مع اقتراب انقضاء الفترة الرئاسية الأولى لرئيس الولايات المتحدة، واستعداده للترشح من أجل ولاية ثانية، يتناول الصحافي بصحيفة الجارديان البريطانية، كاس مود، في مقال رأي أربعة أسباب من شأنها أن تيسّر ترّشح دونالد ترامب من أجل فترة ثانية، كما تزيد من فرصة فوزه ضد الحزب الديمقراطي.

مساء يوم الثلاثاء الماضي أطلق الرئيس ترامب حملة ترشحه لفترة رئاسية ثانية وسط تجمّع من المحافظين في أورلاندو، فلوريدا. ووُصِف هذا التجمع بأنَّه "أعظم تجمع للفعاليات الانتخابية"؛ وأثناءه إتهم ترامب الديمقراطيين بتقويض الديمقراطية من خلال محاولتهم مقاضاته، وتحدّث كذلك عن كم التهديدات التي تتعرض لها (هذه البلاد كما هو معروف)، بالإضافة إلى هجومه على هيلاري كلينتون. باختصار كانت رسالة ترامب لانتخابات 2020: "لقد جعلت من أمريكا عظمية مرة أخرى، انتخبوني الآن كي أستطيع إبقاء أمريكا عظيمة".

يعتقد مود أنَّ الديمقراطيين سينبذون هذا الخطاب من منطلق أنَّه مفتقر للأفكار، ويعتمد على الأسلوب التخويفي؛ ذلك لأنّهم متفائلون بنتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي هُزم فيها ترامب تقديريًا من جميع المرشحين الرئيسيين بشكل أولي لعام 2020، وبفارق كبير في أغلب الأحيان.

ويعتقدون أنَّ الرئيس قد ضَعُف بسبب نطاق عريض من القضايا ضدّه، التي تشمل تقرير المحقق الخاص روبرت ميلر، والتعامل مع المهاجرين على الحدود الجنوبية، بجانب الفضائح المختلفة التي تحوم حول أعضاء مجلس الوزراء الرئيسيين.

وبالرغم من تجربة 2016 الصادمة، يقول مود: "إنَّ الديمقراطيين لم يستخلصوا بعد الدرس الرئيس من الديمقراطية الأمريكية: فالأغلبية الصامتة ليست هي الفائزة في الانتخابات، بل الأقلية المعبأة. ومع موالاة الأغلبية الصامتة للديمقراطيين، أو على الأقل عدم تأييدها لترامب، يتوقع مود أن الأغلبية المعبأة بالطبع ستكون هي الفائزة".

ويستعرض كاتب المقال أربعة أسباب حالية، على الأقل يقول: إنَّها ستسهل إعادة انتخاب ترامب ليتولى فترة رئاسية ثانية.

ويرى الكاتب أنَّ الاقتصاد هو أول تلك الأسباب دون شك، موضحًا أنَّه على الرغم من إمكانية الجدال عن مدى جدوى وصلابة النمو الاقتصادي الحالي، فلا مجال لإنكار الوضع الاقتصادي الممتاز للولايات المتحدة الأمريكية، قياسًا على المؤشرات الاقتصادية التقليدية. وبناءً على ذلك فإنَّ النماذج التنبؤية القائمة بشكل أساسي على المؤشرات الاقتصادية، التي أصابت في توقعها لانتخابات 2016، تتوقع لعام 2020 أيضًا انتصارًا ساحقًا لترامب.

أمَّا السبب الثاني ـ بحسب الكاتب ـ فهو أنَّ ترامب قد أرضى حتى الآن قاعدته الجماهيرية غير التقليدية. فالمواطن العادي المنتمي للحزب الجمهوري، أو ما يشار إليه عادةً تحت مُسمى "الجمهوريين المعتدلين" لا يزال يبغض الرئيس ترامب، الذي يظهر بمظهر شخص عدواني للغاية ومبتذل، لكنّهم قد حصلوا على الشيء الوحيد المهم بالنسبة لهم، وهو تخفيض الضرائب. فخوفهم من بعث الحركة الاشتراكية داخل الحزب الديمقراطي سوف يدفعهم لحماية مكاسبهم الجديدة من خلال إعادة التصويت لترامب.

وبالمثل سيكون الأمر بالنسبة لليمين المسيحي، ففي حين أنَّ دعم الناخبين المتدينين لترامب يُربك اللبراليين، فسر ترامب إلى قطاع الناخبين هذا بسيط للغاية: ألا وهو المحكمة العُليا. إذ وصل ترامب لمبتغاه هنا أيضًا عبر تعيين اثنين من القضاة المُحافظين، والمعارضين بشدة لقانون الإجهاض في المحكمة العُليا، وهم نيل غورستش، وبريت كافانو، فضلًا عن تعهده بتعيين المزيد.

ومع احتمالية وجود منصب واحد على الأقل سيصبح شاغرًا في الفترة الرئاسية المقبلة، روث بادر غينسبرغ على سبيل المثال، (وربما كلارنس توماس أيضًا)، فإنَّ تطويع اليمين المسيحي سيكون في أوجه من جديد. فمكافأة المؤمنين هي إبطال قانون إباحة الإجهاض.

وأخيرًا: يوجد الداعمون الحقيقيون لترامب، وهم في الغالب الناخبون من أصحاب الياقات الزرقاء، وأصحاب البشرة البيضاء من الطبقة المتوسطة الدُنيا الذين يرغبون في "بناء جدار" فاصل على حدود المكسيك، و"تجفيف المستنقع" (الشعبوية). وحتى الآن لم يصلوا إلى مبتغاهم. فبالكاد جُفف المستنقع، بل قد اتسع بسبب فساد موظفيّ ترامب، أمّا الجدار فبالرغم من استعراضات ترامب ما يزال غالبًا في طور البناء.

باختصار: فالناخب الحقيقي لترامب لم تلب احتياجاته. لكن إلى أين عساهم أن يذهبوا؟ هل يتوجهون لأكثر الأحزاب تنوعًا في التاريخ الأمريكي؟ حزب بيرني ساندرز، وألكسياندريا أوساسيو كورتيز، وستايسي أبرامز، وإليزابيث وارين.

يعتقد الكاتب بأنَّهم لن يمكثوا في بيوتهم محبطين؛ لأنَّ ترامب لم يخذلهم كليًا، فبإمكانهم أنَّ يدّعوا بأنَّ ترامب قد بذل ما في وسعه لإبقاء أمر الجدار في جدول الأعمال السياسية، وللدفع إلى أجندة سياسية صارمة بحق مكافحة الهجرة. ويضيف أن ترامب سوف يدّعي بأنَّه أجندته قد تعطلت بسبب الدولة العميقة، ومساعديهم الفاسدين في الكونجرس (بما فيهم أعضاء الحزب الجمهوري الضعفاء). لذلك فهو بحاجة إلى فترة رئاسية ثانية من أجل أن يقضى على أخر معارضة له، ويتمكن من الوفاء بوعوده.

والسبب الثالث في رأي الكاتب لإعادة انتخاب ترامب هو تعارض تلك الأقلية المعبأة مع غالبية الأمريكيين المستائين من ترامب، لكنَّ الحزب الديمقراطي كان غير محفز لهم بصورة أكبر من ذلك الشعور بالاستياء؛ ذلك لأنَّهم يرونه حزبًا يفتقر لمشروع واضح، ومنقسمًا لأكثر من 20 مرشحًا رئيسًا، تختلف آراءهم أكثر مما تتفق.

وعلاوة على ذلك، فإنَّ مع تبقي ما يقارب 500 يوم على الانتخابات، نجد أنَّ الديمقراطيين قد بدأوا بالفعل في الانقلاب على بعضهم البعض، فالمتبرعون المناهضون لساندرز يحاولون التدخل في اختيار المرشحين، في حين أنَّ أعضاء داخل الحزب يتنازعون مع حملة ساندرز، التي تنافس مؤسسة الحزب في جمع التبرعات.

يعتقد الكاتب أنَّ حملة ترامب بإمكانها السيطرة على كل هذه الأمور، وذلك هو السبب الرابع الذي يهيئ لإعادة انتخاب ترامب. إذ ينبغي أن يكون واضحًا من الآن أنَّ ترامب قد أدار حملة انتخابية جيدة عام 2016، ومن الواضح أيضًا أنَّها أفضل بكثير من حملة كلينتون التي أساءت فهم الولايات الواقعة في نطاق حزام الصدأ على وجه الخصوص. أما ترامب فقد بدأ بالفعل في إدارة "حملة رئاسية دائمة" منذ تنصيبه رئيسًا، والتي ازدادت قوتها المالية في الأونة الأخيرة، إذ تدفُق الأموال لصالح الحملة بعشرات الملايين، حتى من أهم النشطاء الجمهوريين والمتبرعين الذين رفضوه بازدراء عام 2016.

وختامًا: من الممكن ألا يتمتع ترامب بشعبية تاريخية، لكنّ شعبيته كافية لإعادة انتخابه لولاية ثانية بكل سهولة. إذ يمتلك داعموه التأثير والإصرار، وهو ما يفتقر إليه الديمقراطيون حتى الآن. ويتبقى لديهم 500 يوم لخلق هذا الدعم سويًا بدلًا عن الشقاق.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق