شكلت لغة السب واللعن التي اختارها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في خطاب موجه للفرنسيين صدمة كبيرة لدى السياسيين والمثقفين الفرنسيين، هذا الأسبوع، لاسيما أن تلك اللغة لم تأتِ من شخص عادي، بل من داخل القصر الرئاسي الفرنسي، الإليزيه.

يقول أستاذ التاريخ بكلية الشرف بجامعة هيوستن روبرت زاريتسكي أن ماكرون أطلق تصريحات نابية فيما يخص ما يقرب من 8% من البالغين الذين لا يزالون غير ملقَّحين ضد كوفيد في فرنسا، لافتًا إلى أن أغلب المنافذ الإخبارية الإنجليزية ترجمت تصريحاته على النحو التالي: "لستُ هنا لأضايق الفرنسيين، لكن فيما يتعلق بغير الملقَّحين، أريد حقًّا أن أضايقهم".

وفي 4 يناير (كانون الثاني)، نشرت صحيفة "لو باريزيان" مقابلة بين ماكرون وعدة قراء، وقد تَطرَّقت المقابلة، التي عُقِدت في قصر الإليزيه واستمرت أكثر من ساعتين، إلى استجابة الحكومة لموجة متحور أوميكرون التي اجتاحت فرنسا. وأعربت إحدى المشاركات، وهي ممرضة في قسم الطوارئ، عن شعورها بالإحباط إزاء عدد المرضى المصابين بكوفيد-19، ممن لم يتلقوا التطعيم، الذين غمروا المستشفى.

وأومأ ماكرون برأسه مُبديًا اتفاقه مع الممرضة، ثم انطلق في تفسير سياسته تجاه غير الملقَّحين. وقال إن الأوضاع وصلت مرحلة لم يعد فيها أمام الحكومة من خيار سوى فرض تصريح اللقاح على مستوى البلاد.

وأشار الكاتب إلى أن الكلمة الفرنسية "Merde"، والتي تعني البراز، أو بشكل أكثر دقة الفعل المرتبط بها emmerder (يتبرز)، هي الكلمة النابية محل النقاش، واللافت للنظر أن الرئيس إيمانويل ماكرون باستخدامه هذه الكلمة يبدو أنه أطلق حربه النابية ضد أقلية من مواطنيه الفرنسيين.

ونوَّه الكاتب إلى أن ترجمة كلمة "Emmerde" التي استخدمها ماكرون بمعنى "يُضايق" ليس دقيقًا تمامًا في نظر اللغويين الأصوليين، إذ أن تلك الكلمة لا تعني حرفيًّا "يُضايق"، ولكن تعني "يزدري".

وبطبيعة الحال، يتجادل اللغويون بشأن درجة ابتذال الكلمة، ويعرِّف البعض استخدامها على أنه مجرد استخدام دارج، بينما يصر آخرون على أنه مسيء للغاية، ينوه الكاتب إلى أن الحال هو كذلك مع نظيرتها الإنجليزية؛ إذ تُستخدم على سبيل المزاح مع الأصدقاء والعائلة، ولكن لا تُستخدم مطلقًا مع الغرباء أو المعارف السطحيين ما لم يكن هناك سبب وجيه.

ولكن، وحسب ما يستدرك الكاتب، توحَّدت الشخصيات السياسية في نظرتها الرافضة لاستخدام ماكرون لتلك الكلمة، وآية ذلك أنهم جميعًا وبَّخوا ماكرون أو استهجنوا تصريحاته.

ومن بين تلك الردود القوية ما تمثل في الغضب المُتكلَّف من جانب مارين لوبان، نجلة جان ماري لوبان، وهي المؤسِّسة العنصرية لحزبها، إزاء "بذاءة" ماكرون، أو منافسها إريك زمور، الذي غُرِّم مرات عدة لتصريحاته العنصرية، حين لوَّح بإصبعه تجاه "تصريح ماكرون الساخر" و"قسوته المعلنة"، وكان الرد الأكثر وضوحًا هو رد الاشتراكية آن هيدالجو، والتي قالت، مقتبسة كلمات ماكرون في تغريدة، "أعيدوا توحيد فرنسا".

يقول الكاتب: يبدو أن ماكرون يعتقد أن كلماته وسياساته الجلفة ستجذب إليه قاعدته الوسطية وتبعد عنه بعض الناخبين المحافظين، ودافع أعضاء من حزبه "الجمهورية إلى الأمام"، الذين من الواضح أنهم فوجئوا بما جاء في مقابلة ماكرون، عن زعيمهم بأن أصروا أن ماكرون كان يتحدث إلى الفرنسيين بحرية وصراحة.

وقالت إيزابيل فيرات ماسون، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية المتخصصة في الاتصالات إن لغة ماكرون الجريئة ستجذب إليه بالأخص الناخبين الأصغر سنًّا. وقد تُثبت هذه الفئة العمرية، التي عادة ما تمتنع عن التصويت، دورها المحوري في الانتخابات. وكان أكثر من 60% من الشباب الفرنسي قد تجنب صناديق الاقتراع في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، الأمر الذي جعل الأحزاب السياسية الفرنسية تسعى جاهدة لإيجاد حلول لهذا الامتناع عن التصويت.

اضف تعليق