تعيش لبنان تحت وطأة واحد من أسوأ الانهيارات الاقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر؛ فحسب شهادات محلية إنّ الوضع المزري الذي يمر به لبنان حاليًا لا يصلح للعيش فيه، فمجرد مروحة تعمل بالبطارية تباع اليوم في بيروت بمليون و400 ألف ليرة، أي: ما يعادل ألف دولار، وهو نفس المبلغ الذي يتقاضاه الموظف اللبناني ذو الدخل المتوسط خلال شهرين.

وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنّ أزمة الوقود في لبنان سببها جزئيًا تهريبه إلى سوريا، فيما يقف الجيش اللبناني عاجزًا عن وقفه، وسط مطالبة محلية له بإطلاق معركة "فجر الحدود"، إذ عثر الجيش على بعض الجسور وأغلقها في الأسابيع الأخيرة، لكنها لا تكفي لوقف تجارة البنزين غير المشروعة، في الوقت الذي تعيش فيه سوريا أزمة وقود لم يسبق لها مثيل.

التهريب على طول حدود 250 ميلًا ليس بالأمر الجديد؛ لأن كلا الجانبين يهربان المخدرات، والأسلحة، والمواد الغذائية، والبشر، ومع ذلك فإن الجهود المبذولة لمنع تهريب البنزين إلى سوريا لم تكن ناجحة مثل الجهود السابقة لمنع جميع أنواع التهريب الأخرى.

وفي أبريل (نيسان) 2021 صرح وزير الطاقة بالوكالة، ريمون غجر، بأنّ فرق أسعار الوقود بين سوريا ولبنان يعني أن المهربين حققوا أرباحًا أعلى في سوريا المجاورة، واتهم وزير الخارجية الأسبق، جبران باسيل، أجهزة أمنية، ونوابًا، وسياسيين بالانخراط في شبكات وعمليات التهريب.

وأما البنك المركزي اللبناني، فقد أعلن في يونيو 2021 أنّ واردات البنزين عام 2021 زادت فعليًا بنسبة 10٪ مقارنة، بالفترة نفسها من عام 2019، متكهنًا بأن التهريب هو سبب النقص المتزايد الذي يواجهه المستهلكون.

ومن المستبعد أن تفلح قرارات رفع أسعار الوقود في لبنان، التي توالت ثلاث مرات خلال 10 أيام، في إلجام حركة التهريب النشطة إلى سوريا، وفي آخر تسعيرة لبنزين أوكتان 95، الأكثر شعبية، حُددت الصفيحة (20 لترًا) بـ71 ألفًا و600 ليرة لبنانية، وفي اليوم نفسه أصدر النظام السوري تسعيرة جديدة للنوع نفسه من البنزين، ليصبح الليتر الواحد بــ3 آلاف ليرة سورية.

وفي مقارنة سريعة للفارق الهائل في الأسعار، والذي يسبب استمرار حركة التهريب بين لبنان وسوريا، يظهر أن سعر اللتر المدعوم من بنزين "أوكتان 95" في لبنان 0.20 دولار أمريكي، بينما في سوريا – إن اعتمدنا سعر الدولار الواحد بـ3250 ليرة سورية – يكون سعر اللتر المدعوم من بنزين "أوكتان 95" 0.92 دولار أمريكي، أي أن السعر المدعوم للبنزين في سوريا أكثر من أربعة أضعاف نظيره في لبنان.

وقد تستمر عملية نقص الوقود في البلدين، وتتفاقم من وقت لآخر، وكمؤشر على فشل الحكومتين: السورية، واللبنانية، فإن سعر البنزين سيرتفع أكثر فأكثر، وبما أن أنظمة البلدين غير قادرة ماليًا على تلبية طلب المستهلكين؛ ما جعل شعبيهما يتشاركان في طوابير طويلة، فسيستمر مسلسل التهريب في حلقة مفرغة.

اضف تعليق