ما تزال أزمة تشكيل الحكومة تراوح مكانها منذ أشهر مع تفاقم الخلافات لاختيار مرشح لتشكيل الحكومة، على الرغم من إعلان تحالف "الإطار التنسيقي" انتهاء عملية الانسداد السياسي وشروعه في مشاورات تشكيل الحكومة.

وسجلت الحكومة الحالية أطول فترة في التشكيل بعد الاحتلال الأميركي 2003، لا سيما أنها تجاوزت تسعة أشهر منذ إجراء الانتخابات الأخيرة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي طالبت بها معظم القوى السياسية والمحتجون.

ورغم إعلان التيار الصدري الانسحاب من العملية السياسية، إلا أن الخلاف تفاقم داخل "الإطار التنسيقي" الذي قال إن الانسداد السياسي قد انتهى بعد إعلان التيار الصدري. كان آخر معالم احتدام هذا الخلاف انسحاب مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، أحد أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة.

وعرف العراق سلسلة من الأزمات الحكومية المشابهة، إذ شهدت حكومة نوري المالكي الأولى خلافات سياسية ومشاحنات استمرت خمسة أشهر، فيما استمرت أزمة تشكيل حكومة المالكي الثانية سبعة أشهر. أما حكومة عادل عبد المهدي فلم تكمل عامها الأول، إثر اندلاع احتجاجات ضدها، قبل اختيار مصطفى الكاظمي الذي انتهت ولايته منذ الانتخابات الأخيرة.

بدأت أولى الأزمات السياسية بعد عام 2003 بتشكيل حكومة نوري المالكي الأولى (2006 ــ 2010)، حين أصر رئيس الحكومة المؤقتة إبراهيم الجعفري البقاء في منصبه لولاية ثانية، رغم أن مهمة حكومته كانت تقتصر على التمهيد لإجراء الانتخابات وتشكيل أعضاء دائمين في مجلس النواب.

وشهدت هذه الفترة مشاحنات وخلافات سياسية استمرت مدة خمسة أشهر تقريباً، تقرر عقبها اختيار نوري المالكي، وبقيت الخلافات قائمة بشأن اختيار وزيري الدفاع والداخلية، حتى توصلت القوى السياسية بعد ذلك إلى قرار إحالة وزارة الدفاع إلى الأحزاب السنية، فيما باتت الداخلية من نصيب الأحزاب الشيعية، واستمر هذا العرف غير القانوني لغاية الآن.

ولم تكن حكومة المالكي الأولى مستقرة، بل شهدت أعلى درجات التوتر السياسي والأمني، فقد حصلت اعتراضات كثيرة، من بينها ما صدر عن رئيس "القائمة العراقية" برئاسة إياد علاوي، الذي اعترض على حصته الوزارية في حكومة المالكي، التي كانت لا تتناسب مع حجم الأصوات التي حصلت عليها القائمة في الانتخابات.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، كلف جلال طالباني، الرئيس آنذاك، رئيس الوزراء نوري المالكي المنتهية ولايته بتشكيل حكومة جديدة ثانية، وذلك بعد نحو 7 أشهر من المباحثات عن آلية توزيع الوزارات والمناصب والهيئات والدوائر العامة، بنفس آلية المحاصصة، على القوى السياسية العراقية السنية والشيعية والكردية، إضافة إلى الأقليات بينها المسيحية، برغم أن نتائج الانتخابات أسفرت عن فوز قائمة إياد علاوي بـ91 مقعداً برلمانياً.

أدى ذلك إلى خلافات كبيرة بين الطرفين، إلا أن المالكي التف على علاوي، عبر التنسيق مع حلفائه التقليديين، فيما توزعت في النهاية المناصب مع المكونات، واستحدث منصب رئيس "المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية" الذي أوكل لزعيم القائمة "العراقية " إياد علاوي، لكن سرعان ما تفجرت الصراعات من جديد بين المالكي وسياسيين آخرين، بسبب تفجر الاحتجاجات في محافظة الأنبار.

جرت انتخابات إبريل/ نيسان 2014 في أجواء متوترة للغاية، حيث كانت الانتخابات الأولى بعد خروج الاحتلال الأميركي من البلاد، وجرت في 18 محافظة عراقية، بما فيها الأنبار التي كانت تشهد موجات متصاعدة من القتال بين القوات العراقية و"داعش"، فيما جرى استثناء مدينتي "الفلوجة والكرمة" من إجراء الانتخابات فيها.

فاز في هذه الانتخابات "ائتلاف دولة القانون" لنوري المالكي، ثم التيار الصدري، وبرغم هذا الفوز، فإن الخلافات التي اشتدت بين مقتدى الصدر والمالكي من جهة، وبروز الحراك المدني والاحتجاجات الشعبية في بغداد ضد سياسة حكومة المالكي في التعامل مع الأزمات وسوء الخدمات من جهة ثانية، منعت تحقق "الولاية الثالثة" التي سعى إليها المالكي.

وكلف الرئيس العراقي آنذاك فؤاد معصوم حيدر العبادي في أغسطس/ آب من نفس العام، أي بعد أربعة أشهر تقريباً، بتشكيل الحكومة.

انشغل العراق عقب ذلك، مع ولادة حكومة العبادي التي لم تختلف كثيراً عن الحكومات التي سبقتها من حيث توزيع الوزارات على الأحزاب، بالحرب على تنظيم "داعش" التي انتهت عام 2017، لكن الخلافات زادت بين القوى السياسية ضمن المكون الشيعي، في حين زادت قوة العراق على المستوى الإقليمي والدولي بعد هزيمة "داعش".

تشكّلت حكومة 2018 برئاسة عادل عبد المهدي، بعد خمسة أشهر من إجراء الانتخابات البرلمانية بذات العام، وقد شهدت تجاوزاً للمدة الدستورية التي تسمح بتشكيل مجلس الوزراء خلال شهر من اختيار رئيس الوزراء، جرّاء خلافات بين كتلة "سائرون" التي جمعت التيار الصدري والمدنيين بينهم الشيوعيون، وتحالف "الفتح" الذي جمع الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة التي دخلت الانتخابات لأول مرة وحصلت على مقاعد نيابية، في انتخابات وصفت بأنها "أكثرها تزويراً وتلاعباً بالنتائج وأقلها مشاركة شعبية"، فيما بقي مقتدى الصدر يؤكد رفضه "تقاسم المغانم وللمحاصصة الطائفية والعرقية وعودة الوجوه القديمة".

لم تكمل حكومة عادل عبد المهدي عامها الأول، حتى اندلعت احتجاجات شعبية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، طالبت بمحاسبة المتورطين بالفساد.

المصدر: العربي الجديد

اضف تعليق