تجد أفغانستان نفسها مؤخرا أمام مصير مجهول بعد 40 عاما من المعاناة والحروب والويلات، وأزمة اقتصادية خانقة دفعت ملايين الأسر إلى براثن الفقر، وأجبرت بعضهم على اتخاذ خيارات مأساوية كان أكثرها ألما، هو اللجوء إلى بيع أطفالهم.

هذا الوضع المتأزم، اشتدت حدته بعد أن توقفت المساعدات الدولية التي كانت تشكل 75 في المئة من ميزانية البلاد في ظل الحكومات السابقة، إضافة إلى قرار واشنطن تجميد نحو 9.5 مليارات دولار من الأصول التي يملكها البنك المركزي الأفغاني بعد أن بسطت حركة طالبان سيطرتها على مقاليد الحكم في أفغانستان منتصف آب/اغسطس الماضي.

طالبان وسلسلة من التحديات الشاقة

وتفاديا لانعدام الأمن الغذائي وسط هذا الحكم الهش، وبعد أن أدركت طالبان أن تحسين الاقتصاد لا يمكن أن يتم دون مساعدة خارجية، جددت دعوتها إلى الولايات المتحدة للإفراج عن الأموال المجمدة بعد محادثات استمرت لمدة يومين في العاصمة القطرية الدوحة، إلا أن واشنطن والغرب يرفضان تقديم المساعدة قبل أن تحرز الحركة تقدما ملموسا في تعهداتها.

الأصول المجمدة .. قيمتها

بحسب أحدث التقارير المالية، يمتلك البنك المركزي الأفغاني أصولا إجمالية تبلغ أكثر من 10 مليارات دولار، بما في ذلك 1.3 مليار دولار احتياطيات من الذهب و362 مليون دولار العملات الأجنبية.

وجرت العادة، أن تودع البنوك المركزية في بعض الدول وخاصة النامية منها أصولها في الخارج، وفي مؤسسات مثل البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أو بنك إنجلترا.

وبحسب البيانات الرسمية الأخيرة، يحتفظ فيدرالي نيويورك في خزائنه بحلول نهاية عام 2020 بسبائك ذهب تعود لأفغانستان بقيمة 1.32 مليار دولار.

هذا وفي سياق متصل، تبلغ حيازات بنك أفغانستان من العملات الأجنبية نقدا، 362 مليون دولار، وهذه الأموال يُحتفظ بها في المكاتب الرئيسية للبنك وفروعه بالإضافة إلى القصر الرئاسي.

إضافة إلى ذلك يحتفظ البنك بنحو 160 مليون دولار من سبائك الذهب والعملات الفضية في قبو البنك الموجود بالقصر الرئاسي الذي بات اليوم تحت سيطرة طالبان.

وبحسب اليونسكو، تحتوي خزائن البنك المركزي الأفغاني على كنز من المجوهرات الذهبية والحلي والعملات المعدنية التي يعود تاريخها إلى 2000 عام والمعروفة باسم "كنز باكتريان".

إلا أنه وبحسب رئيس البنك المركزي الأفغاني أجمل أحمدي، فإن لدى طالبان في الوقت الحالي الحق في الوصول إلى 0.1 بالمئة أو 0.2 بالمئة فقط من إجمالي الاحتياطيات في أفغانستان.

وكان أحمدي قد أعلن قبل مدة، أن احتياطيات البنك المركزي كانت "حوالي 9 مليارات دولار. لكن هذا لا يعني أن البنك يحتفظ فعليًا بـ 9 مليارات دولار في خزينته"، وبالتالي فإن الأموال لن تكون في متناول طالبان.

واعتبر أن الأصول، لا سيما السيولة والذهب، "كلها محفوظة في حسابات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، وبنك التسويات الدولية و بنوك أخرى".

ولم تكن هذه الدعوة حكرا على طالبان، بل رفعت المنظمات الإنسانية العالمية صرخات مماثلة تطالب المجتمع الدولي إلى تخفيف القيود المالية الحالية المفروضة على أفغانستان، التي تمنع توفير الرعاية الصحية والغذاء والخدمات الأساسية الأخرى.

وأحدث هذه الصرخات، كان إعلان الأمم المتحدة الثلاثاء أنها تحتاج إلى خمسة مليارات دولار كمساعدات لأفغانستان في العام 2022 لتفادي كارثة إنسانية.

وأوضحت المنظمة الأممية في بيان، أن تمويل خطتها الجديدة يتطلّب 4.4 مليارات دولار من الدول المانحة لتوفير الاحتياجات الإنسانية في أفغانستان لهذا العام، في أكبر مبلغ تطلبه المنظمة الأممية لدولة واحدة، يضاف إليه مبلغ 623 مليون دولار لمساعدة ملايين اللاجئين الأفغان الذين فرّوا من بلدهم إلى دول مجاورة.

وأضافت أن 22 مليون شخص داخل أفغانستان و5.7 ملايين أفغاني نزحوا إلى بلدان مجاورة يحتاجون إلى مساعدة ضرورية هذا العام.

وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، إن "كارثة إنسانية شاملة ترخي بظلالها. رسالتي عاجلة: لا تغلقوا الباب بوجه شعب أفغانستان".

أضاف "ساعدونا على تجنب انتشار واسع للجوع والمرض وسوء التغذية والموت في نهاية المطاف".

ويقول بول شبيغل، مدير مركز الصحة الإنسانية في كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة، بعد رحلة قام بها إلى أفغانستان نيابة عن منظمة الصحة العالمية "يمكنني القول بوضوح أنه إذا لم تغير الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية سياساتها التي تتعلق بالعقوبات على أفغانستان، فإن عدد الأفغان الذين سيموتون جراء العقوبات سيكون أكبر من أولئك الذين سيقضون على أيدي طالبان".

عجز عن دفع الرواتب

وفي وقت تجد الحكومة الحالية المعروفة الآن باسم إمارة أفغانستان الإسلامية، نفسها عاجزة عن دفع الرواتب إذ أنه يُسمح للمصارف بتسليم كميات ضئيلة من العملة الأفغانية، أعلن جاويد أحمد قائم سفير أفغانستان لدى الصين استقالته.

وفي تغريدة نشرها عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر، قال جاويد أحمد إنه "ترك منصبه في وقت سابق من هذا الشهر بعد أن ظل شهورا لا يتقاضى راتبه من كابول بعد استيلاء حركة طالبان على السلطة".

وأضاف قائم في رسالة تسليم مؤرخة، في الأول من يناير/ كانون الثاني ونُشرت أيضا على تويتر، أن دبلوماسيين كثر في السفارة غادروا بالفعل وأن كابول لم ترسل لهم رواتبهم منذ أغسطس/ آب.

وأوضحت رسالة قائم، أنه حتى الأول من يناير/ كانون الثاني لم يكن في أحد الحسابات المصرفية للسفارة سوى 100 ألف دولار، بالإضافة إلى مبلغ لم يكشف عنه في حساب آخر.

وأدت عودة طالبان المفاجئة للسلطة إلى حالة من الارتباك بين مئات الدبلوماسيين الأفغان في الخارج مع شعورهم بالخوف على عائلاتهم في الوطن وسعيهم الحثيث للحصول على لجوء في الخارج.

ويقدر أن 4.7 ملايين شخص سيعانون من سوء التغذية الحاد في العام 2022، من بينهم 1.1 مليون طفل يعانون سوء التغذية الحاد الوخيم.

اضف تعليق