من الفلسطينيين، الذين يمثلون أصلًا أغلبية السكان في الأردن، مما سيجعل منها دولة فلسطينية بحكم الأمر الواقع. ويقلقه أيضًا احتمال أن تهمل الخطة دعواه التاريخية بالوصاية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس، أو أن تمنح دولًا يدعمها ترامب، مثل السعودية، دورًا في المدينة على حسابه.

على الجانب الآخر، ترى المجلة أنَّ الولايات المتحدة والسعودية والإمارات بإمكانهم الضغط على الأردن من خلال قطع المساعدات عنها. فالولايات المتحدة تمنحها أكثر من مليار دولار سنويًا، ما يمثل نحو 2.5% من إجمالي الناتج المحلي.

وضخت الدول الخليجية عديدًا من المليارات في المملكة خلال الربيع العربي وبعده. غير أنَّ السعودية لم تجدد تقديم حزمة مساعداتها سنة 2017، وهي خطوة رأت فيها السلطات الأردنية عقابًا لها على سياساتها المُنشقة. وبعدها بعدة شهور، قال الملك عبدالله إنَّه تعرض لضغوطٍ لتخفيف حدة معارضته لقرار الرئيس ترامب إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل.

وحينما واجهت الأردن أزمةً اقتصادية العام الماضي، وعدت الدول الخليجية (بما فيها السعودية) بتقديم مبلغ 2.5 مليار دولار، على هيئة قروض بالأساس. إلا أنَّها لم تُحوِّل سوى جزءٍ بسيط من ذلك المبلغ حتى الآن.

غضبٌ داخلي

يضيف التقرير أنَّ الملك عبدالله في حاجة إلى تلك المساعدات. فالملايين من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين لجأوا إلى الأردن، وهو عبءٌ في رأيه لا يمكن للأردن القيام به وحدها. فالدين العام يساوي 95% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي. وقد اتخذت الحكومة الأردنية إجراءاتٍ تقشفية، فقطعت الدعم وفرضت ضرائب جديدة، مما أدى بالأسعار إلى الارتفاع.

كما أن أكثر من مليون مواطن من سكان الأردن البالغ عددهم عشرة ملايين يعانون الفقر. وتصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 41%. ويبلغ الطلب على الوظائف درجة أنَّه عندما أعلنت السفارة الأمريكية حاجتها إلى سكرتير للعمل بها، أذاعت محطات الراديو الخبر في نشراتها. وينقل التقرير عن سامر الطويل، وزير الاقتصاد السابق، قوله إنَّ "مراكز التسوق والأسواق والمطاعم خاوية".

وبينما كان المواطنون عادةً يلقون باللوم في معاناتهم على الوزراء الجشعين والمسؤولين الفاسدين، ويتطلعون إلى الملك راجين الإصلاح، فإنَّهم الآن عندما يخرجون في احتجاجاتٍ، وهو ما بات يحدث كثيرًا، تستدعي هتافاتهم الملك عبدالله باسمه.

فينتشر هتافٌ: "الأسعار زي النار.. وعبدالله يلعب قمار". ويقول أحد شيوخ بني حسن، كبرى عشائر المملكة: "لا يجوز أن يتحمل الأردن عبء نفقات الأسرة المالكة". وفي رسالةٍ واسعة الانتشار، وجهها الوزير السابق أمجد المجالي، طالب الملك "بملاحقة الفاسدين جميعهم… بمن فيهم الدائرة المحيطة بك".

وبلغ الغضب أشده بين البدو الذين يمثلون السكان الأصليين للبلاد، ويهيمنون على أجهزة الأمن والمخابرات. وتستدل إيكونوميست على ذلك بالخطابات المفتوحة التي يوقع عليها ضباط سابقون، معلنين أنَّهم لم يعودوا يعترفون بعبد الله وزوجته الفلسطينية رانيا ملوكًا لهم، وهدد بعضهم بحمل السلاح. وعلى إثر تقارير وردت بوجود مخططات للانقلاب عليه، أطاح الملك وزير الداخلية ومدير المخابرات. وسرعان ما ألقى المسؤولون الذين حلوا محلهم القبض على زعماء العشائر، مما زاد من اشتعال الموقف.

وبحسب المجلة، فإنَّ بعض شيوخ القبائل يتطلعون إلى الأمير حمزة، الأخ غير الشقيق للملك، الذي أُزيح من ولاية العهد عام 2004، لإفساح الطريق أمام ابن الملك. فعربية الأمير حمزة الفصيحة (التي اكتسبها من مخالطة رجال القبائل في أثناء صغره) تجعله أقرب إلى البدو، على خلاف الملك الذي شبَّ على تحدث الإنجليزية. وكان الأمير، بعد سنواتٍ من الانزواء عن الأنظار، قد عاود الظهور في الإعلام.

ويقول سياسي أردني: "هذا الظهور لم يكن ليحدث دون موافقة دائرة المخابرات". وثمة دعوات أيضًا آخذة في التنامي تدعو إلى اختيار حكومة من خلال صناديق الانتخاب، وليس بمراسيم ملكية. لهذا ترى المجلة أنَّه يجدر بأصحاب السلطة في الأردن مشاركتها، بدلًا من المخاطرة بخسارة كل شيء.

اضف تعليق