حطم مقراب (تلسكوب) هابل رقما قياسيا بتمكنه من رصد أبعد مجرة يتم اكتشافها حتى الآن، بفضل أبحاث فريق عالمي من الفيزيائيين الفلكيين.

ويُعتقد أن هذا الإنجاز هو أقصى ما يمكن لمقراب هابل تحقيقه قبل أن يترك مكانه لتلسكوب جديد بعد أن قضى أكثر من 26 عاما يدور حول الأرض ويكتشف عوالم الكون.

"أنظروا إلى السماء كأنها كتاب مفتوح على الماضي"، يقول الفلكيون دائما للمهتمين بأسرار الكون. هم يتحدثون عن ماضٍ يُقاس بمليارات السنين. الاكتشاف الجديد يزيد سطرا آخر في ذلك "الكتاب المفتوح".

هي مجرة متناهية البعد عنا، لم ير الإنسان أبعد منها. يستغرق سفر الضوء من تلك المجموعة من النجوم حتى يصل إلينا 13.4 مليار سنة. لأول مرة، اكتشف فريق بحث مشترك من العلماء من جامعة فلوريدا وجامعة ييل الأمريكيتين عبر مقراب "هابل" (مرصد فضائي يدور حول الأرض، تديره وكالتي الفضاء الأمريكية والأوروبية أطلق عام 1990)، مجرة تعود لحقبة كان يبلغ فيها عُمر الكون قرابة 400 مليون سنة بعد الانفجار العظيم Big Bang، ما يمثل 3 في المئة فقط من عُمر الكون الإجمالي. أطلق على المجرة تسمية GN-z11، وتم رصدها في اتجاه كوكبة الدب الأكبر .

ونشرت تفاصيل الاكتشاف في العدد الجديد لمجلة Astrophysical Journal.

يحتوي الكون على مليارات المجرات كمجرتنا درب التبانة. وتضم كل مجرة مليارات النجوم كالشمس.

اكتشاف المجرات المتناهية البعد والقدم يفتح الباب أمام دراسة الظروف التي نشأت فيها عندما كان الكون "شابا"، لا يتجاوز عمره مئات الملايين من السنين.

وأظهرت حسابات العلماء أن مجرة GN-z11 صغيرة بالمقارنة بمجرتنا، درب التبانة. لكنها نمت بسرعة، لأن النجوم داخلها تكونت بمعدل يفوق عشرين مرة سرعة تشكّل النجوم داخل مجرة درب التبانة. المعلومات المتوفرة لا يمكنها إظهار حجم النجوم داخل المجرة المُكتشفة، لكن الاعتقاد السائد أن تلك النجوم أضخم بكثير من نجمنا، الشمس، وأكثر حرارة منه بأضعاف مضاعفة.

 

"هذا يمثل فعلا ذروة استكشاف تلسكوب هابل للمجرات عبر التاريخ الكوني"، يقول عالم الفلك باسكال أويسش من جامعة ييل الأمريكية والذي قاد الدراسة الجديدة. ويضيف : "مقراب هابل برهن من جديد كم هو مميز. فرغم مرور 26 عاما على إرساله إلى الفضاء، ما زال يبرهن بطاقاته. عندما أطلقنا تلسكوب هابل، كنا نستكشف مجرات لا تبعد إلا بالنصف من "التاريخ الكوني". الآن رجعنا بـ 97 في المئة إلى الوراء. هو إنجاز عظيم".

ويتطلع علماء الفلك بحماس لإطلاق مقراب من جيل جديد. يتعلق الأمر بتلسكوب جيمس ويب (James Webb Space Telescope) والذي من المتوقع أن يبدأ عمله عام 2018، على أن يواصل الغوص في خبايا وتاريخ الكون بطريقة أوضح وأدق من سابقه مقراب هابل.

فاكتشاف مجرة GN-z11 تم بالتقنية المسماة "الانزياح نحو الأحمر". ويقيس العلماء المسافة التي تفصلنا عن جسم بعيد جدا بحساب انزياح الضوء من الأزرق إلى الأحمر.

وبلغ انزياح مجرة GN-z11 رقم 11.1، بينما كان التنافس بين الفلكيين يقتصر على تجاوز انزياح يبلغ 9 ما يمثل 550 مليون سنة بعد حدوث الانفجار الكبير.

وعبّر العلماء الذين أنجزوا الدراسة عن ثقتهم في صحة قياساتهم. لكن التقنية المُستعملة لا تحظى بإجماع في الأوساط الفلكية.

فبعض علماء الفلك يقولون إنه من الصعب تأويل "الإمضاءات الضوئية" التي أدت إلى اكتشاف المجرة الجديدة وبأنها قد تكون تأثرت بوجود نجوم ومجرات بجانبها.

وكما كل مرة، تكمن جمالية الاكتشافات العلمية بكونها غير نهائية وتضع تحديات جديدة للعلماء للتأكد من المعطيات والغوص أكثر في كتاب مفتوح لا يتطلب من الإنسان إلا أن يزيد سطورا جديدة فيه. لكن بشرط : ألا ترفع أقلام البشر. بحسب فرانس 24.

اضف تعليق