يتساءل مراقبون للشأن العراقي بخصوص إعلان حكومة السوداني نجاح المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية في تحديد وقت زمني لخفض تواجد قوات التحالف الدولي بالعراق، في ظل التصريحات التي أطلقها الجانب الأمريكي عن تحول مهام هذه القوات إلى شراكة أمنية مستدامة.

وأعلنت الخارجية، الخميس الماضي، عن إطلاق لجنة عسكرية عليا مع الولايات المتحدة للعمل على تقييم تهديد تنظيم داعش وخطره، وذلك لصياغة جدول زمني يحدد مدة وجود مستشاري قوات التحالف الدولي، ومباشرة الخفض التدريجي لمستشاريه وإنهاء مهمتهم العسكرية في العراق.

وحول مدى انسحاب قوات التحالف الدولي، قال الخبير الأمني العراقي، مخلد حازم، إن "ما يحدث اليوم هو مشابه لما جرى عام 2019 من حوارات بين العراق والولايات المتحدة، والتي بموجبها جرى تحويل مهام قوات الأخيرة من قتالية إلى استشارية وتدريبية".

وأكد حازم أن "التصريحات الأمريكية حاليا واضحة المعالم وتتكلم عن بناء علاقات أمنية ثنائية مستدامة، والعمل باتفاقية (صوفا) التي وقعّت بين الجانبين العراقي والأمريكي عام 2008، ضمن اتفاقية الإطار الإستراتيجي، وهذه فيها جزء إستراتيجي وآخر أمني".

وفي عام 2008، وقّع العراق والولايات المتحدة اتفاقية "الإطار الاستراتيجي"، التي ساهمت في خروج القوات الأمريكية بشكل كامل في نهاية عام 2011 بعد ثماني سنوات من احتلال البلاد وإسقاط نظام الطاغية صدام حسين.

ولفت حازم إلى أن المسؤولين العراقيين يتحدثون حاليا عن إجلاء التحالف الدولي، وهنا يجب التفريق ما بين تواجد القوات الأمريكية، وبين قوات "التحالف" المشكّلة من أكثر من 60 دولة تقريبا.

وأردف: بالتالي إجلاء "التحالف الدولي" لا يعني إنهاء وجود القوات الأميركية، وأن الجانب الأميركي يتحدث عن علاقات ثنائية، أي بمعزل عن "التحالف"، وأن اللجان المشكلة بين بغداد وواشنطن مهمتها تقييم الوضع الأمني في أن الأراضي العراقية.

وأوضح حازم أن "التقييم معني بمدى جاهزية العراق لإنهاء وجود التحالف الدولي من عدمه، لأن هذه القوات تشكلت لمحاربة تنظيم الدولة في الأراضي العراقية والسورية، لكن هناك تقارير دولية تتحدث عن أن التنظيم لا يزال يشكل خطرا على أراضي البلدين".

أما في ما يخص القوات الأمريكية، فإن الخبير الأمني، يستبعد وجود نية لخروجها من العراق، وإنما هناك تغيير في تسمية وجودها، فهم يتحدثون عن إقامة علاقات مستدامة طويلة الأمد على الأراضي العراقية.

وبيّن حازم أن "القوات الأمريكية موجودة في العراق ضمن اتفاقية (صوفا) الموقعة بين بغداد وواشنطن، وكذلك مع حلف الناتو، إضافة إلى التحالف الدولي، بالتالي العلاقات الثنائية التي تتحدث عنها واشنطن، هو لإبقاء قواتها بصفة ومسمى جديد ضمن المساعدة الأمنية، لهذا لا يمكن إجلاءهم".

"إجلاء مستبعد"

وفي السياق ذاته، قال الخبير العسكري العراقي، سرمد البياتي، إن "هناك اختلاف كبير في التصريحات بين العراق والولايات المتحدة، والأمر ربما يختلط على البعض حول ما يجري، رغم ما أعلن من تشكيل لجنة عسكرية أمريكية - عراقية للجلوس مع التحالف الدولي".

وأضاف البياتي: "لكن من يجلس من الجانب العراقي في هذه اللجنة، هي شخصيات ليست لها علاقة بموضوع انسحاب قوات التحالف، ومنها الشرطة الاتحادية التي يرتبط عملها مع حلف الناتو، لذلك هم ركزوا في الاجتماع على تقييم تهديد تنظيم الدولة والتدريب العملياتي، إضافة إلى أهم نقطة، وهي تعزيز القدرات التسليحية العراقية".

وشدد الخبير العسكري على أنه "من مستحيل يحصل أي انسحاب لقوات التحالف الدولي إذا لم يكتمل تعزيز القدرات التسليحية ومسك الأجواء العراقية، لذلك التعاون مستمر مع التحالف، وحتى إذا حصل انسحاب فإن القوات الأمريكية تأخذ وقتا طويلا في هذا الموضوع".

وأكد البياتي أن "القوات الأمريكية لن تترك الجواء العراقية بشكل منفلت، لذلك بالتأكيد ستكون هناك اتفاقية أمنية قوية بين بغداد وواشنطن والتحالف الدولي، وليس من السهولة ترك العراق لقمة سائغة لتنظيم داعش".

وأوضح الخبير العسكري أن "القواعد العسكرية العراقية يعمل فيها الأمريكيون بصفة مستشارين بالفعل، لكن ثمة قوات أخرى لحمايتهم، وبالتالي تبقى لهم أسرارهم وسياستهم بالمنطقة، وليس من السهولة معرفة عددهم الحقيقي بالعراق، لأنهم لا يعطون موقفهم القتالي لأية جهة".

واستبعد البياتي أن يحصل أي خروج قسري لقوات التحالف الدولي من العراق، لأن الأمر سيرتد بشكل سيئ على عموم البلاد، لذلك لن يحصل أي إجلاء لهم بطريقة قسرية، وإنما بعد تقييم الوضع لمدى تهديد وخطورة تنظيم داعش.

وعادت القوات الأمريكية إلى العراق في عام 2014 ضمن قوات التحالف الدولي، وذلك بناء على طلب من حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي لدعمها في مواجهة تنظيم داعش، الذي اجتاح جزءا كبيرا من الأراضي في الشمال والغرب بعد انهيار قطعات الجيش العراقي.

تعهد السوداني

وفي حديث صحفي، أعلن الناطق باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، الأحد الماضي، أن مهمة التحالف الدولي ستنتهي، خلال دورة الحكومة الحالية (2025)، وأن القوات المُسلّحة العراقية سوف تتولى كل مهام قوات التحالف الحالية.

ونقلت "وكالة الأنباء العراقية" عن العوادي قوله: "انطلاق أعمال اللجنة العسكرية العلیا المشتركة بين العراق والتحالف الدولي هو حُلم كبير جدا، حيث إن التحالف الدولي أُنشئ عام 2014، وانتهت العمليات العسكرية عام 2018".

وأضاف: "ومنذ ذلك التاريخ، والتحالف موجود داخل العراق... من المناسب بدء دراسة مستقبل التحالف ووضع خريطة طريق متفَق عليها للانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون الثنائي بدل التحالف".

وتابع العوادي، قائلا: " "الحوار بدأ بين قوات التحالف الدولي والحكومة العراقية برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيث أن مشوار نهاية مهمة التحالف وضع على السكة"، مؤكدا أن "السوداني، قدَّم تعهدا بأن مهمة التحالف ستنتهي خلال دورة حكومته الحالية، وهذا ما سيجري ويتحقق".

وفي أولى جولاتها، انطلقت السبت، اجتماعات العراق والولايات المتحدة الثنائية برعاية رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وذلك لمراجعة مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في الأراضي العراقية.

وأفاد مكتب السوداني، السبت الماضي، بأنه سيتولى متخصصون عسكريون إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وستبدأ بعدها أعمال اللجنة العسكرية العليا على مستوى ثلاث مجاميع عمل هي: (مستوى التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة) و(المتطلبات العملياتية والظرفية) و(تعزيز القدرات المتنامية للقوات الأمنية العراقية).

وفي ضوء هذه المراجعة، سیُصار إلى صياغة جدول زمني محدد لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف، والانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية بين العراق والولايات المتحدة والدول الشريكة في التحالف الدولي، وفقا للبيان العراقي.

من جانبها، علقت السفيرة الأمريكية في بغداد، ألينا رومانوسكي، على حسابها في منصة "إكس"، قائلة: كان اليوم (السبت) أول اجتماع لمجموعات العمل التابعة للجنة العسكرية العليا الأمريكية العراقية. سيناقش البلدين كيفية انتقال مهمة قوة المهام المشتركة للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة إلى شراكة أمنية ثنائية مُستدامة مع مرور الوقت.

المصدر: عربي ٢١

خ. س

اضف تعليق