بعد الإلغاء المفاجئ لوضع الحكم الذاتي الخاص في ولاية جامو وكشمير، والذي يحميه الدستور، أصبحت الهند آخر دولة ديمقراطية كبرى تتخذ إجراءات ضد الأقليات من أجل شعبية سياسية قصيرة الأمد. من الآن فصاعدا، ستخضع كشمير بشكل مباشر لإدارة الحكومة في نيودلهي، والقوميون الهندوس متحمسون لذلك. وهكذا، أضحت الترتيبات الدستورية التي جرى الحفاظ عليها بعناية في حالة يرثى لها. بحسب ما كتبت نغيري وودز أستاذ الإدارة الاقتصادية العالمية بجامعة أكسفورد.

تقول وودز في مقال نشره موقع بروجيكت سانديكيت، انه "في نفس الوقت، تمسَّك رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بمغادرة الاتحاد الأوروبي مع أو بدون (مساندة داعمة) لحماية ترتيبات الحدود بين أيرلندا الشمالية الخاضعة للحكم البريطاني وجمهورية أيرلندا. يتجاهل موقفه المتشدد مخاوف الناخبين الأيرلنديين بالكامل، فهو موجه لحشد قاعدته الإنجليزية المؤيدة للخروج البريطاني، حتى لو كان ذلك يعني تهديد السلام والازدهار الهش في أيرلندا".

وتضيف "في الديمقراطية الكبرى الأخرى، قَلَب الرئيس دونالد ترمب علاقة أميركا مع المكسيك وغيرها من دول أميركا الوسطى المجاورة رأسا على عقب، وحشد قاعدته من خلال شيطنة اللاتينيين بصورة متكررة. ويدفع المجتمع اللاتيني في الولايات المتحدة الآن ثمنا باهظا جراء مثل هذا الخطاب، كما حدث في المذبحة التي وقعت في إل باسو، تكساس، هذا الشهر".

وتتابع وودز "يعد تدمير إجراءات حماية مجتمعات الأقليات التي طال أمدها جزءا من اتجاه أوسع في الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم. وهنا تبرز ثلاث سمات مثيرة للقلق. أولا، يُعَرِّض السياسيون (ساحة الرأي العام) للخطر، وكذلك قدرة المواطنين على طرح الحجج والتظاهر والنقاش دون تهديد بالعنف. حيث يُعمق القادة السياسيون الانقسامات الاجتماعية عن طريق التحريض القائم على أساس (نحن) ضد (هم)، ويشمل ذلك الأجانب والجيران والمهاجرين والأقليات والصحافة والخبراء والنخبة".

وتشير الى انه "في الهند، اتهمت جماعات حقوق الإنسان حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بقيادة ناريندرا مودي بخلق (مناخ من الإفلات من العقاب) لصالح الجماعات الغوغائية الغاضبة. في أميركا، يعتقد كثيرون أن ترمب يقوم بنفس الشيء، مشيرين، على سبيل المثال، إلى تغريداته العنصرية التي استهدفت أربع سيدات من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين. على صعيد آخر، استُهدف مستخدمو فيسبوك، أثناء حملة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة، بمنشورات أشارت إلى أن البقاء في الاتحاد الأوروبي سيجعل بريطانيا عرضة لاستقبال 76 مليون مهاجر تركي. وأظهر أحد إعلانات الخروج من الاتحاد الأوروبي رجلا أجنبيا عابسا يزاحم امرأة بيضاء مسنة ليدفعها خارج طابور المستشفى وهي تجهش بالبكاء. كما تشير دراسة أجريت مؤخرا إلى وجود زيادة مقلقة في وتيرة الاعتداءات وحالات التمييز والهجمات بدوافع عنصرية ضد الأقليات العرقية في بريطانيا".

وتضيف "بعد فوز هؤلاء القادة بالسلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، يسعى كل منهم إلى إضعاف المؤسسات المستقلة والرقابة على السلطة التنفيذية. على سبيل المثال، استعان ترامب بصلاحيات الطوارئ الوطنية لضمان تمويل جداره على الحدود الأميركية مع المكسيك. ويرفض جونسون استبعاد تعليق البرلمان من أجل تحقيق الخروج البريطاني، في حين يصف مستشاره الرئيسي، دومينيك كامينجز، النظام البريطاني الدائم للخدمة المدنية بأنه مجرد (فكرة لكتب التاريخ). وفي الهند، اتهم أحد أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا حكومة مودي بأنها (تفتك) بالمؤسسات الدستورية في الهند، بما في ذلك المحكمة العليا، ووكالة التحقيق الوطنية، والبنك المركزي، واللجنة الانتخابية".

وتشير وودز الى إن "إساءة استخدام صلاحيات الطوارئ أو الأوامر التنفيذية، وتهميش البرلمان والهيئات الحكومية، وإضعاف استقلال القضاء و(المحكمين) الذين يضمنون التزام الزعماء السياسيين بالقوانين، يجعل من الأرجح ألا تحقق قرارات الحكومة التوازن بين مصالح جميع المواطنين. كما أن هذه الهجمات على استقلال المؤسسات تعرض الأقليات للخطر بشكل خاص".

وتتابع "ثمة خطر يتمثل في طغيان الطابع الشخصي على القوة السياسية في ديمقراطيات العالم. حيث تُستخدم المحسوبية والتأثير الشخصي والخدمات في خلق الولاء للقائد؛ بينما يتعرض الذين يفقدون ثقته للمضايقات إلى أن يتركوا مناصبهم أو يُطردوا منها تعسفيا. ويبذل الزعماء السياسيون أيضا محاولات أكثر جرأة لإجبار الإعلام ومجتمع الأعمال على الصمت، أو استمالتهم من خلال تقديم امتيازات خاصة".

وتؤكد "بالفعل، استقال أو أُقيل تسعة مسؤولين من حكومة ترمب منذ عام 2017، ويستخدم الرئيس موقع تويتر (وحتى صلاحيات العفو الرئاسي) بانتظام لمكافأة ولاء مؤيديه أو مضايقة أولئك الذين فقدوا ثقته. في المملكة المتحدة، أصبحت اعتداءات مؤيدي الخروج البريطاني على موظف الخدمة المدنية الذي يقود المفاوضات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي عدوانية إلى درجة إصدار سكرتير مجلس الوزراء بالإنابة بيانا علنيا غير معتاد للغاية (يخبر فيه مرتكبي هذه الاعتداءات بأنهم يجب أن يخجلوا من أنفسهم). وبعد أن أصبح جونسون رئيسا للوزراء، تم (التخلص) من 17 وزيرا، وطُلب من أعضاء جدد في الحكومة التعهد بدعم هدفه المتمثل في الخروج من الاتحاد الأوروبي في نهاية شهر أكتوبر".

وتبين وودز "تعد كل من الهند والمملكة المتحدة وأميركا ديمقراطيات (نموذجية): الهند هي الأكبر من حيث السكان، وبريطانيا لديها (نظام وستمنستر)، وأميركا لديها دستور استثنائي. في كل من هذه الديمقراطيات الكبرى، تتعرض الأقليات للهجوم، وكذلك الاتفاقيات التي تقيد السلطة التنفيذية. لذلك فإن المواطنين في هذه البلدان بحاجة إلى استيعاب حقيقة مفادها أنهم إذا لم يدافعوا عن المؤسسات التي تحمي الأقليات اليوم، ربما يتعرضون هم أنفسهم للهجوم غدا".

اضف تعليق