ازداد إقبال الشباب في العراق على تعلم اللغات الأجنبية في السنوات الأخيرة، ولم يعد تعلمها مقتصرا على فئة معينة بل أصبحت محط اهتمام الشباب في مختلف المراحل العمرية، رغبة في تغيير الواقع وتحقيق طموحات ونجاحات في شتى الأصعدة.

يأمل علي كريم وهو في الثالثة والعشرين من العمر أن يتعلم اللغة الإنجليزية ويتكلمها بطلاقة خلال الفترة القادمة وقد أنهى دراسته الجامعية قبل سنة، لكن السبب الذي دفعه إلى تعلم هذه اللغة هو "الحصول على فرصة عمل مناسبة" لأن فرص العمل تتوفر إذا كان الشخص يمتلك مهارات في اللغة الإنجليزية والكمبيوتر كما أن تعلم مهارات الإنترنت يتطلب إتقان اللغة الإنجليزية.

ويتفق الشباب العراقيون على أن تعلم اللغات الأجنبية هو إحدى الوسائل الضرورية لفتح آفاق المستقبل، فيما يعبرون عن عدم رضاهم عن المناهج التعليمية للغة الإنجليزية المقررة من قبل وزارة التربية في مختلف المراحل الدراسية.

ويؤكد علي أن هذه المناهج لا تساعد إطلاقا على تهيئة الطلاب لدراسة أعمق وأفضل في المراحل العليا بالنسبة إلى هذه المادة التي ظلت وعلى مدى سنوات تعاني من استخدام مناهج قديمة وغير عملية في مدارس البلاد، على عكس ما يتم تدريسه في الدول الأخرى التي تستخدم مناهج أكثر تطورا عمليا ونظريا وإدخال كل ما هو جديد في هذا المجال من أجل تدريسه ليعود بأفضل النتائج على الطلاب.

وبنظر الطلاب ليست الإنجليزية كلغة هي المشكلة الأساسية بل المنهج بشكل عام، فالمنهج الإنجليزي في العراق أخذ في التطور ولكنه لا يأخذ الأهمية التي يستحقها وسط كثافة اللغات الأخرى لهذا يجد الطلاب أن هناك ضعفا كبيرا في اللغة.

وبات أمرا مسلما به حتى لدى المسؤولين أنّ وزارة التربية فشلت في تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس، وسط غياب البرامج الحكومية التي تسهل تعلم اللغات.

فرص عمل أفضل

تشترط الكثير من فرص العمل التي يتم الإعلان عنها في الصحف والإذاعات إجادة اللغة الإنجليزية تكلما وكتابة، بينما غالبية الشباب من أصحاب الشهادات العليا الذين اعتمدوا فقط على التعليم الحكومي لا يجيدون التحدث بهذه اللغة؛ لذلك تضيع عليهم هذه الفرص.

ويتوجب على كل من يرغب بوظيفة جيدة وذات مردود مادي مناسب تعلم اللغة الإنجليزية وإجادتها قراءة وكتابة.

وأغلب المتعلمين في كل مراحل التعليم حتى المستوى الجامعي لا يجيدون اللغات الأجنبية وخصوصا الإنجليزية، في حين أنهم يدركون حاجتهم للغة العالمية من حيث كونها لغة التخاطب ولغة الإنترنت ولغة العلم والتكنولوجيا ولغة المراجع العلمية، وهي لغة المؤتمرات العلمية.

وتوفر الفرصة للتعرف على ما يحصل في العالم وللتواصل مع شتى الدول والإلمام بثقافاتها.

كما أن فوائد تعلمها تتجاوز كل ما يتعلمه الشاب بلغته الأصلية. والتطور العلمي والتكنولوجي وإتقان اللغة الإنجليزية لا ينفصلان عن بعضهما البعض.

ويرى الصحافي عبدالخالق دسقي أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع بالشباب العراقي إلى اللجوء لتعلم لغات أجنبية وخصوصا اللغة الإنجليزية أبرزها أن الإنجليزية صارت ضمن الشروط التي يجب أن تتوفر لدى طالبي الدراسات العليا من الماجستير والدكتوراه في جميع الجامعات العراقية، وهذا ما دفع بالكثير من محبي العلم والشباب الطموحين بتكملة دراساتهم إلى الدخول في دورات تعلم اللغة الإنجليزية.

بيئة عمل للمنظمات

أضاف دسقي في تصريحات لـ"العرب" أن العمل مع المنظمات الأجنبية والدولية يتطلب من المتقدم للعمل معرفة جيدة باللغة الإنجليزية وقد توسعت دائرة عمل المنظمات في العراق خلال السنوات الأخيرة بسبب عمليات النزوح التي تمت فيها حيث توجد فيها الآن العشرات من مخيمات النازحين التي تعد بيئات عمل للكثير من المنظمات الإنسانية، لذلك فإن الكثير من الشباب من كلا الجنسين توجهوا لتعلم اللغة الإنجليزية كي يستطيعوا الحصول على فرصة عمل مع المنظمات الدولية.

وتابع أن الانفتاح الكبير الذي شهده العراق خلال السنوات الأخيرة أدى إلى توسع الحركة السياحية مما جعل الكثير من الشباب يتجه لتعلم اللغات الأجنبية ومن ضمنها الإنجليزية باعتبارها لغة عالمية.

كما أن مواقع التواصل الاجتماعي وما تحويه من شبكات تواصل بين الشباب في جميع أنحاء العالم والتي تتطلب الإلمام بجزء من اللغة الإنجليزية دفعت بالكثير من الشباب إلى تعلم هذه اللغة رغبة في التواصل مع بقية أنحاء العالم.

واستفاد البعض من الدورات المجانية التي تقدمها المنظمات الأجنبية أو التي تقدم عبر شبكات التواصل حيث جعلت اللغة الإنجليزية في متناول الجميع دون أي صعوبة مما دفع بالكثير من الناس وخاصة الشباب إلى التوجه لتعلمها.

وانتشرت المعاهد والمراكز التعليمية للغات في بغداد والمحافظات العراقية الأخرى، مستفيدة من الإقبال الكبير للشباب، الذين يسعون إلى الحصول على وظائف بمستويات عالية وذات مدخول مالي كبير في مؤسسات وشركات حكومية وأهلية وأجنبية.

ويزداد الإقبال على معاهد اللغة ومراكزها بشكل عام وغالبا ما يزداد في الصيف بشكل مكثف حتى أن مراكز اللغات أحيانا لا تتّسع لعدد الطلاب، فيما ينخفض في الأشهر الأخرى بسبب انشغال الطلاب بالدراسة أو العمل.

وتستأثر اللغة الإنجليزية بأكثر من 95 في المئة من دورات تعليم اللغات، تليها الفرنسية والإسبانية. ووفقا لمسؤول في وزارة التربية العراقية، فإن ما لا يقل عن 200 معهد ودورة دائمة منحت ترخيصا عام 2018 لتدريس اللغة الإنجليزية ولغات أخرى، وهناك أضعاف هذا العدد تعمل بلا ترخيص، عدا عن دورات يقيمها مدرسو اللغة الإنجليزية في منازلهم بشكل فردي للطلاب.

وقال كريم إن سبب الإقبال المتزايد من الشباب العراقي لتعلم اللغة الإنجليزية جاء بعد أن تبين أن اللغة شرط أساسي للحصول على وظيفة، وعبر عن ندمه لعدم التفاته لنصيحة أحد أصدقائه بإتقانها قبل أن يتخرج من الكلية، والذي بدوره كسب الوقت وتمكن من الحصول على شهادة عليا وفي نفس الوقت لغة إنجليزية ممتازة، وهذا كاف لضمان وظيفة في إحدى وزارات الدولة أو في أي شركة أو جهة أجنبية تعمل في البلاد. وأوضح أن المزايا التي يحصل عليها متقن الإنجليزية كثيرة؛ منها الاحترام والتقدير اللذان يحظى بهما من قبل المجتمع، والأولوية عند التقديم للوظائف، فضلا عن الامتيازات الأخرى التي يحصل عليها عند قبوله في الوظيفة.

وسيسهل الأمر أمامه وسيقطع شوطا كبيرا في سبيل الحصول على وظيفة بعد تخرجه مباشرة من الجامعة.

ويضطر البعض أحيانا إلى دفع مبالغ مالية عالية نسبيا للتسجيل في أحد المعاهد المتقدمة والانتظار لفترة قد تصل إلى أشهر حتى يتمكنوا من الحصول على مقعد دراسي في هذه المعاهد ذات السمعة الجيدة.

ويعتبر الفراغ بعد التخرج من الجامعة وعدم الحصول على وظيفة أبرز الدوافع للتسجيل بهذه المعاهد، للبحث عن فرصة عمل مناسبة لاسيما في المعاهد التي تهتم بخريجيها المتفوقين وتضمن لهم العمل فيها كأساتذة ضمن كادر المعهد.

ويقول رئيس لجنة التربية النيابية قصي الياسري إنّ هناك أكثر من دافع لدى الشباب العراقيين لتعلم اللغات، منها الحصول على فرصة عمل والسفر إلى خارج البلاد والانفتاح على العالم.

وتعتبر الهجرة خارج البلاد واحدة من الأسباب التي تدفع الشباب لتعلم اللغات الأجنبية، وتفرض القنصليات الأجنبية ضمن ملفات الهجرة، ضرورة إتقان المترشح لنيل التأشيرة لغة بلدانها الأصلية، بالتالي لا يجد الشاب العراقي، الذي درس في التعليم العمومي، سبيلاً غير متابعة دروس تعلم إحدى اللغات الأجنبية في المعاهد الخاصة.

ويقر أصحاب المعاهد إن غالبية الشباب الذين يدرسون لديهم، هم في إطار إعداد ملفاتهم للهجرة بهدف الدراسة، نظراً إلى العوامل الاجتماعية والأكاديمية العراقية التي تجعل من الطالب لا يجيد اللغات ولا التواصل.

ويلحظ مدرسو اللغة الألمانية إقبالا متزايدا على تعلّم هذه اللغة التي يتحدث الكثيرون عن صعوبتها، لكن لأن الدراسة في ألمانيا لا تتطلب مبالغ كبيرة كما في بلدان أخرى، فالفصل الدراسي يكلف ما بين 205 – 350 يورو، وهذا مبلغ يعتبر مناسبا جدا للتعليم الجامعي لاسيما أن ألمانيا تعاني من نقص في أعداد الأطباء والمهندسين.

لغة لم تعد ميتة

يشجع بعض الأهالي أبناءهم على تعلم اللغة الألمانية، لدراسة تخصصات مثل هندسة الكمبيوتر المطلوبة جدا في سوق العمل العالمية، خصوصا عندما يحصل الطالب على معدل عال في الثانوية العامة.

ولا تدرّس اللغة الألمانية في المناهج العراقية المقررة، لكنها تحوّلت اليوم إلى لغة حية في البلاد، بسبب ارتفاع نسبة الهجرة إلى ألمانيا.

وكان من المتداول أن اللغة الألمانية من اللغات الميتة، لكنها بدأت في الآونة الأخيرة ترتفع إلى مستويات اللغات الحية كالإنجليزية مثلا، في العراق بشكل خاص.

وينفي معلمون للغة الألمانية ما يشاع عنها بأنها لغة صعبة، فهي تنتمي إلى عائلة اللغات اللاتينية، وهي أقرب لليونانية، ومن يتقن اللغة الإنجليزية لن يجد صعوبة في استيعابها.

ويقولون أن تعلم الألمانية يتكون من ست مستويات، المستويات الثلاثة الأولي يمكن دراستها في العراق، أما الثلاثة الباقية فتستوجب التفاعل والتواصل مع الناطقين باللغة الأصلية في ألمانيا لإتقانها لأن تعلم أي لغة عن طريق الممارسة أسهل بكثير من التعلم الأكاديمي فقط.

اللغة الألمانية لا تدرس في المناهج العراقية المقررة، لكنها تحولت إلى لغة حية في البلاد بسبب ارتفاع نسبة الهجرة إلى ألمانيا

وبدأت معاهد اللغات تنشط أكثر فأكثر في بغداد وضواحيها، إلى جانب الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولجأ الشباب إلى تأسيس مجموعات وصفحات لتعلم الإنجليزية والألمانية بهدف الهجرة، إذ أنهم لا يريدون مواجهة المتاعب بسبب اللغة، حيث أن الآلاف من المهاجرين إلى ألمانيا واجهوا مصاعب كثيرة بسبب عدم إتقانهم اللغة، بالتالي لم يكن تأقلمهم سهلا في البداية. واللافت أن الإناث أيضا يقبلن على تعلم هاتين اللغتين، ومن مختلف الأعمار.

وبالنسبة إلى الشباب الراغبين في الهجرة، فإن تعلم اللغة قبل التوجه إلى بلاد اللجوء يختصر الوقت والجهد ويفتح فرص عمل هناك، بدلا من تضييع أشهر طويلة في تعلم اللغة في تلك البلاد.

وينصح المهاجرون ذويهم في العراق الذين يأملون بالالتحاق بهم أن يبدأوا بتعلمها في العراق قبل الهجرة ليختصروا على أنفسهم مصاعب كثيرة في التواصل اللغوي. كما أنه لا يمكنهم العمل من دون إتقان اللغة، لذا يقبلون على الالتحاق بدورات خاصة تمتد لأشهر لإتقانها.

ويربط البعض بين إقبال الشباب على تعلم اللغات الأجنبية وبين سوء الأوضاع في البلاد بسبب الحرب، حيث لم يعد أمام الكثير منهم سوى تعلم لغة أجنبية والاستعداد للهجرة، حتى لو لم يكن من أصحاب التعليم الجامعي.

خصوصا مع ما يواجهه الشباب الذين حلموا بالتغيير وخرجوا إلى الشوارع ثائرين على الفساد ونفوذ الميليشيات، ليجدوا القتل والاختطاف والعنف بانتظارهم.

العرب/ رويدة الرفاعي

اضف تعليق