ألقى تقرير لصحفية نيويورك تايمز الضوء على مشاهد مرعبة وحزينة من العراق، حيث تنسحب المياه من الأراضي التي كانت يوما ما تغطيها، وينزح السكان نحو ما تبقى من مخزونات مائية قليلة.

وتقول معدة التقرير أليسا روبنز التي تجولت كاميرا تقريرها في عدة مناطق بالعراق، إن الأراضي التي توصف بأنها "الهلال الخصيب، ومهد الحضارة، والبلد الذي يعني اسمه (ميزوبوتاميا) بلاد مابين النهرين، يتحول إلى صحراء قاحلة".

وعلى طول نهر الفرات، تقول الصحفية إن الناس "يفككون منازلهم، وينقلون أماكن سكنهم بعيدا" بحثا عن المياه.

وقالت الأمم المتحدة، قبل نحو أسبوعين، إن موجة الجفاف الحالية هي الأسوأ منذ 40 عاما والوضع "مقلق" على صعيد الأهوار التي خلا 70% منها من المياه.

وفي الناصرية، تسجل الصحفية مشاهدات قاسية للأراضي المتشققة بفعل الجفاف، في الأهوار التي كانت مغطاة بمترين أو أكثر من المياه في ما مضى.

وتشير آخر التقديرات إلى أن مساحة الأهوار تبلغ اليوم حوالي 4 آلاف كيلومتر مربع، بتراجع عن 20 ألف كيلومتر مربع خلال تسعينيات القرن الماضي. ولا يزال يقطنها نحو بضعة آلاف فقط.

ويعود هذا التراجع خصوصا إلى ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار، ما دفع في السنوات الأربع الأخيرة الأهوار نحو الخراب، فيما كانت تعاني أصلا بفعل سدود بنتها تركيا على نهري دجلة والفرات.

وتقول الصحفية إن الحقول الزراعية الجافة أصبحت مشهدا مألوفا في المناطق التي كانت خضراء في البلاد، بينما "تصبح المياه الجوفية أكثر ملوحة وغير صالحة للشرب أو الزراعة".

وفي القرن 20 كانت مدينة البصرة تعرف باسم "فينيسيا الشرق" بسبب وجود القنوات المائية التي تسير فيها قوارب عبر الأحياء السكنية.

وخلال التاريخ، لم تكن المنطقة تعاني من الجفاف، في الحقيقة حتى اختيارات الفلاحين للمحاصيل، مثل الرز عالي الحاجة للمياه، كان يدل على وفرة في المياه.

ووفقا لخبراء تحدثوا للكاتبة، فإن "تغير المناخ والتصحر هما السبب، بالإضافة إلى الإدارة الضعيفة والاعتماد المستمر على تقنيات الري المسرفة التي يعود تاريخها إلى العصر السومري، وفقا للتقرير.

وتشير الصحفية إلى تداعيات نقص المياه على المجتمع حيث "تتآكل العلاقات الاجتماعية، وتندلع اشتباكات دامية بين المزارعين ومربي المواشي، ويتشرد آلاف من الناس كل عام".

وتتسبب الأنهار والمياه الجوفية المستنفدة والقذرة في حدوث التيفوئيد والتهاب الكبد A وتفشي الكوليرا.

وفي العديد من المناطق، تكون المياه التي يتم ضخها من تحت السطح مالحة جدا بحيث لا يمكن شربها، نتيجة لتضاؤل المياه والجريان السطحي الزراعي والنفايات غير المعالجة.

وحتى في الشمال، حيث كانت المياه العذبة متاحة تاريخيا، حفر حفارو الآبار في أربيل، عاصمة كردستان العراق، 580 قدما في الصيف الماضي، ولا يزالون يجدون المياه المالحة فقط، وفقا للكاتبة.

وتنقل الكاتبة عن تشارلز أيسلاند، مدير الأمن المائي لمعهد الموارد العالمية، قوله إنه "بسبب نقاط الضعف في هذه المنطقة، وهي واحدة من أكثر المناطق ضعفا على هذا الكوكب، فهي واحدة من الأماكن الأولى التي ستظهر نوعا من الاستسلام الشديد، حرفيا ، لتغير المناخ".

ومنذ عام 1974، قامت تركيا ببناء 22 سدا ومحطة للطاقة الكهرومائية ومشاريع ري على نهري دجلة والفرات.

ونتيجة لكل هذا انخفضت المياه المتدفقة إلى العراق بنسبة 50 في المئة تقريبا على نهر الفرات وبنحو الثلث على نهر دجلة منذ بدء بناء السدود الرئيسية في سبعينيات القرن العشرين، وفقا لإحصاءات وزارة الموارد المائية.

وأشار مخطط بياني مرفق بالتقرير إلى أن التدفق في نهر دجلة نقص من 53 مليار متر مكعب في عام 1996 إلى 32 مليارا في عام 2022.

وفي الوقت الحالي، ليس لدى العراق ما يكفي من المياه لتلبية احتياجاته، كما يقول البنك الدولي.

ولكن بحلول عام 2035، يمكن أن يتسع العجز المائي بشكل كبير، مما يقلل من الإمدادات الغذائية المحلية في البلاد والاقتصاد ككل، وفقا للتقرير.

اضف تعليق