يسود القلق الأوساط الحقوقية السعودية والأكاديمية البريطانية، عقب إصدار حكم بسجن طالبة دكتوراه تدعى سلمى الشهاب لمدة 34 عاماً بسبب تغريدات تضمنت انتقادات لسياسة المملكة.

واعتقلت الشهاب، البالغة من العمر 34 عاماً، وهي مواطنة سعودية وأم لطفلين، في عام 2021 أثناء قضاء عطلة في المملكة، عقب دعوتها إلى إجراء إصلاحات وإطلاق سراح نشطاء، وفقا لـ "بي بي سي".

وقالت صحيفة "الغارديان" إن شهاب تركز في أبحاثها على تحسين معالجة الأسنان لأصحاب الاحتياجات خاصة.

وكانت تعمل على رسالة الدكتوراه في بريطانيا عندما عادت في كانون الأول/ ديسمبر 2020 إلى السعودية في زيارة عائلية.

وبعد عدة أسابيع من الزيارة تلقت استدعاء من السلطات السعودية التي اعتقلتها وحاكمتها بتهمة استخدام "تويتر".

وتشمل قائمة الاتهامات الموجهة لها استخدام موقع "لإثارة الإضطرابات العامة ومساعدة الذين يعملون على إحداث الفوضى وتهديد الأمن المدني والوطني من خلال متابعة حسابات على تويتر" وإعادة إرسال تغريداتهم، وفقا للغارديان.

وتركز نشاط سلمى الشهاب على الحياة الأسرية والموسيقى والقضية الفلسطينية وحقوق المرأة، بما في ذلك بعض التغريدات لدعم الناشطة السعودية لجين الهذلول التي اعتقلت في المملكة من 2018 إلى 2021.

وبحسب "بي بي سي"، يسلط نشطاء حقوقيون سعوديون بارزون الضوء على محنة سلمى الشهاب وشدة عقوبتها، منذ 12 آب/ أغسطس، مستخدمين هاشتاغ باللغة العربية "الحرية لسلمى الشهاب".

وقالت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان إن الحكم القاسي - الذي لم تعلق عليه الرياض - كذب المزاعم السعودية بأنها تحسّن حقوق المرأة ويظهر أن الوضع يزداد سوءاً.

وأضافت أن محكمة سعودية أدانت الشهاب بمساعدة المعارضين الذين يسعون إلى "الإخلال بالنظام العام" ونشر "شائعات كاذبة".

وحذرت من أن هذا "أطول حكم بالسجن على الإطلاق يصدر بحق ناشط سلمي" في الدولة الخليجية.

وذكرت منظمة "فريدوم هاوس" لحقوق الإنسان ومقرها الولايات المتحدة ومجموعة القسط التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، أن الشهاب حكم عليها في البداية بالسجن لمدة ست سنوات بعد إدانتها بانتهاك قوانين مكافحة الإرهاب ومكافحة الجرائم الإلكترونية في السعودية في أواخر العام الماضي.

وفي 9 آب/ أغسطس، رفعت محكمة استئناف فترة سجنها إلى 34 عاماً وأضافت حظراً على السفر لمدة 34 عاماً سيبدأ بعد إطلاق سراحها، بحسب المنظمتين.

نشرت مديرة القضايا السعودية بمبادرة الحرية، بيثاني الحيدري، لقطة شاشة لتغريدة في 16 آب/ أغسطس قالت إنها تظهر سعوديا يخبر شهاب، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، بأنه أبلغ عنها للسلطات عبر تطبيق "كلنا أمن"، وفقا لـ"بي بي سي".

وقالت التغريدة الأصلية: "لقد نظرت إلى حسابك ولكني وجدت هراء فقط.. التقطت صورة وأرسلتها إلى تطبيق كلنا أمن.. إذا كنت في السعودية، أتمنى أن يتم ترحيلك إلى فلسطين الحبيبة".

وبحسب الغارديان، فقد تلقت الشهاب، في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ردا من حساب له 200 متابع ويظهر صورة رجل اسمه فيصل أو تي بي على تغريدتها وبشتيمة.

وكتب المستخدم إنه شعر بالدهشة من حساب الشهاب على "تويتر" لأنه يظهر العلمين السعودي والفلسطيني وسبها لأنها تنشر "زبالة".

وقال المستخدم إنه التقط صورة للشاشة "سكريت شوت" لنشاط الشهاب على "تويتر" وأبلغ السلطات عبر تطبيق "كلنا أمن"، معبرا عن أمله بترحيلها إلى فلسطين.

وكان رد الشهاب الذي نشرته قبل فترة من عودتها إلى السعودية متحديا، قائلة إن ترحيلها إلى فلسطين لن يكون سيئا حيث إنها ستتمكن من زيارة المسجد الأقصى وستكون قادرة على عمل ما تريد.

وأطلقت وزارة الداخلية السعودية التطبيق في عام 2018، لتمكين المواطنين من الإبلاغ عن انتهاكات الخصوصية على الإنترنت

وبحسب "بي بي سي" فقد وصفت الحيدري الحكم بأنه "مروع"، وقالت: "تتباهى المملكة العربية السعودية أمام العالم بأنها تعمل على تحسين حقوق المرأة وتنفيذ الإصلاحات القانونية، لكن ليس هناك شك مع هذا الحكم في أن الوضع يزداد سوءاً".

وتابعت: "تلقينا تقارير تفيد بأن هناك مئات الشابات اللواتي احتجزن في نفس الوقت تقريباً الذي احتجزت فيه سلمى".

وقالت لينا الهذلول، شقيقة لجين الهذلول، رئيسة قسم العلاقات في مؤسسة القسط، إن الحكم يظهر أن السلطات السعودية لا تزال "عازمة على معاقبة أي شخص يعبر عن آرائه بحرية".

وغردت الناشطة في مجال حقوق الإنسان، خلود الحارثي، أن شهاب كانت عضوا في المجتمع الشيعي في البلاد، وهي نقطة ذكرت أيضا في مبادرة الحرية.

وغرد عبد الله العودة، الأمين العام لحزب المعارضة السعودي "التجمع الوطني'' الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، مطالباً بالإفراج عن شهاب.

ونشر مقطعًا ظهر على شاشة التلفزيون السعودي سابقا، حين أجرت شهاب مقابلة تلفزيونية في معرض الكتاب بالرياض، وقال إن القراءة عن التاريخ والدين يمكن أن تساعد في تجميع الفصائل المختلفة في البلاد، ربما في إشارة إلى الانقسام بين المسلمين السنة والشيعة في المملكة السعودية.

وقال متحدث باسم جامعة ليدز لـ"بي بي سي"، الأربعاء: "نشعر بقلق عميق بعد معرفة هذا التطور الأخير في قضية سلمى ونسعى إلى الحصول على المشورة بشأن ما إذا كان هناك أي شيء يمكننا القيام به لدعمها".

وأضاف: "قلوبنا مع سلمى وعائلتها وأصدقائها بين مجتمعنا المترابط من الباحثين في الدراسات العليا".

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنها تدرس قضية الشهاب وإن "ممارسة حرية التعبير للدفاع عن حقوق المرأة لا ينبغي تجريمها".

وقالت الجامعة البريطانية في تغريدة على "تويتر": "سلمى الشهاب: نحن قلقون للغاية لمعرفة التطورات الأخيرة في حالة سلمى ونسعى للحصول على المشورة بشأن ما إذا كان هناك أي شيء يمكننا القيام به لدعمها.. تظل أفكارنا مع سلمى وعائلتها وأصدقائها في مجتمعنا المتماسك".

تطبيق "الوشاية"

وفي المواقع الرسمية السعودية، بحسب "الغارديان"، يوصف "كلنا أمن" بأنه تطبيق بسمح للمواطنين السعوديين في الداخل والخارج، بإرسال بلاغات أمنية وجنائية عبر حساباتهم على "تويتر"، تتعلق بالهجمات الشخصية، والتهديدات، وانتحال الشخصية، والابتزاز، واختراق الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، والتشهير، والغش، وغير ذلك من الجرائم والبلاغات الأمنية.

وقالت نورا الجيزاوي، الباحثة في سيتزن لاب بجامعة تورنتو، والذي يقوم بالكشف عن التهديدات ضد المجتمع المدني، إن استخدام تطبيقات كهذه يمكن تحميلها من مخزن آيفون وأندرويد تمثل "وجها جديدا للديكتاتورية الرقمية"، مضيفة أن المخابرات كانت هي التي تقوم بعملية الرقابة ولكن التطبيقات هذه تسمح وتشجع المواطنين على الإبلاغ عن بعضهم البعض وتفتح الباب واسعا أمام رقابة واسعة النطاق.

وأضافت الجيزاوي: "هذا مثير للقلق لأن الناس الذين ينشرون أشياء لا يعرفون الخطر أو من سيقوم بالإبلاغ عنهم والذين يبحثون في الردود على المنشورات التي لا تتوافق مع دعاية الحكومة".

وتذكرت الجيزاوي تجربتها في سوريا حيث لم يكن الجيران يثقون ببعضهم البعض و"في بعض الأحيان كان الناس يجدون انفسهم في ورطة، ويريدون ترفيعا في العمل أو إظهار الولاء للدولة ولهذا يفعلون هذا، وما عليك عمله هو أخذ سكرين شوت وإرسالها".

ولم ترد "آبل" أو "غوغل" مباشرة على أسئلة الصحيفة حول مراجعة سياسة تحميل تطبيق "كلنا أمن" في ضوء الحكم الصادر على الشهاب.

اضف تعليق