قدر مسؤولون قيمة المبالغ التي ينفقها المواطنون على التعليم خارج البلاد بأكثر من 50 مليون دولار ضمن الدراسات الأولية والعليا في الجامعات العربية والأجنبية، معتبرين أن الارتفاع الذي شهده العراق في السنوات الأخيرة لظاهرة إكمال التعليم خارج البلاد، يعود إلى تراجع القطاع التعليمي، خصوصاً على مستوى الجامعات والمعاهد الرسمية المعتمدة.

عربياً، يتصدر لبنان ومصر والأردن صدارة الدول الأكثر استيعابا للطلاب العراقيين من الراغبين في إكمال دراساتهم العليا، بينما تأتي تركيا وإيران واليونان وأوكرانيا والهند وماليزيا وروسيا والمملكة المتحدة بين الدول الأكثر قبولا للعراقيين في هذا الإطار، حسب بيانات رسمية.

ويبلغ معدل إنفاق الطالب العراقي في الدول العربية سنويا نحو 10 آلاف دولار عدا تكاليف المعيشة، بينما ترتفع في الدول الأجنبية إلى أكثر من ذلك، وفقا لمسؤول عراقي بارز في وزارة التعليم، أقر بأن تراجع مستوى التعليم أحد أبرز أسباب إقبال أولياء الأمور على إرسال أبنائهم للدراسة خارج البلاد، إضافة إلى رغبة بعضهم بتخصصات لا تتوفر في العراق.

وتحدث المسؤول، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، عن أرقام تصل إلى أكثر من 50 مليون دولار تخرج من العراق على شكل حوالات مالية لدول مختلفة كتكاليف دراسة وتعلم.

ويضيف، أن سببا آخر لهذا الإقبال على الحصول على الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) هو رغبة الكثير من الموظفين بتحسين مرتباتهم، بينما يبحث آخرون عن الوجاهة الاجتماعية.

ويؤكد أن "الوزارة لا تمتلك إحصائية دقيقة عن عدد الطلاب في الخارج، وذلك لأن إعدادا كبيرة منهم لا يملكون ملفات في وزارة التعليم، خصوصاً بعدما أصبح التعليم إلكترونياً في مختلف أنحاء العالم".

من جهته، يقول الأستاذ الجامعي في كلية السلام، جاسم الجبوري، إن "الدراسة في الخارج أصبحت باباً لاستنزاف العملة الصعبة وتحويلها إلى خارج البلاد، من دون أن تنتبه الحكومة والجهات المعنية إلى حجم الأموال التي تذهب إلى الخارج عن طريق الدراسة في الجامعات الأجنبية".

ويضيف أن "معظم الجامعات في الدول الإقليمية مثل لبنان وإيران والأردن ودول أخرى بدأت في تقديم عروض وتسهيلات مغرية من أجل التعليم في جامعاتها، ما أدى إلى زيادة كبيرة جداً في أعداد الطلبة العراقيين خارج العراق".

ويشير الجبوري إلى أن "الأقساط الدراسية انخفضت بشكل كبير في معظم الجامعات خارج البلاد، خصوصاً العربية، بسبب تدهور العملة المحلية لديها، إذ تراجعت إلى 3 آلاف دولار للعام الواحد".

من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الاقتصادية، أنور البياتي، إنّ "الإقبال على الدراسة خارج العراق وخصوصاً الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه في تزايد مستمر، نتيجة للتسهيلات الكبيرة التي تقدمها الجامعات الأجنبية وكذلك انتشار المكاتب والشركات التي تتولى عمليات القبول بمختلف جامعات العالم".

ويضيف أن "ظاهرة بيع المقاعد الجامعية عن طريق أشخاص متعهدين ساهمت بشكل كبير في استنزاف العملة الصعبة" لافتاً إلى أنّ "ملايين الدولارات تحوّل سنوياً لدواعي الدراسة إلى مختلف بلدان العالم، وأهمها لبنان وإيران وتركيا، من دون أن تدرك الحكومة خطورة ذلك على الاقتصاد المنهك".

بدورها، تقول عضو اللجنة الاقتصادية في الدورة البرلمانية السابقة، نجيبة نجيب، إن "الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد عام 2003 رافقها كثير من السلبيات ومنها الملف الاقتصادي، بسبب فقدانها السيطرة على 75% من موارد الدولة، وكذلك السماح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باستنزاف العملة الصعبة من العراق".

تضيف أنه "بعد الإقبال الكبير والواسع من قبل الطلبة العراقيين على الدراسة خارج العراق هناك تخوف كبير من تحول ملف الدراسة في الخارج إلى باب جديد لاستنزاف ما تبقى من العملة الصعبة في العراق، لا سيما أن العراق يعاني من أزمة اقتصادية خانقة تُعد الأصعب من بين الأزمات المركبة التي يعاني منها العراق اليوم".

وتدعو نجيب الحكومة والجهات المعنية إلى "عدم السماح بالدراسة خارج البلاد سوى لبعض التخصصات النادرة التي لا توجد في الجامعات العراقية، للحفاظ على العملة الصعبة".

في سياق ذلك، يقول مدير شركة "النوارس" للتحويل المالي، إيهاب الحديثي إنّ "نسباً غير قليلة من الحوالات المالية الخارجة من العراق إلى الدول الأخرى تدرج ضمن أغراض الدراسة".

يضيف أن "غالبية البيانات المصرفية تشير إلى أن كميةَ المبالغ الخارجة من البلد أكبر من الداخلة إليه، معتبراً ذلك نشاطا اقتصاديا سلبيا يستنزف رصيد النقد الأجنبي".

المصدر: العربي الجديد

اضف تعليق