في ليل يوم 23 فبراير (شباط) عام 1991، كانت سماء كشمير تمطر المنازل البسيطة بالثلج كعادة الطقس القارس كل شتاء، وصلتْ إلى قرية "كونان" الكشميرية الصغيرة فتاة تدعى "زارينا"، ولم يكن قد مضى على زفافها سوى 11 يومًا فقط، ذهبت العروس إلى منزل أهل زوجها، وبينما كانت ترتب سريرها الجديد استعدادًا للنوم، طُرقت أبواب المنزل بشكل قوي ومتواصل. كان الطارق هم جنود الجيش الهندي الذين يمشطون كشمير باحثين في منازلها عن كل من ينتمي للجماعات الانفصالية المسلحة التي تدعو إلى انفصال الإقليم عن الهند.

أُجبر رجال المنزل على الخروج تحت تهديد السلاح، وتحكي "زارينا" في لقاء لها مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أنه بعد قيام أحد الجنود بتمزيق ملابسها، لا تتذكر ما حدث؛ فقد تناوب الجنود على اغتصاب كل نساء المنزل؛ واليوم وبعد مرور أكثر من ربع قرن على الحادثة، ما زال أهل قريتي "كونان" و"فوشفورا" يتهمون الجيش الهندي باغتصاب وتعذيب 30 فتاة وامرأة كشميرية.

هذه الحادثة ليست الأولى التي يتعدى فيها الجيش الهندي الحقوق الإنسانية في كشمير؛ فمنذ استقلال الهند عن الاحتلال البريطاني عام 1947، والصراع قائم بين الهند وباكستان على أحقية كل منهما في حكم كشمير من ناحية، ومن ناحية أخرى، الحراك السياسي والمسلح الكشميري الذي يهدف إلى استقلال كشمير لتصبح دولة مستقلة بذاتها، كما كانت قبل الاستعمار البريطاني لشبه الجزيرة الهندية.

الهند مسالمة في أفلام بوليوود.. لكنها عنيفة في كشمير

في عام 2015 نشرت صحيفة الجارديان البريطانية نقلًا عن مؤسسة "The International People" تقريرًا عن حالة حقوق الإنسان في كشمير منذ عام 1990 وحتى عام 2014، وحدد التقرير أسماء 900 فرد من الجيش الهندي بينهم 150 ضابطًا من أصحاب الرتب العليا، اتهمهم التقرير بارتكابهم 1080 حالة تصفية جسدية خارج إطار القانون، وحملهم مسؤولية اختفاء 172 كشميريًا قد تم اعتقالهم من قبل قوات الجيش الهندي في كشمير، وذلك بجانب حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي والعنف والتعذيب الممارس ضد المعتقلين السياسيين في كشمير.

ذكرنا أن كشمير كانت دولة مستقلة بذاتها قبل الاستعمار البريطاني، وفي عام 1947 عندما حدث الاستقلال وانقسمت شبه الجزيرة الهندية إلى الهند وباكستان، كان لدى حاكم كشمير الهندوسي آنذاك "هاري سينغ" حرية الاختيار في أن يقرر إلى أي من الدولتين يريد أن ينضم، ولكنه فضل البقاء على الحياد بين البلدين، ولكن في أكتوبر (تشرين الثاني) 1947 أي بعد شهرين فقط من الانقسام قامت الحكومة الباكستانية بنشر جماعات مسلحة على حدود كشمير، وهنا شعر حاكم كشمير أنه على وشك خسارة كرسي الحكم في الإقليم لأنه هندوسي، والأغلبية في كشمير هي للمسلمين لذلك قد يفضل الكشميريون باكستان، ولذلك طلب انضمام كشمير للحكومة الهندية، حتى يكون من حق الهند إرسال قوات عسكرية لوقف التمدد الباكستاني في كشمير.

وهنا بدأت الحرب الأولى بين الهند وباكستان في كشمير والتي استمرت حتى إيقافها من قبل الأمم المتحدة في أغسطس (آب) عام 1948، واندلعت الحرب بين باكستان والهند على كشمير مرة أخرى عامي 1965 و1999، إلى أن أُبرمت معاهدة سلام بين البلدين عام 2003 تنص على تقسيم كشمير إلى جزءين؛ جزء تحكمه الهند وجزء تحكمه باكستان، وتعهدت باكستان بوقف دعم الجماعات الكشميرية المسلحة التي تريد انفصال كشمير عن الهند، على أن توفر لهم الهند كل سبل العفو القانوني.

لماذا تتمسك الهند بكشمير؟

تحاول الهند السيطرة على الأوضاع في كشمير بشتى الطرق؛ فمن الناحية الاقتصادية وعلى الرغم من أن تعداد كشمير السكاني لا يمثل إلا 1% من إجمالي عدد السكان في الهند؛ إلا أن النفقات المخصصة لها تقدر بـ10% من قيمة الميزانية السنوية التي تقرها الحكومة الهندية، في حين أن ولاية "أوتار براديش" – على سبيل المثال – التي يمثل تعداد سكانها 13% تحصل فقط على 8.2% من الميزانية السنوية.

وقانونيًا، حاولت الحكومة الهندية إرضاء كشمير في عام 1947، ووضعت المادة رقم 370 في الدستور الهندي الذي تم كتابته بعد الاستقلال، وتمنع هذه المادة مواطنين بقية الولايات الهندية من شراء أو تملك أي أراضٍ في الوادي الكشميري.

ولأن ما يؤرق الحكومة الهندية في كشمير ليس الصين أو باكستان فقط؛ بل المجموعات الانفصالية المسلحة، أصدرت الحكومة الهندية في عام 1990 سياسة الـ"AFSPA" وهي السياسة التي تمنح نفوذًا وسلطة خاصة للجيش الهندي بالحكم في المناطق التي بها نزاعات مثل كشمير، وتمنح هذه السياسة الحرية للجيش الهندي في اعتقال كل من يشتبه في انضمامه للجماعات المسلحة بدون إصدار مذكرة اعتقال، وكذلك تمنحه حرية التعامل بإطلاقه الرصاص على كل من يشتبه في تشكيله خطرًا على أمن وسلامة الجندي الهندي في كشمير، ويتهم الكثيرون هذه السياسة بأنها السبب الأول في حالات التصفية الجسدية خارج إطار القانون وحالات الخطف والاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري، التي يتم ممارستها ضد الكشميريين.

يقول الصحفي الهندي "رزاق رحماني": «لن تسمح الهند أبدًا باستقلال كشمير، لأن تماسك الدولة الهندية على شفا الانهيار، فليست كشمير وحدها من تطلب الاستقلال عن الهند؛ بل يوجد سبع ولايات في الشمال الشرقي للهند تحاول الحصول على الاستقلال منذ عقود، وإذا حصلت كشمير على الاستقلال، فستصبح حجة كل منهم قوية في طلب الاستقلال أسوة بها، وقد تظهر ولايات أخرى تطلب نفس الأمر مما قد يؤدي إلى انهيار الدولة الهندية".

وردًا على سؤال: "لماذا تتمسك الهند بكشمير؟"، يذكر "هارش بطار" – وهو عميد سابق في البحرية الهندية – أن "البطالة في كشمير عالية للغاية، والمهن والوظائف فيها مقتصرة على العمل في السياحة والمشغولات والمصنوعات اليدوية بجانب الصيد في غير أيام الشتاء، لذلك لا يمكن لكشمير أن تنجو بدون الهند، وهذا بالطبع بالإضافة إلى أنه في حالة أن تركت الهند كشمير سوف تحتلها باكستان فورًا وبذلك سوف تصبح على مسافة قريبة من العاصمة الهندية، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي الهندي".

كشمير تدفع ثمن خسارة الهند الحرب ضد الصين

في عام 1962 اندلعت حرب بين الهند والصين بسبب مشاكل متعلقة بترسيم الحدود، بالإضافة إلى دعم الهند لحركة التمرد في إقليم التبت الصيني واستضافتها مجموعة من قادة الحركة في الهند ومنحهم اللجوء السياسي، وبسبب خسارة الهند هذه الحرب؛ استطاعت الصين احتلال 20% من مساحة كشمير، وتقلصت الأراضي التي تسيطر عليها الهند إلى 45% فقط من إجمالي مساحة الإقليم.

ومنذ انتهاء هذه الحرب، لم تدخل الصين أي اشتباك عسكري بشكل رسمي مع الهند في كشمير، بل اكتفت بتوفير الدعم العسكري والاقتصادي لباكستان في حروبها الثلاث ضد الهند. وبسبب النمو الاقتصادي السريع الذي تشهده الهند مؤخرًا، أصبحت الهند تشكل تهديدًا مستقبليًا للهيمنة الاقتصادية التي يحاول العملاق الصيني فرضها على آسيا؛ ولذلك أبرمت الحكومة الصينية مع نظيرتها الباكستانية عام 2016 شراكة اقتصادية تحت اسم "China-Pakistan Economic Corridor" أو الرواق الاقتصادي الصيني-الباكستاني، ومن خلال هذه الشراكة تستثمر الصين 65 مليار دولار أمريكي في مشاريع اقتصادية عملاقة لتنمية البنية التحتية الباكستانية خصوصًا شبكات المواصلات والسكك الحديد، بالإضافة إلى مشاريع أخرى تهدف لزيادة الناتج المحلي الباكستاني.

وفي مايو (أيار) العام الماضي، أعلنت الصين عن مشروع عملاق يطلق عليه البعض مشروع القرن، وهو الذي أطلقت عليه اسم "مبادرة الحزام والطريق"، وهذا المشروع يهدف إلى ربط 65 دولة في آسيا وأوروبا وأفريقيا، وينقسم إلى طريقين بري وبحري، والقطار هو وسيلة المواصلات الأساسية في هذا المشروع، وخط القطار الذي سوف يذهب من آسيا إلى وسط أوروبا سوف يمر بالمنطقة الكشميرية التي تحتلها الصين وسوف يمتد أيضًا داخل الجزء الكشميري الذي تحكمه باكستان.

في حال نجاح هذا المشروع، ربما سيكون على الهند أن تنسى حلم السيطرة على كشمير، ومن ناحية أخرى لن يستفيد أهل كشمير من هذا المشروع الضخم الذي سيمر بأراضيهم، لأن فلسفة المشروع بالأساس تقوم على تقوية شبكة المواصلات في دول معظمها لا توجد بها خدمات أساسية مثل مياه نظيفة واكتفاء ذاتي من الغذاء، ولذلك فإن هذا المشروع سوف يخدم النخبة الغنية اقتصاديًا فقط.

جنود كشمير ليس كلهم "ملائكة"

كان عمري وقتها خمس سنوات، كنت ألعب مع الأطفال أمام منزلنا في كشمير، حينها رأيت شخصين ملثمين يحمل كل منهما بندقية على كتفه، لصقوا ورقة على منزلنا وكل منازل الحي الذي كنت أسكن فيه، كتب في هذه الورقة تهديد لكل أسرة هندوسية، "إن لم تغادروا غدًا فالموت مصيركم".

هكذا وصف "أفيناش تيكو" الناشط الإنساني تجربته عندما تم تهجير أسرته وكل الأسر الهندوسية بعد التهديدات التي تلقوها في كشمير من بعض الجماعات المتطرفة، ويذكر أن تعداد المجتمع الهندوسي في كشمير تقلص من 174 ألفًا إلى 20 ألفًا فقط في الفترة من عام 1980 وحتى عام 1999.

يستطرد تيكو قائلًا: "أتذكر المشهد في اليوم التالي كان هناك ما يقرب من 5 آلاف أسرة هندوسية يسيرون ورؤوسهم منكسة في موكب كبير نحو الحدود بين ولاية كشمير وولاية بنجاب، حبس الجميع أنفاسهم عندما رأينا حافلة تحمل سلاحًا يقودها مجموعة من المتطرفين، ظننا أنهم قدموا لإعدامنا، لكن الأمر كان على ما يبدو تهديدًا آخر حتى لا نعود إلى هنا مرة أخرى. وعندما وصلنا إلى بنجاب نقلتنا الحكومة الهندية إلى مخيمات فقيرة جدًا إلى أن انتقلت للعيش مع أسرتي في شقة صغيرة، أما عن منزلنا الكبير في كشمير؛ فقد تم حرقه بعد أن طُردنا منه بأربع سنوات".

ويوجد في كشمير الكثير من الجماعات المسلحة معظمها يحارب تواجد الهند فقط مثل جماعة "عسكر طيبة" التي نفذت عملية انتحارية ضد البرلمان الهندي في العاصمة الهندية دلهي عام 2001 وهجمات مومباي التي راح ضحيتها 150 شخصًا عام 2008. وجماعة "حزب المجاهدين" التي تم تأسيسها لتعاون طالبان في محاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وهي تتبنى نفس فكر جماعة عسكر طيبة وهو محاربة التواجد الهندي في كشمير وليس باكستان، ولكن أصبح تواجد هذه الحركة ضعيفًا بعد الكثير من الانشقاقات التي حدثت بعد معاهدة السلام بين باكستان والهند.

ثمة جماعة مسلحة أخرى كانت ذات ثقل في تسعينيات القرن الماضي "جبهة تحرير كشمير"، وتتبنى هذه الجماعة الأيديولوجية العلمانية وترفض أي سلطة على كشمير سواء من الهند أو الصين أو باكستان، ولكن تلك الجماعة تفتتت هي الأخرى إلى مجموعة من الجماعات الصغيرة بسبب خلاف بين القيادات.

وبالحديث عن المعارضة السياسية، فلم تكن الأحزاب والحركات الإسلامية تتسم بالتأثير القوي في كشمير، إلى أن تأسس "All Parties Hurriyat Conference" أو "مؤتمر الحرية لكل الأحزاب"، وهذا التحالف يضم أحزابًا وحركات سياسية ومنظمات مجتمع مدني وجمعيات دعوية، وحتى الآن يعتبر هذا التحالف هو الطرف الرسمي الذي يتم التحدث معه عندما يتم التفاوض على أي حديث عن السلام في كشمير.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق