فيما يعيش ملايين العراقيين تحت خط الفقر، يصنف البلد ضمن أكثر البلدان هدرا للطعام بحسب المؤشرات العالمية، وفي اليوم العالمي للقضاء على الهدر، استبعد خبراء ومتخصصون مكافحة الظاهرة، بسبب الثقافة المجتمعية التي تربى عليها مواطنوه، مشيرين إلى أن "التوعية" وحدها يمكن أن تحد من نسب الهدر، لأن لا قوانين أو تشريعات تحكم وتقيد هذه العادات.

واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في دورتها 77 لإعلان يوم (30 آذار) يوماً عالميا للقضاء على الهدر، وأن يحتفل به سنويا لتعزيز أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة.

ويقول المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، انه "لا توجد أرقام دقيقة عن مستوى هدر الطعام في العراق، وإن كانت هناك بعض التقارير والدراسات التي تشير إلى أن العراق يتقدم البلدان العربية، ويقع في المركز السادس عالميا بكميات الطعام المهدورة سنويا، إذ تشير هذه التقارير أيضا إلى أن مجموع ما يتم هدره سنويا يقترب من 5 ملايين طن من الطعام".

ويعتقد الهنداوي، أن "هذه الأرقام قريبة من الواقع، بحسب ما نعرفه عن المجتمع العراقي، فالعراقيون يتسمون بصفة الكرم ويقومون عادةً بطهي كميات كبيرة من الطعام وهذا يأتي في سياق هذه المنظومة الثقافية والاجتماعية التي تحكم المجتمع العراقي".

ويتابع أن "المشكلة تكمن في كيفية معالجة هذه الظاهرة في وجود نسب فقر وأناس محتاجين للطعام سواء على مستوى العراق أو العالم، لا سيما مع عدم إمكانية وضع تشريعات أو قوانين تحاسب من يهدر الطعام".

ويشدد متحدث وزارة التخطيط، على وجوب أن يكون "هناك سعي وسياسات باتجاه عمليات التوعية والتثقيف بضرورة الترشيد وتقنين الاستهلاك للمحافظة على مواردنا المالية والغذائية في ظل توقعات بأن يشهد العالم المزيد من الحاجة إلى الطعام مع تزايد عدد السكان على مستوى العالم، وللفت النظر لهذه الحقيقة يجب أن تكون هناك سياسات توعوية وتثقيفية وللإعلام دور مهم جدا في هذا الجانب في ظل التأثير الكبير له".

ويصنف العراق ضمن البلدان الأكثر هدرا للطعام، في وقت يعيش الملايين من مواطنيه تحت خط الفقر، إذ يشغل المركز الأول عربيا والسادس عالميا من إجمالي 196 دولة، بأكثر الدول التي تهدر أكبر قدر من الغذاء لعام 2023، بحسب مجلة ceoworld الأمريكية.

وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2022، فإن الفرد العراقي يهدر من الطعام سنويا ما يبلغ 120 كيلوغراما، في حين يبلغ الهدر العام سنويا نحو 5 ملايين طن من الطعام.

وتعليقا على ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن "إهدار 5 ملايين طن من الطعام سنويا رقم اعتيادي بالنسبة لطبيعة المجتمع العراقي، فالهدر ثقافة لا يمكن الحد منها بقوانين أو تشريعات، وهو جزء من ثقافة المجتمع، فالمواطن العراقي يخجل عند تقديم طعام قليل على المائدة، وهذه الثقافة موروثة من الآباء للأبناء، وقد تنخفض الكميات المهدرة عند الأزمات لكن بمجرد زوال الأزمة تعود".

ويضيف المشهداني، أن "العديد من المجتمعات تتمتع بثقافة ترشيد الطعام وغيره، لذلك فإن أغلب المتاجر هناك تبيع بالتجزئة والمفرد حتى للخضر والفواكه، والمواطن يأخذ ما يحتاجه فقط، على عكس المتاجر العراقية التي تبيع بالوزن".

ويشير أيضا إلى أن "ثقافة الهدر موجودة حتى في خدمات الكهرباء والماء، وهذه ربما تعود إلى قلة أجور هذه الخدمات أو ضعف استحصالها، لذلك أنت تلاحظ أن المواطن يبدأ بالترشيد عندما يستخدم كهرباء المولدات الأهلية، والشيء نفسه بالنسبة لمياه الشرب".

وتظهر الإحصاءات الحكومية الرسمية أن الفقر وصل إلى نحو 21% من السكان، فيما تُقدر أعداد الفقراء بنحو 11 مليونا من بين 42 مليونا هم عدد سكان العراق.

وتفيد بيانات رسمية صادرة عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بأن قرابة 7 ملايين عراقي يتلقون منحا مالية شهرية من الحكومة، وتتوقع رفعها إلى 9 ملايين، أكدت أنهم يستحقون المساعدة.

من جهته، يرى الباحث والأكاديمي عبد المنعم الشويلي، أن "الشعوب تخضع جميعا لما يمكن أن نسميه التربية الجماعية التي تتشكل نتيجة ظروف مختلفة يمر بها هذا الشعب أو ذاك كما مر بالشعب العراقي من حصارات وحروب وغير ذلك، لكن تبقى السجايا الموروثة هي المسيطرة نتيجة لما يتناسله جيل عن جيل سابق ويمنحه للاحق".

ويضيف الشويلي: "استنادا إلى ذلك، نرى التطرف أحيانا في المأكل والمشرب وربما في الملبس على الرغم من أن الحالة الوسطى هي التي يجب أن يكون عليها أي مجتمع ناضج"، مؤكدا حاجة المجتمع إلى "توعية لما يمارسه بصورة جمعية من عادات وتقاليد موروثة لا تنم للصواب بصلة ما، وبطبيعة الحال تقع المسؤولية على عدة جهات منها التربية والتعليم والإعلام والمساجد وغيرها".

وبين فترة وأخرى تطلق مبادرات مجتمعية لمكافحة الهدر والبذخ، كالتي أطلقها مواطنون وشيوخ عشائر في ذي قار، بداية العام الحالي وتضمنت دعوة أصحاب مجالس العزاء "الفواتح" لعدم الإسراف والبذخ في إطعام المعزين، وفيما وجد مؤيدو تلك المبادرة، أن الطعام والمظاهر الشكلية الأخرى تثقل كاهل ذوي الفقيد، رأى معارضوها أن تلك المظاهر جزء من التقاليد والأعراف العشائرية والمجتمعية التي يجب الحفاظ عليها.

عالميا، أكد تقرير للأمم المتحدة أن الأسر أهدرت في جميع القارات أكثر من مليار وجبة يوميا عام 2022، في حين تضرر 783 مليون شخص من الجوع وواجه ثلث البشرية انعداما للأمن الغذائي، ولا يزال هدر الأغذية يضر بالاقتصاد العالمي ويؤدي إلى تغير المناخ وفقدان الطبيعة والتلوث، حسبما نشر موقع الأمم المتحدة.


 المصدر: صحيفة العالم الجديد

ا.ب

اضف تعليق