لايزال حق العودة للفلسطينيين الذين نزحوا عن بيوتهم وأراضيهم عام 1948، ولأبنائهم من بعدهم، يعتبر من القضايا الأكثر صعوبة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ورغم أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترغب بمعالجة هذا الملف إلا أن التوجه الذي تسلكه خاطئ.

يقول الكاتب الفلسطيني داوود كتاب إن "فريق ترامب، الذي يقوده صهره – جيرد كوشنر- ومحاميه الذي يصح تعريفه على أنه مستشار إسرائيل – جيسون جرينبلات- يرغب بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم حيثما وجدوا وبحل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين – الأونروا -التي تقدم الخدمات الإنسانية للفلسطينيين منذ عام 1949، لا شك أن هذه الخطة تحظى بتأييد إسرائيل ولكنها تفشل فشلاً ذريعاً في الاعتراف باحتياجات ومصالح وطموحات الفلسطينيين في العودة".

ويبين إن "توجه فريق ترامب يهدد مصير حوالي أربعة ملايين لاجئ مسجل في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا، يعتمدون على الأونروا في التعليم والخدمات الصحية والدعم الاجتماعي، الأهم من ذلك هو أن هكذا توجه يسمح لإسرائيل بالتنصل الكلي والقطعي من مسؤوليتها في خلق مشكلة اللاجئين – متحدية بذلك القرارات الدولية ذات الصلة".

ويضيف "حسب القرار 194 للجمعية العمومية فإنه (تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة). كل الدول بما فيها إسرائيل وافقت على هذا القرار الأممي".

ويتابع انه "من المعروف وحسب استطلاعات الرأي أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين يعترفون بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 1967 جنبا الى جنب دولة إسرائيل. فكما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2014 فإنه لا توجد لديه الرغبة (بإغراق) إسرائيل بملايين اللاجئين. إضافة إلى ذلك وافقت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على مبادرة السلام التي طرحتها السعودية عام 2002 والتي تعطي إسرائيل حق الفيتو فيما يتعلق بطريقة تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 194".

ويشير كتاب الى إن "عدم رغبة البعض في العودة إلى بلده الأصل أو بلد آبائه وأجداده لا يعني التنازل عن حق العودة، فحتى الرئيس عباس كان قد أعلن أنه بالرغم أنه لن يعود للسكن في مسقط رأسه (صفد) إلا أنه يرغب بزيارتها. لذا، فإن أول خطوة تجاه إيجاد حل للقضية هي ضرورة اعتراف إسرائيل (بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية) في خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، فالاعتراف بحق العودة غير القابل للتصرف".

ويوضح "فقط عند اعتراف إسرائيل بالخطأ التاريخي وبحق العودة يمكن العمل على إيجاد حلول دائمة. الحل الدائم لقضية اللاجئين يجب أن يتم من خلال اللاجئين، وخاصة القاطنين في أماكن صعبة، بحيث يعطى لهم حق اختيار بلد المواطنة الدائمة، إما الدولة الفلسطينية أو دولة ثالثة أو – نعم - إسرائيل. لكن بما أن العرب والمسلمين وافقوا على تنفيذ العودة بالتعاون مع إسرائيل فمن المتوقع إيجاد آلية تضمن حقوق اللاجئين في البلاد التي يقطنون فيها مع عودة البعض إلى الدولة الفلسطينية المستقلة ولمناطق ال 1948".

وهو ما كان متفق عليه عام 2000 قبيل انتهاء ولاية إيهود باراك. فقد قطع المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون شوطاً طويلاً في هذا الشأن لضمان عودة ما بين 100 و 300 ألف لاجئ فلسطيني إلى إسرائيل التي كان عليها المشاركة في تمويل تلك الخطة وخلق صندوق دولي يقوم بتوفير الميزانية لتعويض جميع اللاجئين بدلاً من بيوتهم وأراضيهم ومعاناتهم لأكثر من سبع عقود اللجوء.

والأن بعد عشرين عاماً من تلك المفاوضات في طابا عام 2000 والتي كانت قد تضمنت الموافقة على عودة مئات آلاف الفلسطينيين على أساس حق العودة أو لم شمل العائلات (حسب المفهوم الإسرائيلي)، فإن فريق كوشنر وجرين بلات يجب أن يدعم ويبني على هذا التفاهم الذي تعطل بسبب رفض إسرائيل آنذاك الاعتراف بمسؤوليتها في خلق قضية اللاجئين.

يؤكد كتاب إن "البناء على ما كان قد تم التفاهم عليه هو أمر ضروري لتحقيق تقدم في ملف اللاجئين. أمّا سحب التمويل عن الأونروا في محاولة فاشلة لهدم هذه المؤسسة الدولية، فقد جلب رداً معاكساً، تماماً كما جلبت محاولة إجبار اللاجئين على البقاء في أماكنهم الحالية".

تحاول إدارة ترامب والتي لم تعلن بعد عن رؤيتها للسلام يقول كتاب، "جذب رجال الأعمال الفلسطينيين لحضور "ورشة اقتصادية" من المقرر أن تعقد في البحرين في أواخر الشهر الحالي وذلك عن طريق إغرائهم بمليارات الدولارات الاستثمارية. إلّا أن رجال الأعمال والحكومة الفلسطينية رفضوا الدعوة، وبردٍ على لسان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية فإن (الطريق الوحيد لحل النزاع يأتي من خلال حلول سياسية لإنهاء الاحتلال وتحقيق حقوق شعبنا)".

ولا يزال أمام الإدارة الأمريكية وقت لتغيير المسار وقبول توجه مختلف. لقد قام خبراء في جامعة ميجيل الكندية بتوثيق في غاية من الدقة لما قد يكون عليه مثل هذا التوجه- توجه يتعامل مع الوقائع السياسية ويحترم احتياجات الشعب الفلسطيني وأمانيه.

وفي أيار 1949 صوتت الأمم المتحدة لصالح قرار 273 الذي سمح لإسرائيل أن تصبح عضواً في الأمم المتحدة. وجاء القرار بعد أن وافقت إسرائيل والتزمت بالتعاون مع اللجنة المؤقتة آنذاك لتنفيذ قرار 194. لكن بدلاً من قيامها بتنفيذ ذلك الالتزام، تركت إسرائيل مسألة دعم اللاجئين الفلسطينيين لوكالة الأونروا لسبع عقود. والآن، حتى طوق النجاة المالي الذي كانت توفره أمريكا قد تم قطعه بهدف إسقاط الأونروا.

ويختتم كتاب بالقول إن "كانت الولايات المتحدة فعلاً ترغب بحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يجب عليها أن تأخذ خطوات عملية مبنية على مواقف كان المفاوض الفلسطيني قد وافق عليها وكان مستعداً لقبولها قبل عشرين عاماً كجزء من اتفاق شامل شمل دولة فلسطينية مستقلة. لذلك فإن كانت أمريكا وإسرائيل ترغبان بحل شامل، فعليهما أن يدعما حق العودة والتعويض، ولغاية تنفيذ ذلك عليهما دعم وكالة الأونروا لا محاولة إسقاطها".

اضف تعليق