فتح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ملف انتزاع الاعترافات قسراً خلال التحقيقات القضائية، فيما خصص بريداً إلكترونياً لاستقبال شكاوى من تعرضوا للتعذيب، وسط مخاوف من أن يكون التحرك إعلامياً فقط.

إذ دعا المرصد العراقي لحقوق الإنسان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى إشراك المجتمع المدني في اللجنة الخاصة التي أعلن عنها لاستقبال شكاوى الأشخاص، الذين تعرضوا للتعذيب.

وذكر المرصد، في بيان صحافي، أن هذه الدعوة تأتي "على أساس معلومات وتقارير تفيد أن لجنة (مكافحة الفساد) التي عرفت أيضاً بـ(لجنة أبو رغيف ـ نسبة إلى رئيسها وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات، أحمد أبو رغيف) في الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، انتهجت التعذيب خلال مراحل التحقيق مع رجال أعمال وسياسيين اعتقلتهم بتهم فساد. ولا يقتصر التعذيب على هذه اللجنة فحسب، بل أن التعذيب تحول إلى أشبه بالظاهرة في السجون والمعتقلات العراقية، وفقاً للتقارير التي رصدت ذلك، طيلة السنوات الماضية".

وسبق أن كشف عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، علي البياتي في تدوينة له، عن "‏انتهاكات لجنة الأمر الديواني (29)" وهي ذاتها لجنة أبو رغيف، كما يُطلق عليها محلّياً.

وأضاف: اعتقل ما يقارب 80 شخصية أغلبهم من موظفي الدولة بدون أوامر قضائية وغيبوا لفترة طويلة، وتعرضوا لشتى أنواع التعذيب القاسي النفسي والجسدي منها (الحرمان من النوم، الضرب بالعصي، الإيهام بالغرق، الخنق بالأكياس، التعليق، الصعق بالكهرباء)".

وعلى هذا الأساس، رأى المرصد، "أهمية ألا يتحول عمل هذه اللجنة إلى انتقامي يفتقد للمعايير الحقوقية ويتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، وأن يكون هدفها (اللجنة) كشف الحقائق ومحاسبة الجناة، على أي مخالفات أو انتهاكات أو جرائم ارتكبوها". غير إنه ثمّن في الوقت عينه، دعوة السوداني، لافتاً إلى أن، "إذا تحولت إلى عمل على أرض الواقع، فهي تعزيز حقيقي لحماية حقوق الإنسان، لكنها تبقى دعوة منقوصة وبحاجة إلى شمولية أكبر في الملفات التي تحقق فيها، وإلى إشراك المجتمع المدني لتأكيد الشفافية ومنع استخدامها لأهداف وأغراض سياسية".

وأوضح أن "عمليات التعذيب لا تقتصر على مراحل التحقيق فحسب، بل في مراحل الحبس والسجن أيضاً، إذ أن اعترافات سجناء أفرج عنهم أو ذوي بعضهم الذين ما زالوا في السجون تؤكد أن التعذيب ما زال مستمراً".

ودعا، في بيانه حكومة السوداني، إلى "عدم استخدام هذه اللجنة لأغراض سياسية، وأن تنظر إلى الملفات على أنها حقوقية وتشمل جميع الذين انتهكت حقوقهم على مدى العقدين الماضيين، ورغم صعوبة التحقيق في جميع الملفات والخروج بنتائج واضحة نظراً للظروف المعقدة في البلاد، إلا أن ذلك لا يمنع أن تتوسع الحكومة في عملها وتتشكل من الحكومة والمجتمع المدني، بالإضافة إلى مفوضية حقوق الإنسان باعتبارها المؤسسة الوطنية في البلاد".

في السياق أيضاً، رأى البياتي في تدوينة مُنفصلة أن "‏توجيه رئيس الوزراء باستلام شكاوى التعذيب والإخفاء القسري خطوة جيدة، ولكن من الأفضل تفعيل الإدعاء العام ومفوضية حقوق الإنسان، ولتحقيق شيء ملموس بشكل سريع"، مشدداً على وجوب "إيقاف مذكرات القبض واستبدالها بالاستقدام، وتجميد اعتماد الاعتراف من قبل المتهم واستبداله بالأدلة الملموسة".

والأسبوع الماضي، شدد وزير العدل، خالد شواني، على أهمية الالتزام بحقوق الإنسان في التعامل مع نزلاء السجون العراقية.

وحسب بيان صحافي، فإن الوزير، أكد وجوب "ضمان الالتزام بحقوق الإنسان، وحقوق النزلاء بشكل خاص ونقل الصورة المشرقة للعراق إلى العالم بمحافظته على حقوق مواطنيه، ومحاسبة من يحاول التعدي على حقوق الإنسان وفق القانون".

في مقابل ذلك، حذّر مرصد "أفاد" المعني بالدفاع عن حقوق الإنسان في العراق، من أن تكون خطوة حكومة السوداني، باباً لإخراج شخصيات نافذة أدينت بزمن حكومة الكاظمي.

وقال، في بيان صحافي، أمس، إنه يتعامل مع قرار السوداني، بشأن، تقديم ضحايا التعذيب ونزع الاعترافات بالإكراه أو قسرا عبر الابتزاز، شكاواهم إلى السلطات، عبر سلسلة من الإحاطات التي تلقاها خلال الساعات الماضية من ذوي ضحايا التعذيب ونزع الاعترافات في ظروف غير آدمية تعرضوا لها بالسجون طوال السنوات الماضية.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه المرصد، الخطوة الحكومية، أنها "رهن نتائجها وما ستسفر عنه الأيام المقبلة، قبل الحكم عليها"، فقد، طالب الحكومة العراقية بـ"مزيد من الإيضاحات حول كيفية تقديم ذوي الضحايا شكاواهم وأدلتهم، وكذلك إمكانية أن يُقدم الضحايا أنفسهم بالسجون شكاواهم".

كما شدد على أهمية أن "تشارك بعثة الأمم المتحدة على وجه التحديد في الإشراف على اللجنة التي ستتولى النظر بالشكاوى، وكذلك توضيح مصير ضحايا التعذيب بالصعق الكهربائي والخنق والابتزاز بالعرض والأهل، ومصير من لا يملكون أدلة مادية مثل ندوب أو جروح جراء التعذيب".

وأشار إلى أن "القول في 90 ٪ نسبة الذين تم انتزاع اعترافات منهم تحت تعذيب شديد قد تكون أقل بالواقع في كثير، إذ بات التعذيب أسلوب ونهج مراكز الشرطة ومقرات الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية، لذا فإن العدل يقتضي بتبني الحكومة مشروعا بإعادة محاكمة السجناء في ظروف عادلة وإنسانية وقانونية، وهو ما يوجب أن يتولى البرلمان حراكا حقيقيا منذ الآن لإنقاذ حياة عشرات آلاف المعتقلين الذين يقضون أحكاما غير عادلة بسبب التعذيب أو ما يعرف بـ(المخبر السري)".

وحذّر بيان المرصد من أن "تكون خطوة حكومة السوداني محاولة لإيجاد مخرج أو فتح نافذة لشخصيات تمت إدانتها في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ضمن ما تعرف بـ(لجنة أبو رغيف) أو المتهمين باغتيال الناشطين والمتظاهرين والذين ينتظر بعضهم محاكمته منذ أكثر من عام وسط مماطلة قضائية".

وانضم العراق لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984؛ بموجب القانون رقم (30) لسنة 2008 حيث تم ايداع صك الانضمام في 07 يوليو/تموز 2011؛ ولم ينضم الى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.

كذلك، شرع قانون إصلاح النزلاء والمودعين رقم (14) لسنة 2018، الذي وحد إدارات سجون الكبار والأحداث وجعلها تحت سلطة وإشراف وزارة العدل.

وتم حظر التعذيب في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، إضافة إلى ذلك، نص أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (7) في المادة (3) العقوبات، ضمن الفقرة رقم (2) على: يحظر التعذيب وتحظر المعاملة او العقوبة القاسية أو المهينة أو غير الإنسانية.

اضف تعليق