نشرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن ثلاث نهايات محتملة لأوكرانيا، وأشارت فيه إلى أنه بغض النظر عن السيناريو الذي سيتم تنفيذه -الإطاحة ببوتين، أو تسوية تفاوضية أو حالة الجمود المستمرة- فلا عودة إلى نظام ما بعد الحرب القديم.

وقالت المجلّة في تقريرها إن السؤال حول كيفيّة انتهاء الحرب لا يزال ملحا منذ أول يوم اندفعت فيه القوات الروسية إلى أوكرانيا. وبدا إعلان موسكو، يوم الثلاثاء، أنها ستحول تركيزها بعيدا عن كييف إلى دونباس، كعلامة على أن الرئيس فلاديمير بوتين يستعد لتحقيق نصر أكثر تواضعا. ومع ذلك، تلاشت هذه التكهنات بسرعة بينما تواصل قواته القصف حول العاصمة الأوكرانية.

مع إصرار قوى الناتو على عدم التدخل نيابة عن أوكرانيا، يرى المسؤولون الغربيون بشكل متزايد ثلاث فئات واسعة لكيفية إنهاء هذا الصراع، إما الإطاحة ببوتين أو تسوية تفاوضية أو حالة الجمود المستمرة.

انتشرت كلمات الرئيس الأمريكي جو بايدن "بحق الله، لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى في السلطة"، لتنقل ما كان يفكر فيه العديد من القادة الغربيين، الذين لا يفهمون تفكير بوتين، وسئموا من قعقعة سلاحه النووي، ولا يثقون بأي كلمة يقولها.

وقال السفير مايكل ماكفول، إن بوتين يعتمد على الأيديولوجية "وهو ليس من نوع المفكرين الذين يأخذون بعين الاعتبار التكلفة والنتيجة"، وهذا يعني أنه لم يكن باستطاعة الغرب على الأغلب فعل الكثير لردع بوتين عن اختيار هذه المعركة في المقام الأول، ولا لإقناعه بإنهائها.

في المقابل، تحلم واشنطن ولندن بعالم ما بعد بوتين، وقد أحبوا ذلك. وفي هذه الرؤية، تُبقي المقاومة الأوكرانية (بمساعدة غربية كافية فقط لتجنب التصعيد) بوتين عالقا في صراع طويل الأمد.

وأضافت المجلّة أنه من أجل الصمود، يتعين على بوتين تجنيد المزيد من الجنود، الذين يعودون بالفعل إلى منازلهم في أكياس جثث، لكن آلة الدعاية الخاصة به لا تستطيع إخفاء هذه الحقيقة، مما دفع الأمهات إلى الاحتجاج في الشوارع. في غضون ذلك، تدفع العقوبات الشديدة الطبقة الوسطى الروسية إلى التطرف والتسبب في تفاقم الحرب.

في هذا السياق، قال مسؤول غربي إن النخب الروسية ستشكل على الأرجح فرقة إعدام دائرية من أجل تحقيق "التقدم الكارثي" لروسيا في حربها مع أوكرانيا. وأضاف المسؤول أن هناك "دليلا كبيرا يدعو إلى القلق بشأن الطريقة التي انتشر بها الغزو الروسي بين النخبة الروسية على نطاق واسع".

في نهاية المطاف، قرر الجنرالات ومسؤولو التجسس في روسيا إعطاء بوتين جرعة من السم الخاص به والتخلص منه بالقوة. ومع تزامن الانقلاب مع احتجاجات حاشدة، يخرج جيل من القادة المؤيدين للغرب من وسط الفوضى في موسكو.

أصبحت أوكرانيا درسًا موضوعيًّا، ليس فقط لموسكو، ولكن أيضا لبكين، حيث ينظر الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي قد يكون أكثر من مفكر "يحلل التكلفة والنتيجة"، إلى الإذلال الذي تعيشه روسيا في مواجهة جبهة غربية موحدة، ويدرك أن محاولة إقناع تايوان لن تجدي نفعا.

التحقق من الواقع: لقد كانت آخر مرة أطاح فيها الروس بقائدهم فجأة في عام 1917، وبالنظر إلى الغياب التام للمعارضة المنظمة، فلا يوجد ضمان بأن يكون خليفة بوتين ذا عقلية مختلفة. قد تشعر الصين، التي لديها اقتصاد أكبر بكثير من اقتصاد روسيا، بالارتياح إزاء عدم قدرة الغرب على الاستغناء عن الوقود الأحفوري الروسي ورفض الناتو المخاطرة بشكل مباشر بأمن أعضائه لمساعدة أوكرانيا.

أشارت المجلّة إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يزال مصرًّا على إمكانية تحقيق اتفاقية سلم عن طريق التفاوض، لكن تختلف حدود التسوية المحتملة اختلافًا كبيرًا، ولا يوجد وضوح بشأن عدد التنازلات الأوكرانية التي يمكن للغرب، والشعب الأوكراني نفسه، قبولها.

تملك دول أوروبا الغربية حافزا كبيرا لمحاولة العودة إلى الحياة الاقتصادية الطبيعية، ووسط دلائل على أن تأثير العقوبات آخذ في التضاؤل، يجب أن تكون العقوبات أكثر صرامة، وهذا لا يضر روسيا فقط. على سبيل المثال، يبدو أن ارتفاع تكاليف المعيشة سيمثّل أكبر تهديد لمحاولة إعادة انتخاب ماكرون، وفي ألمانيا، حذر المستشار أولاف شولتز من أن تجنب النفط والغاز الروسيين سيؤدي إلى ركود.

أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالفعل عن بعض الانفتاح على التخلي عن عضوية الناتو لأوكرانيا، وقد يتمكّن بوتين أيضا من انتزاع بعض الأراضي، مثل الحصول على شبه جزيرة القرم ودونباس دون مزيد من الخلاف الأوكراني، مقابل انسحاب روسي من بقية البلاد.

في حال انقسمت أوكرانيا إلى قسمين، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتحمل مسؤولية واضحة لإعادة بناء الجانب الحر، كما أن وجود حدود فعلية نظيفة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا عند نهر دنيبر أمر جذاب، خاصة عندما يكون البديل هو حدود بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا، إذا تمكّن بوتين من الاستيلاء على كامل أوكرانيا.

التحقق من الواقع: لقد نكث بوتين تقريبا بكل الوعود التي قطعها خلال الشهر الماضي، سواء كان الانسحاب من كييف أو السماح بمسارات الهروب الإنسانية من ماريوبول. قال رئيس الوزراء بوريس جونسون يوم الأربعاء: "من وجهة نظري، فإنه من الواضح أن بوتين لا يمكن الوثوق به".

وحتى لو التزم بوتين باتفاق ما، فإن أي مكاسب تتحقق من خلال العنف غير المبرر تقوض بشدة النظام الوطني القائم على القواعد، بينما تعتبر دول الاتحاد الأوروبي الشرقية، التي كانت متشددة بشأن روسيا، مثل هذه الصفقة بمثابة استرضاء لأحد المتنمرين الذي يهدد أمنها. وبالتالي قد يعتقد بوتين أن هذه دعوة لمحاولة غزو أحد الجيران مرة أخرى، ولكن هذه المرة سيكون على استعداد أفضل.

تقدر وزارة الدفاع الأمريكية أن الصراع قد يستمر لعقد من الزمان، وفي الواقع، لا توجد أي مؤشّرات على أن أيا من الطرفين سيكون مستعدا لمفاوضات سلام جادة في أي وقت قريب، إذ يرفض زيلينسكي حتى التطرق إلى منطقة الاستسلام إلى أن يعيد الروس القوات إلى مواقعها ما قبل 24 شباط/فبراير، بينما يتطلب تنازله المحتمل الآخر، أي الحياد الأوكراني المعلن، استفتاء دستوريا يستحيل تنظيمه تقريبا.

في غضون ذلك، يزيد التأثير المتضائل للعقوبات في روسيا من عزم موسكو، بينما يُظهر القادة الغربيون ترددا متزايدا في تصعيد الألم على ناخبيهم. بدأت ملامح الصراع العسكري المستمر تشبه صراع سوريا في أوروبا الشرقية، لكن الناتو لا زال يمتنع عن إرسال القوات الأرضية أو إطلاق النار على الطائرات الروسية، بينما الأوكرانيون، على الرغم من شغفهم وانضباطهم، منتشرون بشكل ضئيل للغاية للدفاع عن كييف وغيرها من النقاط الرئيسية من المضايقات الروسية لشن هجوم مضاد حقيقي.

وذكرت المجلّة أنه مع تمكن الروس من الاستيلاء على المدن، فإن أفضل أمل للقوات الأوكرانية هو استخدام تقنيات على غرار حرب العصابات لمنع العمليات العسكرية من أن تتحوّل إلى حقيقة سياسية. وقالت جينيفر كافاريلا، رئيسة هيئة الأركان في معهد دراسات الحرب ومقره الولايات المتحدة، إن هذا يعني سحب الموارد الروسية بعيدا عن الخطوط الأمامية المتشددة، وهو "تغيير مكلف للغاية".

وفي ظلّ عدم وجود أمل في السيطرة الفعلية على أوكرانيا، يختار بوتين التدمير المنهجي، مما يجعل إعادة بناء البلاد باهظة التكلفة، وعلى الرغم من أن روسيا لم تفز أبدا في الواقع، إلا أن أوكرانيا تخسر سكانها واقتصادها.

التحقق من الواقع: يبتعد الناتو عن ساحة القتال لتجنب حرب عالمية ثالثة، لكن الحرب الممتدة لها عواقب عالمية. لن يتمكن اللاجئون الأوكرانيون الذين يتدفقون نحو الغرب من العودة إلى ديارهم، ولن يكونوا الوافدين الجدد الوحيدين: فالناس من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى المعرضون للخطر بسبب الاقتصاد الروسي المنهار وتوقف صادرات الغذاء سوف يجدّدون ظهور الهجرة كمسألة مثيرة للجدل في الديمقراطيات الغربية.

اضف تعليق