تناول تقرير مجلة الإيكونيميست البريطانية الأوضاع الداخلية في إيران في ظل رفع العقوبات والاتفاق النووي الأخير، بالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية في العام القادم، كما يناقش سؤالًا هامًا حول الشخص الأكثر تأثيرًا في إيران، وما إذا كان هذا الشخص هو الرئيس أم المرشد الأعلى، وهل الرئيس قادر على فرض اتجاهاته التي تبدو مختلفة في الوقت الحالي عن اتجاهات المرشد الأعلى.

بحسب التقرير، ربما على كل من وضع أملًا في أن يساهم الاتفاق النووي الأخير في زيادة قوة الإصلاحيين ونفوذهم في إيران في مواجهة الاتجاه الديني المحافظ فعليه أن يعيد التفكير في ذلك، فذلك الاتفاق الذي أمل خامنئي في أن يحدث دفعة اقتصادية عن طريق إنهاء العقوبات الدولية لم يحقق النتائج المنتظرة، لتبدأ ردة الفعل القوية.

هل جاء رفع العقوبات بالنفع المنتظر؟

وعلى الرغم من زيادة صادرات النفط الإيرانية بنسبة 60%، والوفود التجارية القادمة من الغرب التي لا تنقطع، تكافح إيران من أجل إعادة أرباحها السابقة، وتحويل مذكرات التفاهم مع تلك الوفود إلى عقود حقيقية. كذلك الأمر مع الولايات المتحدة التي أبدت استعدادها لتعاون اقتصادي مع إيران، إلا أنها تحظر التعامل الاقتصادي مع الكيانات المرتبطة بالجيش أو الحرس الثوري، وفي بلد يلفه الغموض كإيران، لا يعدّ ذلك جزءًا هينًا من الاقتصاد.

يذكر التقرير أنه مع عدم وجود ضمانات قوية، ومع العقوبات الكبرى التي فرضت على بنك "BNP-Paribas" بقيمة تسعة مليارات دولار على خلفية انتهاكه عقوبات دولية، جعلت الكثير من البنوك تفضل الابتعاد. وحتى الآن، لا تعمل بطاقات الائتمان الدولية في إيران.

ويضيف الكاتب أن حالة الخوف من العقوبات تسيطر على الكثير من رجال الأعمال ومديري الشركات الكبرى على الرغم من أن إيران تبدو سوقًا مستقرة تحظى بشعب متعلم وشبكة طرق متطورة.

بحسب الصحيفة، فقد ظن روحاني أن الاتفاق بإمكانه أن يجلب استثمارات بقيمة 50 مليار دولار، وأن يعيد الكثير من الأموال المجمدة في الخارج، لتحقق البلاد نموًا سنويًا يصل إلى 8%، قبل أن تصطدم بالوقع الحالي. يقول ولي الله سيف، محافظ البنك المركزي الإيراني "لقد ظننا أنه بإمكاننا إحياء علاقاتنا بالبنوك الدولية فورًا بعد الاتفاق"، وهنا خاطب البعض المرشد الأعلى متسائلًا عن حدوث هذه الأزمة، وكيف أن البلاد لم تتفاوض حول إعادة الأصول المجمدة مع البنوك، وعن حجمها وتوقيت عودتها، كما اتُهِم روحاني من قبل بعض مستشاري خامنئي بعدم الكفاءة، وبأنه سقط في الفخ الأمريكي.

الصراع الحالي

يضيف التقرير أيضًا أن خامنئي يسعى لكبح جماح روحاني، ويشير إلى عدة وقائع تؤكد ذلك الأمر، فقد ألغى روحاني زيارته لبلجيكا والنمسا الشهر الماضي في اللحظات الأخيرة، وحث المستثمرين الغربيين على القدوم للبلاد، إلا أن هؤلاء الغربيين الذين وُجِهت لهم الدعوة من قبل مكتب الرئيس، وجدوا أن اجتماعاتهم قد مُنِعت من قبل رجال المرشد الأعلى، وهو ما يضعف الآمال في نهاية العزلة الإيرانية. انتقد خامنئي مؤخرًا أيضًا تدريس اللغة الإنجليزية في البلاد.

بحسب "الإيكونوميست"، يستمر خامنئي أيضًا في فرض استخدام القوة فيما يتعلق بقضايا الفصل بين الجنسين ومخالفة الأعراف الدينية والمجتمعية، والتي أدت بالكثير من النشطاء والصحفيين وعارضات الأزياء إلى السجون. في المقابل، يرفض روحاني الإذعان بالكامل لاتجاهات خامنئي، فيما يبدو وكأنه في صفوف المعارضة، إذ أعلن عن إصراره على فوائد تدريس الإنجليزية، وعن رغبته في الاتجاه نحو الاقتصاد العالمي، بينما يخالفه خامنئي الرأي ويرى أن في ذلك غرسًا للجذور الاستعمارية في البلاد.

ربما لا تبدو المنافسة بين خامنئي وروحاني عادلة من الأساس، حيث يملك خامنئي السيطرة على الجيش، والحرس الثوري الذي يبلغ عدد مقاتليه 128 ألفًا، وشبكات التجسس، والشركات المملوكة للدولة والتي تهيمن على الاقتصاد الإيراني، والقضاء ووسائل الإعلام الحكومية والهيئات الانتخابية، وهو ما يجعل من سلطات روحاني محدودة، ويجعل السيطرة الأكبر في كل تلك الأمور في يد خامنئي.

لا يؤمن الكثيرون في معسكر روحاني أن الأمور قد تتغير بشكل جذري مع وفاة خامنئي أو تقاعده (يبلغ من العمر 76 عامًا وتشير التقارير إلى أنه يعاني من سرطان البروستاتا)، في حين يرى البعض أنه لن يكون هناك أي تغيير من الأساس. أشارت التقارير المحلية الأسبوع الماضي إلى تولي آية الله أحمد جناتي منصب رئيس مجلس الخبراء، وهو ما يعني أنه سيقوم باختيار المرشد الأعلى القادم والذي سيخلف خامنئي.

بحسب التقرير، فبالرغم من أن الإصلاحيين حققوا عددًا أكبر من مقاعد البرلمان هذا العام، إلا أنهم ما زالوا لم يتمكنوا من تكوين أغلبية داخل المجلس، وأن الأمر ما زال بيد عدد من المستقلين الذين من الممكن أن يأخذوا اتجاه روحاني أو خامنئي. إلا أن التقرير يؤكد وجود بوادر مبشرة في هذا البرلمان، كعدم نجاح عدد كبير من الرموز البرلمانية القديمة الموالية لخامنئي بقوة، بالإضافة إلى تراجع نسبة رجال الدين إلى 6%، وهي نسبة أقل من نصف النسبة التي تضمنها برلمان 2012، وهي الأقل منذ انطلاق الثورة الإيرانية، وكذلك هي المرة الأولى التي يفوق فيها عدد النساء عدد رجال الدين في المجلس.

تضيف "الإيكونوميست" أن خامنئي قد تمكن من الفوز في جميع صراعات السلطة التي واجهها، بما في ذلك صراعاته مع أتباع روحاني، ومع محمود أحمدي نجاد من قبل، وكذلك مع الإصلاحي محمد خاتمي، والذي يُحظر نشر اسمه في وسائل الإعلام المحلية. في المقابل، يحظى روحاني بدعم آية الله علي أكبر رفسنجاني، والذي يعد قوة كبرى في السياسة الإيرانية. ففي الوقت الذي يعارض فيه رفسنجاني استخدام القوة اتجاهًا أساسيًا، يرد خامنئي قائلًا بأن "هؤلاء الذين يقولون بأن المستقبل يكمن في المفاوضات وليس الصواريخ هم إما جهلة أو خونة"، حيث جاء ذلك ردًا على تصريح لرفسنجاني قال فيه إنه يفضل ثقافة الحوار بدلًا من التجارب الصاروخية.

هل يعود نجاد من جديد؟

يتساءل بعض الخبراء ما إذا كان سيسمح خامنئي لروحاني بالترشح لفترة رئاسية ثانية العام المقبل، إذ بإمكان مجلس صيانة الدستور منعه من الترشح، إلا أن مشكلة خامنئي تكمن في عدم وجود بديل واضح في الوقت الحالي. ومع عدم وجود من يُعدّ أقرب له في الفكر، يحاول خامنئي إصلاح علاقته بأحمدي نجاد، على أمل أن يستعيد الرئيس السابق تأثيره الشعبي، والذي تتهمه الطبقة الوسطى بتبديد أموال البلاد التي تحققت في فترة ازدهار أسعار النفط، في حين يحظى بشعبية كبيرة بين الفقراء الذين حظوا بمعونات اجتماعية في عهده بالإضافة لترميم مزارات شيعية هامة.

من بين المرشحين المحتملين أيضًا بحسب التقرير قاسم سليماني، وهو قائد عسكري إيراني وقائد فيلق القدس وهي فرقة تابعة لحرس الثورة الإسلامية، والذي قاد القتال ضد المجموعات الجهادية السنية في العراق وسوريا، إلا أن دخوله للمجال السياسي ربما يكلف الحرس الثوري خسارة أحد أكثر قادته شعبية.

يختتم الكاتب التقرير بالقول إن الناخبين ربما يفقدون من الأساس اهتمامهم بالانتخابات القادمة، فعلى الرغم من نسب التصويت المرتفعة في الانتخابات الأخيرة، تظل أفعال خامنئي الأخيرة تشير إلى أن صناديق الاقتراع لا تسهم بنسبة كبيرة في تحديد مسار إيران، بالإضافة لعدم وجود أمل في حدوث تغيير من الداخل. انتهى/خ.

اضف تعليق