تكتسي الممرات المائية في أهوار الجبايش جنوب العراق بأعشاب خضراء مورقة، لكن ما أن تخطو خطوة واحدة إلى اليابسة حتى ترى تغييرا مثيرا للاندهاش.

لم تعد الأهوار أهوارا، بل أصبحت أرضا جدباء تعاني من ندوب سنوات من الجفاف، بسبب الحر القائظ والذي تصل فيه درجات حرارة منتصف النهار إلى 50 درجة مئوية.

وتحتل أهوار وادي الرافدين وثقافة عرب الأهوار مكانة مميزة في قائمة التراث العالمي لليونسكو.

وظل سكان الأهوار يمارسون صيد الحيوانات والأسماك في المنطقة هذه لمدة 5000 سنة، وشيّدوا منازل من القصب المنسوج على جزر عائمة حيث يجتمع نهرا دجلة والفرات قبل أن يصبا في الخليج.

جاسم الأسدي هو المدير الإداري لمجموعة طبيعة العراق يقول إن "الجو كان لطيفا للغاية هنا مع نهاية فصل الشتاء، وكان مربو الجاموس والصيادون والمياه ينشطون بكثافة في هذه المنطقة، والآن يمكنكم أن تروا أنها جافة تماما بدون مياه، ولا يوجد مربو الجاموس ولا الصيادون، كما جف القصب".

مستوى المياه في العراق يصل إلى أدنى مستوياته

وكان وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله قد أعلن في 8 آب / أغسطس أن مستويات المياه في العراق وصلت إلى أدنى مستوى على الإطلاق.

لقضية المياه تداعيات إقليمية أوسع، ويجب على جميع البلدان العمل على إدارة هذا المورد الثمين باعتباره منفعة عامة، تقلصت مساحة الأهوار الجنوبية في العراق - التي تغذيها مياه الفيضانات من نهري دجلة والفرات - من 20 ألف كيلومتر مربع في أوائل التسعينيات إلى 4 آلاف كيلومتر، وفقا لآخر التقديرات.

ويحتل العراق المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان تأثرا بالمناخ في العالم، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والعراقيون أكثر هشاشة بشكل خاص للتأثيرات السلبية لحقوق الإنسان الناشئة عن التدهور البيئي الخطير الناجم عن الصراع وصناعة النفط وسوء الإدارة والافتقار إلى التنظيم مما يؤدي إلى مستويات عالية من التلوث.

وقال الأسدي: "حدث تغيير في بيئة هذه المنطقة، حل الجفاف التام مكان الماء ونبتت الأشجار الصحراوية بدلا من القصب".

الجفاف يعصف بسكان الأهوار

وظل سكان الأهوار يمارسون تربية الجاموس، بشكل تقليدي، لإنتاج الحليب، ولكن مع جفاف المستنقعات، يصبح الماء مالحا جدا لدرجة يصعب معها على الحيوانات شربها.

والتقى جاسم الأسدي بمزارع شاب، شارحا الكيفية التي يتأقلم بها هذا الشاب مع تداعيات الجفاف: "المياه ملوثة وملوحة المياه مرتفعة للغاية. لهذا السبب، يذهب لجلب الماء بالقرب من الفرات لسقي الجاموس".

ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن الجفاف وتدهور الأراضي وزيادة الملوحة في الأنهار والروافد تضع ضغوطا متزايدة على الزراعة وتربية الماشية وصناعات صيد الأسماك، حيث لا تستطيع العديد من الأسر ضمان سبل عيش كافية ومستدامة في المناطق الريفية.

بحلول 15 حزيران/يونيو 2023، نزحت حوالي 13,920 أسرة من منازلها بسبب ظروف الجفاف في 10 محافظات، وتشمل المديريات الأخرى ذات النزوح الكبير الناجم عن المناخ مديرية الشطرة في محافظة ذي قار (2,345 عائلة).

"العمل في الأهوار هي مهنة آبائنا وأجدادنا"

الشيخ لبنان عبد الرزاق الخيون الأسدي، شيخ قبيلة بني أسد في محافظة ذي قار، لا يشكك في تأثير التغييرات الكبيرة على بقاء ثقافتهم التقليدية، حيث قال: إن "نقص المياه له تأثير مباشر على حياة الناس في الريف حيث إن مصدر رزقهم يعتمد في المقام الأول على الماء. نحن لسنا تجارا أو موظفين وليس لدينا مهن أخرى لتزويدنا بالدخل. العمل في الأهوار هي مهنة آبائنا وأجدادنا".

ومؤخرا، أنهى المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك زيارة إلى العراق استغرقت أربعة أيام، زار خلالها قضاء شط العرب جنوب شرقي البصرة حيث التقى بسكان سابقين نزحوا من أراضيهم. وقد أخبروا المفوض السامي كيف أنهم تمكنوا قبل 30 عاما من العيش على أرضهم وحصاد التمور وكسب الرزق. وقد أدت دورات الجفاف المتكررة وتغير المناخ إلى جفاف مجاري المياه. وتحولت بساتين التمر إلى صحراء.

وخلال حديثه في مؤتمر صحفي في بغداد في ختام زيارته، شدد تورك على خطورة الوضع بالنسبة للجميع وأضاف: "هذه حالة طوارئ مناخية. وقد حان الوقت لأن يتم التعامل معها على أنها حالة طوارئ. ليس فقط بالنسبة للعراق، ولكن للعالم بأسره. ما يحدث هنا هو نافذة على مستقبل قادم الآن لأجزاء أخرى من العالم - إذا واصلنا الفشل في مسؤوليتنا لاتخاذ إجراءات وقائية وتخفيفية ضد تغير المناخ".

اضف تعليق