في ظل استمرار العراق لاستيراد الغاز الإيراني الذي يكلفه سنويا أموالا طائلة لنحو 4 مليارات دولار، لسد احتياجات البلاد المتزايدة من الطاقة، وتحرك حكومة السوداني المتأخر لاستثمار الغاز المصاحب لعمليات الإنتاج النفطي، هل ستؤدي الى تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد.

وكانت أعلنت وزارة النفط العراقية أن حقل "حلفاية" الغازي بمحافظة ميسان (جنوب البلاد) سيدخل حيز التشغيل الفعلي نهاية مارس/آذار القادم، وقال وكيل وزارة النفط لشؤون الغاز عزت صابر في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن الحقل سينتج 300 مليون قدم مكعب قياسي يوميا، موضحا أن هذا الحقل سيضاف لبقية الحقول التي دخلت حيز الإنتاج.

وكانت وزارة النفط العراقية قد أطلقت العام الماضي جولة تراخيص في مجال النفط والغاز في سعي حكومي دؤوب لتعزيز استثمار الغاز المصاحب في البلاد لسد الحاجة المتصاعدة في إنتاج الطاقة الكهربائية، لاسيما أن العراق يعتمد بشكل كبير على الغاز الإيراني المستورد، والذي يكلف الدولة مليارات الدولارات سنويا، في ظل احتمال عدم تجديد واشنطن للاستثناء الذي يتيح للعراق استيراد الغاز الإيراني في ظل تصاعد التوترات الإقليمية واستهداف القواعد الأميركية بالمنطقة.

وتطرح العديد من التساؤلات عن مدى إمكانية العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، لاسيما في ظل العقود الضخمة التي وقعها العراق مع شركة "توتال إنيرجيز" الفرنسية وغيرها.

استثمارات كبيرة

وتعليقا على الاستثمارات المتصاعدة في العراق للغاز المصاحب لعمليات الإنتاج النفطي، أكد عضو لجنة الطاقة النيابية هاتف سهر المشعل أن حرق الغاز المصاحب المستمر منذ سنوات كان له تأثير سلبي على الاقتصاد العراقي، مبينا أن عدم الاستثمار في مجال الغاز المصاحب في جولات التراخيص السابقة بين عام 2011 و2023 أدى لخسائر فادحة فضلا عن التلوث البيئي الكبير.

وبين المشعل، في تصريح خاص للجزيرة نت، أن بلاده اتجهت منذ عامين لاستثمار الغاز المصاحب، وأن عقود مشاريع شركة توتال الفرنسية التي سترى النور منتصف عام 2026 ستؤدي لإنهاء مشكلة إحراق الغاز المصاحب في البلاد، بما سيؤمن نحو 65% من حاجة العراق الفعلية للغاز، وبما سينعكس إيجابا على الحد من استيراد الغاز الإيراني الذي يكلف البلاد سنويا نحو 4 مليارات دولار، وفق قوله.

وتابع أن أهمية استثمار الغاز المصاحب ستنعكس إيجابا على المواطن العراقي من خلال إنهاء مشكلة إحراق الغاز المصاحب الذي أدى لكوارث بيئية وانتشار واسع لأمراض السرطان في المحافظات الجنوبية المنتجة للنفط.

وفيما يتعلق باستثمار حقول الغاز الطبيعي الحر في حقلي عكاز بمحافظة الأنبار (غربا) وحقل المنصورية بديالى (شرقا)، كشف عضو لجنة الطاقة النيابية أنه من المؤمل أن تنطلق جولة التراخيص السابعة التي ستختص بالحقول الغازية قريبا، لا سيما أن هناك العديد من الشركات الدولية الإماراتية والصينية والقطرية في محافظات ديالى والبصرة وميسان والأنبار وغيرها.

وكان العراق قد أبرم 4 عقود مع شركة “توتال إنيرجيز” الفرنسية للطاقة في يوليو/تموز الماضي بقيمة 27 مليار دولار في مسعى لتعزيز إنتاج النفط واستثمار الغاز المصاحب الذي سيوفر للبلاد نحو 300 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز، فضلا عن إنتاج نحو ألف ميغاوات من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية المتجددة.

استمرار الاستيراد

من جانبه، يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة المعقل بالبصرة والخبير بالشأن النفطي الدكتور نبيل المرسومي أن العراق يمتلك 4 حقول للغاز الحر غير المصاحب وهي حقول عكاز بالأنبار والمنصورية بديالى وسيبا بالبصرة وخورمور في السليمانية، مبينا أن حقلي عكاز والمنصورية غير مستثمرين حتى الآن، فيما ينتج حقل سيبا الغازي المكثفات فقط.

وفيما يتعلق باستثمار الغاز المصاحب لعمليات الإنتاج النفطي، بين المرسومي أن استثمار البلاد في هذا المجال ارتفع لنحو 58%، وأن هناك مجموعة من الاستثمارات في حقل حلفاية في محافظة ميسان الذي سينتج 300 مليون قدم مكعب قياسي، إضافة إلى مشاريع أخرى ستنجز خلال عامين، وستوفر نحو 1200 مليون قدم مكعب قياسي، فيما ستوفر استثمارات شركة توتال الفرنسية نحو 600 مليون قدم مكعب قياسي يوميا أخرى.

وعن حاجة العراق الفعلية للغاز، أكد الخبير النفطي للجزيرة نت أن احتياجات العراق أكبر بكثير من كميات الإنتاج، وأن بلاده تنتج نحو 3 مليارات مليون قدم مكعب قياسي سنويا، تذهب نصفها حرقا، فيما يُستثمر نحو 1.6 مليون قدم مكعب قياسي منها، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد يوميا نحو 40 مليون مكعب من الغاز يوميا، مبينا أنه وفي حال استثمار العراق لجميع الغاز المصاحب، فإن كميات الإنتاج لن تؤدي بالبلاد للاكتفاء الذاتي، وفق قوله.

وبين المرسومي أن حاجة العراق من الطاقة الكهربائية المنتجة عن طريق الغاز في تصاعد مستمر، إذ إن الطلب على الطاقة الكهربائية يقدر اليوم بنحو 36 ألف ميغاوات، في الوقت الذي يُتوقع أن يرتفع حجم الطلب إلى نحو 70 ألف ميغاوات عام 2050.

ووضح المرسومي أن البلاد لن تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي خلال السنوات العشر القادمة، حتى لو استثمرت الحكومة حقول الغاز الطبيعي، التي من بينها حقل خورمور الغازي، الذي يتعرض بصورة دورية لاستهدافات متكررة، مبينا أن هذا الحقل يغذي حاليا نحو 80% من الطاقة الكهربائية المنتجة في إقليم كردستان.

ضرورة تنويع المصادر

في الصعيد ذاته، يرى الخبير الاقتصادي أنمار العبيدي أن هناك العديد من الأسباب التي تحد من إمكانية العراق في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغاز الطبيعي سواء الحر أو المصاحب، مبينا أن عدم استثمار حقلي عكاز والمنصورية يؤدي لاستمرار الاستيراد النهم للغاز من إيران.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى العبيدي أن على الحكومة العراقية التوجه لتنويع مصادر توليد الطاقة الكهربائية، لاسيما عبر استثمار الطاقة الشمسية وإدخال محطات إنتاج كهربائية تعمل بالنفط، فضلا عن ضرورة الإسراع في إكمال ربط شبكات الكهرباء الوطنية مع دول الخليج العربي والأردن، لاسيما أن استيراد العراق للغاز الإيراني ليس ثابتا، ويخضع للعديد من المحددات لعل أهمها تذبذب الواردات الإيرانية، فضلا عن أن التوترات الإقليمية قد تؤدي بالولايات المتحدة لإنهاء الاستثناء الذي تمنحه واشنطن لبغداد لاستيراد الغاز الإيراني.

وكان وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل قد أعلن نهاية يناير/كانون الثاني الماضي تراجع معدلات الإنتاج الكهربائي لنحو 16 ألف ميغاوات، بسبب تراجع معدلات توريد الغاز الإيراني بعد أن وصلت البلاد لذروة التوليد الكهربائي الصيف الماضي بقدرة 26 ألف ميغاوات.

وتستمر الحكومة العراقية في مساعيها الرامية لإنهاء ملف إحراق الغاز المصاحب لعمليات الإنتاج النفطي، يصف مراقبون المساعي بأنها مهمة للغاية للحد من التلوث البيئي وللحد من استيراد الغاز الأجنبي بنسبة تقدر بنحو 50% خلال السنوات القليلة القادمة.

ع. ش

اضف تعليق