تواجه الولايات المتحدة حاليًا في الشرق الأوسط تغيرات إستراتيجية مهمة، ينبغي الاستفادة منها بالسرعة الواجبة. والنتيجة هي عودة تركيز السياسة على دبلوماسية القوى العظمى، بدلًا عن الحروب الصغيرة اللانهائية التي لا معنى لها في الشرق الأوسط، والتي تكلف الكثير من الأمريكيين أرواحهم وتستنزف موارد الدولة.

كان ذلك بحسب مقال نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، للكاتب جورج سي، رئيس مركز كليمنتس للأمن القومي بجامعة تكساس الأمريكية، ورئيس تحالف تكساس – إسرائيل، أنه "ينبغي على الولايات المتحدة أن تحقق استقلالًا عن منظمة أوبك في مجال الطاقة، ويوصي بستة عناصر رئيسة للسياسة الأمريكية في خضم ذلك".

ويرى سي، أن "هناك عددًا من الأمور المثيرة تميز اللعبة الكبرى والاستراتيجية الكبرى، ويأتي من بينها بطء ممارسي هذا المجال المحترفين في رؤية التغيرات الاستراتيجية عند حدوثها. ويضرب الكاتب مثلًا على ذلك بوقوف ونستون تشرشل وحيدًا في وقت كساد بريطانيا العظمى أمام صعود نجم أدولف هتلر. وقد واجه سخرية لسنوات من جانب الخبراء وأقرانه في مجلس العموم. الطاقة واحتواء إيران ودعم إسرائيل.

الطاقة واحتواء إيران ودعم اسرائيل

يتساءل الكاتب، ما العنصر الذي يغير معطيات اللعبة، ولا يعترف به أحد، أو يقدره بالشكل المناسب؟ ويجيب على ذلك أن هذا العنصر هو النفط والغاز الصخري الأمريكي. ويرى أن أمريكا لم تعد تحتاج النفط والغاز من الشرق الأوسط.

يقول سي، إن "هناك موارد وفيرة للوقود الحفري لتلبية احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة، سواء من الإنتاج المحلي، أو من موردين آخرين من خارج الشرق الأوسط، ما دامت الولايات المتحدة تعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز".

أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى، هذا الوضع الراهن للمرة الأولى عندما قال منذ ثلاثة أسابيع، إن "الصين والهند واليابان والدول الأخرى ينبغي عليها حماية مسار الشحن عبر مضيق هرمز، وليس الولايات المتحدة؛ لأن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى نفط وغاز منظمة أوبك بعد الآن ويعتقد الكاتب أنه يمكن المجادلة بشأن مزايا الانسحاب الأمريكي من المضيق، لكنه لا يرى مجالًا للجدال حول حاجة الولايات المتحدة لمصادر الطاقة من الشرق الأوسط".

يقول سي في مقاله بمجلة ناشيونال إنترست، إن "الولايات المتحدة لم يكن لها في منطقة الشرق الأوسط إلا اهتمامان استراتيجيان رئيسيان منذ عام 1979، وهما الطاقة، واحتواء إيران دعم إسرائيل ومع اختفاء الاهتمام الأمريكي الأول والأساسي، تتغير رقعة الشطرنج الجيوسياسية في الشرق الأوسط بلا رجعة، وتزداد قوة السطوة الأمريكية عالميًا، بحسب وجهة نظر الكاتب، الذي يقول، إن "الولايات المتحدة أصبح لديها اكتفاء ذاتي من الطاقة، ولم تعد تعتمد على البلدان المستبدة، بحسب تعبيره، لتزويدها بالطاقة".

لذا يظل محور الاهتمام الرئيس للولايات المتحدة، هو الاستقرار الإقليمي في المنطقة. ويقول، إنه "لحسن الحظ ليس الاستقرار مطلبًا أحاديًا من طرف الولايات المتحدة؛ إذ تشاركها فيه إسرائيل والسعودية والأردن ومصر والإمارات وعدد كبير من الدول الأخرى".

وعلى الرغم من ضرورة بقاء إسرائيل حليفًا أساسيًا للولايات المتحدة، يشير الكاتب إلى الحاجة للاعتراف، بأن إسرائيل اليوم دولة مستقلة وغنية وقوية، وأنها قوة نووية وطرف فعال على الساحة الدولية، ولم تعد ضحية عاجزة أمام الاضطهاد العربي، بحسب قوله. ومع بقاء التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل ثابتًا بلا تغيير، يرى الكاتب، إن "واشنطن بحاجة إلى السماح لإسرائيل باتخاذ موقف عالمي أقوى، بوصفها جهة فاعلة مستقلة وصديقة، وألا تتحمل الكثير من مسؤولياتها كـشقيقة كبرى لإسرائيل، بحسب تعبيره، في كل الأمور الأمنية والمالية.

يرجح الكاتب، أن "معظم الأمريكيين لا يدركون أنه منذ عام 1985 وحتى اليوم، ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في إسرائيل من سبعة آلاف دولار لكل إسرائيلي إلى أكثر من 41 ألف دولار. ومع اكتشاف شركة نوبل إنيرجي لحقل النفط البحري ليفاثيان، أصبحت إسرائيل مستقلة من حيث الطاقة. لذا فبعيدًا عن المساعدات الأجنبية المتمثلة في المشتريات العسكرية لإسرائيل من الولايات المتحدة، يعتقد الكاتب أن إسرائيل لم تعد بحاجة إلى الكثير من الدعم المالي من جانب الولايات المتحدة".

إذ إن تحول إسرائيل على مدار العقود الماضية من دولة اشتراكية وتعاونية وزراعية إلى مجتمع رأسمالي بارز والكاتب يعزي الفضل في ذلك بشكل كبير إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وطبقة رواد الأعمال الإسرائيليين)،

وفيما يتعلق بإيران، يلفت الكاتب إلى، أن "المحافظين الجدد يرون أن الولايات المتحدة لا يمكن أبدًا أن تنفصل عن الشرق الأوسط، بل يجب أن تستمر في التضحية بأرواح آلاف الأمريكيين وإنفاق مليارات الدولارات في حرب لا نهائية لمواجهة التهديدات الإيرانية. يتفق الكاتب مع جانب من هذا، بقوله، إنه "يجب بقاء القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ويجب أن تستمر سياسات الولايات المتحدة في احتواء إيران والضغط عليها".

وفي هذا الصدد يلفت إلى، أن "السياسات الأمريكية لم تتغير تجاه إيران منذ استيلاء آية الله الخميني على السلطة منذ 40 عامًا. وفي تقديره أن موقف الولايات المتحدة أصبح أسوأ، وذلك نتيجة الحرب الأمريكية غير المجدية ضد العراق، التي قلبت موازين القوى في المنطقة لصالح إيران. وبعد أكثر من عقد كامل لا تزال العراق تتعافى من تبعات الحرب.

وهنا يؤكد الكاتب على ضرورة التعامل مع التهديد النووي الإيراني على محمل الجد، وفي رأيه أن هذا قد يتطلب عملًا عسكريًا استباقيًا بالتنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، لكنه يعود إلى القول بأنه بعد التضحية بآلاف الأرواح الأمريكية، وإهدار الكثير من الأموال التي كانت كافية لإنقاذ الضمان الاجتماعي وضخ بعض التمويلات إلى الالتزامات الطبية والرعاية الطبية غير الممولة، يمكن القول إن وضع الولايات المتحدة في المنطقة أسوأ مما كان عليه من قبل، بحسب رأيه. ولهذا يعتقد أن واشنطن بحاجة إلى فكر جديد تأخر طويلًا.

عناصر رئيسية للسياسة الامريكية

ويرى الكاتب، أنه "يجب أن ينطوي أي محور عقلاني وحكيم للسياسة الأمريكية – على حد قوله – على العناصر التالية، في ظل استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة عن منظمة أوبك وهذه العناصر يوصي بها الكاتب كما يلي:

تشكيل حلف الناتو في الشرق الأوسط من السعودية، ومصر، والأردن، والإمارات، قادة رئيسيين وعضوية غير رسمية لإسرائيل، على أمل أن تصبح يومًا ما عضوًا رسميًا وترك هذه الدول القومية تنضج بوصفها جهات فاعلة على الساحة العالمية، وتتحمل مسؤولياتها الأساسية، بحسب وصف الكاتب، من أجل استقرار جيرانها وبدعم كامل من الولايات المتحدة.

الحفاظ على دعم الأمن القومي الأمريكي لإسرائيل، مع نقل التركيز الأمريكي في العلاقات الثنائية من الشواغل العسكرية إلى التبادل الاقتصادي والنهوض بالعلاقات التجارية بين البلدين.

وفي هذه النقطة، يرى الكاتب، أن "إسرائيل تقف في موقف قوي يمكِّنها من الدفاع عن نفسها، بدعم هادئ ومستمر من الولايات المتحدة، التي ينبغي أن تركز أكثر على الشراكة التجارية مع الأمة الناشئة، بحسب تعبيره، واعتبارها مصدرًا لتطوير الأعمال، في كلا الاتجاهين. وهنا يقول الكاتب، إن "هناك حاجةً لاستثمارات إسرائيلية أكبر في الولايات المتحدة، واستثمارات أمريكية أكبر في إسرائيل".

الحفاظ على القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة من خلال القواعد الأمريكية والوجود الأمريكي البحري، مع إسناد المزيد من المسؤوليات إلى الجهات الإقليمية الفاعلة.

نقل المزيد من المسؤوليات عن قابلية الملاحة واستقرار مضيق هرمز إلى المستهلكين الأساسيين لنفط منظمة أوبك. وهنا يرى الكاتب أنه ينبغي الحفاظ دائمًا على الوجود الأمريكي في المنطقة، ولكن حماية خليج مفتوح أمام الحركة التجارية ينبغي ألا تكون مسؤولية الولايات المتحدة وحدها أو حتى مسؤوليتها الأساسية.

تخفيض أو منع المساعدات الأمريكية الخارجية إلى كل الدول القومية باستثناء الدول المشاركة في تحالف الناتو الشرق أوسطي أو أصدقاء الولايات المتحدة القدامى الحقيقيين في المنطقة أو كلتا المجموعتين. وهنا يوصي الكاتب بأهمية استغلال أموال دافعي الضرائب الأمريكيين بشكل أفضل وأكثر استراتيجية.

ينبغي أن تكون الولايات المتحدة أكثر حزمًا ورفضًا لإراقة الدم الأمريكي في المنطقة. وأن تكون أكثر معارضة للاشتباك عسكريًا إن لم تكن هناك مصلحة أمنية مباشرة لها أو تهديد فوري عليها. وأن تكون أكثر اهتمامًا بأموال دافعي الضرائب والملاءة المالية للجمهورية الأمريكية.

منذ نهاية الحرب الباردة، لم يعد هذا هو العالم الذي تهيمن عليه القوى العظمى. ويقول، إن "الساسة الأمريكيين كادوا ينسون كيف يبدو ذلك، ومن ثم جهلوا بالتحول المذهل للإطار الاستراتيجي للشرق الأوسط، بعد 30 عامًا من السياسات والإجراءات الأمريكية في المنطقة، التي تكون في الغالب متهورة وغير فعالة"، بحسب رأيه.

وفي ختام مقاله، يعتقد جورج سي، أن "فعالية السياسة الخارجية الأمريكية تتوقف في المستقبل على كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الصين، والهند، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول القومية العالمية المؤثرة، وليس على كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط "، بحسب رأيه.

ويؤكد أيضًا أنه حان الوقت ليعترف صانعو السياسة في الولايات المتحدة بتغير الظروف الاستراتيجية، التي كانت قائمة منذ جيل كامل تغيرًا حاسمًا وقاطعًا، ويرى كذلك أنه يمكن وفقًا للظروف الحالية حماية عدد لا يُحصى من أرواح الأمريكيين مع التوقف عن إهدار الموارد الأمريكية بلا طائل، بحسب رأيه. انتهى/ ف

اضف تعليق