نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للصحفية كولي كورنيش كشفت فيه قصة أحد الصحفيين الخمسة الاكراد الذين حاكمتهم سلطات الاقليم بمزاعم التجسس بعد نشرهم تقارير عن التظاهرات التي نظمها موظفون احتجاجا على عدم تسلم رواتبهم في سنة 2020.

تقول كورنيش إن الكابوس بالنسبة لشيروان شيرواني بدأ عندما توقفت ست سيارات للشرطة خارج منزل عائلته في ضواحي أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، واقتحم ما لا يقل عن 10 ضباط المنزل وطاردوا الصحفي المستقل البالغ من العمر 38 عاما في الطابق العلوي، وقاموا في النهاية بتثبيته بمسدس على رأسه. واتهم رئيس وزراء الإقليم الرجل المعتقل في وقت لاحق بالتجسس.

ووصفت زوجته، رجش عزالدين محيي الدين، التي شهدت الاعتقال في 7 تشرين الأول/ أكتوبر مع اثنين من أطفالهما أعمارهما 8 و12 عاما، بأنه "مرعب ووحشي". تقول إنها تعلم أن زوجها يعمل في وظيفة خطيرة.

منذ ما يقرب من 15 عاما كتب مقالات ينتقد فيها حكومة إقليم كردستان، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي على الأراضي ذات الأغلبية الكردية في العراق.

كان قد تجاهل مناشدات سابقة من زوجته للتوقف عن الكتابة. وتجاهل دعم عائلته التقليدي للحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم -الذي تسيطر عليه عائلة بارزاني- لمواصلة الكتابة عن الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وانتهاكات حقوق الإنسان واستيلاء المسؤولين على الأراضي. تقول محيي الدين، مدرسة الاقتصاد: "كانت (السلطات) تراكم ما يسمونه هذه الجرائم (نقده لها) لفترة طويلة".

كان شرواني واحدا من خمسة أشخاص من شمال غرب كردستان العراق تم اعتقالهم في تشرين الأول/ أكتوبر. الشيء المشترك بينهم هو مشاركتهم إما في تنظيم أو كتابة تقارير عن الاحتجاجات المناهضة للحكومة على رواتب القطاع العام غير المدفوعة في عام 2020.

واتُهموا جميعا فيما بعد بتهديد الأمن القومي. قبل أسبوع من بدء المحاكمة في شباط/ فبراير، قال مسرور بارزاني، رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، للصحفيين إن المعتقلين "ليسوا ناشطين ولا صحفيين. وكان بعضهم جواسيس، وتجسسوا لصالح دول أخرى".

حُكم على الخمسة جميعا فيما بعد بالسجن ست سنوات بتهم تتراوح من التجسس إلى محاولة تنظيم الكفاح المسلح، بعد محاكمة أدانتها ’هيومن رايتس ووتش‘ لأنه "شابها انتهاكات جسيمة لمعايير المحاكمة العادلة بالإضافة إلى تدخل سياسي رفيع المستوى".

وتتعلق تهم التجسس بالصلات بين المتهمين والمسؤولين الألمان والأمريكيين، وكذلك المحامين الأمريكيين، ومجموعة الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي التي استخدمها الرجال الخمسة لتبادل المعلومات حول الاحتجاجات. وقالت السفارة الأمريكية في بغداد إنها "تابعت (القضية) عن كثب"، لكنها لم تصل إلى حد انتقاد حليفها الإقليمي الذي كان حاسما في هزيمة تنظيم داعش.

ومع ذلك، فقد أثارت الأحكام إدانة دولية نادرة، وسلطت الضوء على الانجراف الاستبدادي لشبه الدولة التي تهيمن عليها عائلتان، برزاني وطالباني. يمتد نفوذهم إلى عمق أجهزة الأعمال والأمن في كردستان العراق، وهي منطقة غنية بالنفط يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة. وأيدت محكمة الاستئناف الأسبوع الماضي تلك الأحكام. مما دعا القنصلية الألمانية في أربيل إلى انتقاد قرار محكمة الاستئناف.

وقال القنصل الألماني في تغريدة له إن "التبادل الحر مع الصحفيين والناشطين هو جزء لا يتجزأ من العمل اليومي للدبلوماسي"، مؤكدا أن "إشارة المحكمة" إلى أن المتهمين اجتمعوا مع المسؤولين الألمان "هو أمر سخيف ويتعارض مع روح علاقاتنا الوثيقة والودية بين (ألمانيا) و (حكومة إقليم كردستان)".

وليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني احتجاجات في الشوارع، لكن شرارة الاضطرابات الأخيرة كانت عدم دفع رواتب الحكومة.

وهناك ما يقدر بمليون شخص في كردستان - أو حوالي واحد من كل خمسة - يتلقى راتبا حكوميا أو معاشا تقاعديا. يقول المحللون إن طفرة التوظيف، التي بدأت في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع استخدام كلا الحزبين مناصبهم في الحكومة للتأثير على التوظيف، كانت مصممة لشراء الدعم السياسي.

يقول رشو، وهو ضابط مخابرات سابق طلب عدم ذكر اسمه الثاني: "بمجرد حصولك على الفوائد، عليك أن تكون مخلصا". يشتكي آخرون من أنه بدون واسطة لا يمكنك الوصول إلى وظيفة حكومية.

ونظم موظفو القطاع العام بمن فيهم المدرسون والأطباء مظاهرات. لكن ناشطين يقولون إنهم يواجهون المضايقات والترهيب.

أما بالنسبة لمن حاولوا التشهير بالفساد، تقول محي الدين إن زوجها شرواني واجه منذ فترة طويلة محاولات لإسكاته: "عُرض عليه أي راتب يريده (من قبل المسؤولين) فقط لوقف كتاباته.. لو كان قد استمع إليهم، فربما سنعيش في مدينة الأحلام (مشروع تطوير سكني في أربيل بقيمة 300 مليون دولار). كان شرواني يحاول العثور على وظيفة غير صحفية، لكن زوجته تقول إن طلباته باءت بالفشل.

الآن تربي أربعة أطفال بمفردها، ما زالت تعتقد أن شرواني كان على حق في مواصلة النشر، نقلا عن قول كردي: "أن تكون مظلوما أفضل من أن تكون أنت الظالم".

اضف تعليق