أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد أياد العنبر ان العراق يشهد إشكالية الهويّة ما بين البنيويّة أو المصطنعة التي ظهرت بعد الاحتلال الأميركي.

وقال العنبر ان الهويّةُ العراقيّةُ مرّت بمراحل تاريخية عدّة الأولى جيل السقوط: (عشية انهيار الدولة العثمانية والاحتلال البريطاني)، ومرحلة الحكم المَلَكي، ومرحلة الحكم الجمهوري، (الجمهورية الأولى 1958-1963)، والجمهورية الثانية (1963-1968)، والجمهورية الثالثة (1968-1979)، والجمهورية الرابعة (1979-2003)".

وأضاف "ورث النظامُ العراقيّ بعد 2003 معظم الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات السابقة، أهمّها المحاصصة والطائفية، والمبالغة بالاعتقاد بأنَّ المجتمع العراقي يتكوّن من ثلاث مجموعات متجانسة، (الشيعة والسنة والكرد)". وتابع ان "هذه التراكمات تركت أثراً ملحوظاً على الذاكرة والهويّة وإدارة التنوّع على مستوى المكوّنات الاجتماعية الرئيسة والفرعيّة بعد 2003، فبعد أن كانت السلطةُ السياسية في الجمهورية الرابعة صانعة لِلهويّة لأغراض الحفاظ على السلطة، أضحت القوى السياسية بعد 2003 متصديّة لِعملية صناعة الهوية، فكلّ مُطّلع على مجمل الواقع الاجتماعي العراقي بإمكانه أن يشهد ظاهرة التدين الشعبي وأثرها على وعي فئة كبيرة مِن المواطنين في اتخاذ القرار واختيار الولاءات السياسية".

وأشار العنبر الى ان جزء كبيرا اتسم من الهوية العراقية بصفات بعد عام 2003 متأثرةً بخطاب أحزاب السلطة، لعلَّ أهمها الطائفية، إذ بات التفكير في الإطار الطائفيّ الضيّق سمة بارزة في بين فئات غير قليلة من العراقيين، و"محاصصة السلطة" إذ بدأت في فترة متقدّمة في تاريخ العراق المعاصر، ولكنّها ترسخت بعد 2003 حتّى أصبحت سمة بارزة في الأوساط السياسية والمؤسسات الحكومية؛ ومن ثمَّ "التطرف الديني والانغلاق على الآخر"، وهي نتيجة بديهية لِلخطاب الطائفي الذي وظّفته الأحزاب السياسية. ومن هنا وجدت التنظيمات الإرهابية بيئةً اجتماعية خصبة لِترويج التطرف والعنف ضدّ المكونات الأخرى".

ولفت الى أنَّ ضعف المنظومة التعليمية وتراجعها بسبب إخفاقات النظام السياسي كان له الدَور الأكبر في تراجع الوعي المجتمعي وصعود هويّة منغلقة على الآخر.

وأكمل بالقول إنَّ الطائفيةَ –بوصفها سمة بارزة في الذاكرة والهويّة الراهنة- لا تسمح لِلتنوّع أن يؤدّي دَورَه الإيجابيّ. أمّا الحلول فهي موجودة في جُعبة الأحزاب العراقيّة، فإنّها اليوم بما تملكه من رصيد جماهيري ومن حصّة كبيرة في السلطة تستطيع إحياء مشروع بناء الهوية الوطنية الذي تبنّاه النظام الملكيّ فيما لو توفرت الإرادة الصادقة، وذلك من خلال إصلاح سلوكها وتجاوز الرؤى المؤدلَجة، لأنَّها التي أمست علامةً بارزةً في الذاكرة العراقية ليست نتيجة تعددية المجتمع، بل هي نتيجة تدخل السلطة سلباً في إدارة الجماهير لِصالح منافعها.

اضف تعليق