سوزان الشمري- النبأ للأخبار/ حذرت دراسة ألمانية حديثة من استخدام الأطفال للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، إذ قد تسبب ضرراً كبيراً على سلوكيات الطفل.

وأوضحت الدراسة أن تلك الأجهزة تؤدي إلى حدوث فرط نشاط وشعور باللامبالاة لدى الأطفال ممن تتراوح أعمارهم ما بين الثانية والسادسة عاماً.

الباحثون أكدوا أن "الإفراط في استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة خاصة في مرحلة ما قبل المدرسة، يؤدي إلى حدوث اضطرابات في العلاقات الأسرية، ومشكلات في التعامل مع أطفال آخرين.

الدراسة لم تذهب بعيداً عن ما هو عليه الحال في العراق، فأغلب الأسر تعاني اليوم من إدمان أطفالها على الأجهزة الالكترونية، وبات الموبايل الرفيق الأقرب، وحل العالم الافتراضي بديلاً عن الواقع حتى غابت مشاغباتهم، وأدخلت البعض منهم في حالة عزلة اجتماعية ذات عواقب نفسية.

معاناة الإدمان

زينب أم لطفلين أكبرهم عمار إثنى عشر ربيعاً، وعبد الله تسعة أعوام تعاني الأمرين في محاولات يائسة لأبعاد أطفالها عن التعلق بالأجهزة الالكترونية رغم تفوقهم دراسياً ألا أن زينب تبدي تخوفها من عزلة ولديها عن المجتمع الخارجي فهما لا يمتلكان أصدقاء ولا يغادران المنزل.

تقول أم عمار لــ"النبأ للأخبار"، أن "محاولاتها الكثيرة تبوء بالفشل رغم سعيها لتوفير البدائل عن الانشغال بالهواتف النقالة لكن لا تنفع مساعي الترفيه بمدينة الألعاب، ولم تجدي محاولات زيارات الأهل والأقرباء على الاندماج مع بقية الأطفال فأينما حلو تكون أجهزتهم الرفيق الأقرب لهم وأول اهتماماتهم".

حال أم عبد الله هو حال الكثير من الأمهات اللاتي يواجهن خطر الأجهزة الالكترونية على أطفالهن، إذ أن انزواء الأطفال خلف العالم الرقمي الافتراضي بات يهدد صحتهم النفسية والجسمانية.

ازدواجية وعصبية

أم حيدر هي الأخرى تعاني من طفلها حيدر الذي بدأ يرفض الطعام، ويتمسك بجهاز الموبايل معظم الوقت حتى بات جسمه هزيل، وكل محاولات سحب الجهاز تدخله في نوبة عصيبة تضطرها لأعادته إليه خوفاً من نتائج لا تحمد عقباها".

أب أخر يشكو عصبية طفله التي تتفاقم عند أي محاولة لسحب الجهاز النقال منه، يقول أبو رضا لــ"النبأ للأخبار"، ان "ولده متعلق بجهازه النقال ويعنف إخوته وينزوي في عالمه الخاص الافتراضي وكل محاولات أعادته لطبيعته ولطفولته فاشلة مما سبب قلقاً كبيراً للعائلة بأكملها".

وتقول دراسة أميركية قامت بها جامعة صن شاين Sunshine ونشرت نتائجها في شهر سبتمبر / أيلول العام الماضي، خلصت إلى ظهور أعراض مثل ضعف القدرة على قراءة المشاعر وتكوين الصداقات عند الأطفال والمراهقين مرتبطة بالاستخدام المتزايد للعالم الافتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي.

حيث أكد المتخصصون تنامي خطر التوحد الافتراضي، حيث تضعف صلة الأطفال والمراهقين بواقعية التفاعل الاجتماعي وتعلم المهارات الاجتماعية والتواصلية الأساسية، وهو ما يتماثل مع نمط أعراض اضطراب طيف التوحد.

طيف التوحد

ما أعلنته الدراسة أكدته الدكتورة فرح الغانم باحثة اجتماعية في شؤون الأسرة والطفل، والتي "رمت كرة الاتهام بساحة أولياء الأمور وإلام بشكل اكبر، معتبرة أن تأثير العزلة الاجتماعية للطفل وانزواءه خلف عالم افتراضي يأتي تبعاً لقلة دور الأب وإلام وانشغال الأسرة عن متابعة الطفل".

وأضافت غانم لــ"النبأ للأخبار"، اغلب أولياء الأمور يجهلون حجم تأثيرات الإفراط باستخدام الأجهزة الالكترونية للطفل، فهي تسبب انهيار لمنظومة الدماغ التي يترتب عليها إمراض نفسية والتوحد مع الهاتف لذلك على الأم متابعة أولادها ومشاركتهم بما يرون ونصحهم للأفضل بالصداقة.

الأم مدرســـة

وأشارت: إلام مدرسة لكن الكثير من الأمهات اليوم مدمنات وأسيرات لـ "مواقع التواصل الاجتماعي والعالم الرقمي الافتراضي"، لافتة إلى أن "الأطفال لم يعدو مصدر الاهتمام الأول واختلطت التربية اليوم بمفهوم توفير جهاز موبايل للطفل للتفرغ الشخصي، فبدل أن توظف الأم جهاز النقال بيد طفلها لتعلم مهارات معينة تركت طفلها لعبة تتقلب بين مواقع العالم الافتراضي بما فيها المواقع الإباحية والمحرضة على العنف".

وطالبت الغانم، وزارتي التربية والتعليم ومنظمات المجتمع المدني بالنهوض بدورها ومواجهة الإخطار التي تتعرض لها الأجيال الجديدة عبر تقنين استخدام امثل للأجهزة الالكترونية والمواقع الالكترونية، وإصدار حملات توعية لبيان مخاطرها على الأطفال والمراهقين نفسياً واجتماعياً وصحيا".

مشاكـــل نفسيـــة

الأخصائي النفسي احمد عبد الله أشار إلى أن "إدمان وتعلق الأطفال بالأجهزة الالكترونية تأتي تبعاً لتعلق ذويهم بها، فنشاهد أكثر الأسر يجتمعون في مكان واحد لكن لكل منه عالمه الخاص البعيد كل البعد عن الأخر، ناهيك عن ضعف مراقبة الوالدين لما يشاهده ويتابعه أطفالهم".

وأضاف عبد الله لـ"النبأ للإخبار" أن "التقنية الحديثة هي سلاح ذو حدين فلو أجدنا استخدام التقنية الحديثة بالشكل الأمثل كتعلم الطفل مهارات جديدة، أو توسيع مداركه من المعلومات المتنوعة، وتحسين قدرته في استخدام التقنية بما يحسن واقعه العلمي والتعليمي، لكن لو أساء استخدم تلك التقنية فنحن نرسل أبناءنا نحن التهلكة".

معالجات قبل الخطر الاكبر

من جهته أعتبر مدرب التنمية البشرية عماد الفهد أن "النظام هو الذي يقنن العلاقات الإنسانية ويجعل منها تسير بانسيابية عالية مدركة للحقوق والواجبات".

لافتا إلى أن "العائلة ليست بدعاً من هذا الكلام فالمؤسسة الأسرية هي النواة المجتمعية التي تكون البيئة والواقع والمجتمع والأسرة في ظل الكثير من التحديات والمتغيرات على مستوى الأفكار والتقنيات والسياسات وتنوع الثقافات والانفتاح المجنون على جميع المسارات بلا نظام ولا ضوابط خلق حالات من التوتر والاهتزاز في السيطرة على الأسرة".

وأضاف لــ" النبأ للإخبار" أن "من ابرز التحديات هو تقنين الألعاب الالكترونية واستخدام التقنيات الحديثة من أجهزة الموبايل والأجهزة الوحية وخصوصاً لدى الأطفال".

وتابع، "البرمجة السلبية من قبل الثقافات المنحلة بدأت باستخدام جميع الوسائل الالكترونية لبث سمومها في هذه التقنيات من خلال الألعاب وبعض التطبيقات وجعلت من هذه التطبيقات قادرة على صنع مسارات سريعة لبرمجة العادات الإنسانية على الإدمان عليها".

الفهد أكد أن "سوء استخدام التقنية الجديدة يؤدي إلى حدوث مشاكل كبيرة أبرزها حالة الانعزال التام عن الجو الاجتماعي الأسري، وعدم عيش المراحل العمرية كما يجب فأبنائنا لن يكونوا أطفالا ألا مرة واحدة، وتدني الوعي واضطراب حالة المشاعر والأحاسيس الداخلية لدى الصغير.

وأشار الفهد إلى إن من "تبعات سوء الاستخدام التقني للأطفال تنامي حالات العنف والإثارة الجنسية المبكرة، وحالات التدني الذهني على مستوى الذكاء والذاكرة، وخلق حاجز بينه وبين العالم الحقيقي بسبب البقاء في العالم الافتراضي".

وطرح الفهد بعض المعالجات التي تجنب أولياء الأمور مخاطر الإدمان الالكتروني لأطفالهم، أبرزها الانضباط والنظام، فيجب أن يكون الوالدين يمتلكان من القوة والشجاعة للتحكم بمشاعرهم مهما كان الطفل ملحاً في طلبه، والسعي لتقنين إعطائه هذه الأجهزة وبأوقات محددة.

مهــارات ايجابيــة

مطالباً بضرورة السعي إلى إدخال أطفالهم إلى الروضات والمراكز التي تعنى بالنشاطات البدنية وتفعيل المواهب والهوايات، واصطحابهم إلى الزيارات الاجتماعية وأماكن العامة.

وأكد على "ربط حالة استخدام الموبايل بحالة من الألم اي مكان حار او جلسة غير مريحة او مضايقات وهنا سوف نخلق رابط ما بين الاستخدام والحالة السلبية".

مركزاً على عدم الخضوع لإرادة الطفل والإصرار على الالتزام بنظام اليوم للاستخدام وتنصيب برامج مرشحات وفلاتر في جهازه.

وينصح الفهد أولياء الأمور بمصاحبته والاطلاع المتبادل على اي تغيرات بمواضيع السرية بين أولادهم، والتعاون بين الوالدين من اجل أنجاح المهمة.

وحسب دراسة حديثة أجرتها شركة "بايدو" الصينية، فإن عدد مستخدمي الهواتف الذكية فى جميع أنحاء العالم سيرتفع الى 6.1 مليار بحلول عام 2020، تتراوح نسبة استخدام الأطفال لها بما يقارب 38 %. انتهى/س

اضف تعليق