زيارة الاربعين التي جلبت انظار العالم لعظم ما تحويه من اكبر تجمع بشري ديني سنوي في العالم بالاضافة الى كمية العطاء والبذل قبل الموالين لاهل البيت فيها، كلها لم يثر وسائل الاعلام الغربية اذ استمرت بنفس طريق التعتيم الاعلامي، او توظيفها بطرق تحرف مسار الزيارة. 

في هذا الموسم تم رصد ممارسات لا تتوافق مع المهنية واخلاقيات العمل الصحافي التي ابتكرتها وتروج لها وسائل الاعلام الغربية "الكبرى" وعلى رأسها وكالة "رويترز" وقناة "بي بي سي" البريطانيتين اذ حاولت الاولى تقزيم الزيارة الى اعداد غير معقولة فيما قامت الاخرى بتوظيفها في اطار سياسي لا يخلو من لغة تحريضية طائفية.

الوكالة العالمية مارست عملية تقزيم الحدث وهو خلاف للمصداقية، لكن ما فعلته "البي بي سي" قد يكون اسوأ بكثير مما قامت به رويترز، هذه التغطية غير المنصفة لاقت ردود افعال غاضبة من قبل الصحفيين العراقيين. 

عالم اليوم الذي تسوده الصورة اكثر من اي شيء، اختلط فيه الواقع بالخيال، وذابت المصداقية في وحل التضليل، وتسنمت السياسة عرش الاهتمام الاول عن طريق اليات صنع الواقع وتهميش الحقيقة عبر وسائل الاعلام، وهنا اصبح امتلاك قضية سامية غير كاف لعولمتها بدون تغطية وسائل الاعلام التي امتلكت مفاتيح العقول والقلوب.

وزيارة "الاربعينية" كما يحلو للعراقيين تسميتها، تمثل اكبر تجمع بشري عقائدي بالعالم. اعداد مليونية قل نظيرها تزحف نحو مدينة كربلاء على بعد مئات الكيلومترات قد تصل الى ما يقرب من ٥٠٠ كيلومتر من اقصى جنوب العراق، في رحلة تمتد على عشرين يوما (من اول صفر حتى العشرين منه)، وينطلقون باعداد غفيرة من محافظات الوسط والجنوب كافة، وسكان العاصمة بغداد وديالى وبعض الاقضية والنواحي الشمالية، يضاف لهم الوافدون من خارج العراق والذين يدخلون من الحدود البرية لدول الجوار او عن طريق النقل الجوي، ليجتمعوا جميعا في كربلاء المقدسة في مشهد قل نظيره في العالم وربما لا يشابهه اي تجمع عالمي من حيث التنظيم والخدمات المجانية.

في هذا الموسم تم رصد ممارسات لا تتوافق مع المهنية واخلاقيات العمل الصحافي التي ابتكرتها وتروج لها وسائل الاعلام الغربية "الكبرى" وعلى رأسها وكالة "رويترز" وقناة "بي بي سي" البريطانيتين (عينة الرصد لمقالنا)، اذ حاولت الاولى تقزيم الزيارة الى اعداد غير معقولة فيما قامت الاخرى بتوظيفها في اطار سياسي لا يخلو من لغة تحريضية طائفية.

 تقزيم الزيارة المليونية

وكالة رويترز نشرت موضوعا مقتضبا يتحدث عن "مئات الالاف يتوافدون الى مدينة كربلاء" و"نساء يحملن اطفالهن" و"زوار من ايران وباكستان والبحرين". وخلفية خبرية تذكر بان الزوار كانوا يتعرضون لتفجيرات ارهابية.

توظيف الزيارة في الصراعات الدولية

لكن ما فعلته "البي بي سي" قد يكون اسوأ بكثير مما قامت به "رويترز" فالقناة البريطانية "بي بي سي" التي يقدسها الكثير من الصحفيين العرب، قامت باخذ جانب واحد من الحدث وابرازه باعتباره هو الكل، وبعد ان حصرت الملايين في خبر صغير، ذكرت "بي بي سي" في الشريط النصي اسفل التقرير "السي جي" ما نصه "كربلاء تحيي ذكرى (اربعينية الحسين) وسط استنفار امني لتامين اكثر من ٢.٥ مليون زائر ايراني. والصحفيون يعرفون ان هذا الشريط يمثل خلاصة الحدث واتجاه القناة ازاءه.

هذه التغطية غير المنصفة لاقت ردود افعال غاضبة من قبل الصحفيين العراقيين الذين وجدوا فيها تحريفا للحقائق واقحاما للمارسات الدينية في الصراعات الدولية الكبرى، اذ كتب الصحفي سلام الحسيني على صفحته في فيس بوك، ان قناة بي بي سي "تسقط في وحل الانحطاط الاعلامي، وهذا ليس جديدا على من يتلاعب بالمفاهيم لتضليل العالم بالمال الذي توظفه ادارة المخابرات الدولية وكل من له خلاف (...) لفرض الاسقاطات الخبيثة على العراقيين (...) ماذا يعني رقم ٢مليون زائر ايراني امام ما يقرب من ٢٠ مليون اخرين؟ لماذا تهتم البي بي سي بالرقم الاول بدل الاخير؟ لمصلحة من تسعى القناة لتحديد هوية الزائر؟".

اذا هي لعبة سياسية كبرى وصراع دولي يريد استخدام كل ما هو عراقي كوقود لحرق خصمه، واذا فقد الحدث العراقي مقومات الصراع يتم تهميشه بكل بساطة مهما حمل من معايير العمل الاعلامي وقيمه الاخبارية، وحينما يتم اعداد عشرات التقارير عن مولود جديد لحيوان "الباندا" باعتباره حدثا استثنائيا، مقابل تجاهل اناس يجمعون قوت ٣٦٥ يوما من اجل اطعام غيرهم رغم الفقر والحرمان؛ هنا يصبح عدم الايمان بنظرية المؤامرة هو مؤامرة بحد ذاته او جهلا بمجريات الامور.

اضف تعليق