تُرى ماذا كان القرار الأسوأ الذي اتخذته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في السياسة الخارجية؟ كان الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ قرارا سيئا، وأرسل الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران إشارة مفادها أن الولايات المتحدة لا تحترم الاتفاقيات الدولية الموقعة من قِبَل إدارات سابقة، وربما يخلف الترهيب الناجح الذي مارسته الحكومة الأميركية مؤخرا ضد المحكمة الجنائية الدولية عواقب وخيمة على الحكم العالمي والسلام العالمي.

يقول المحامي والناشط الفلسطيني جوناثان كتاب بمقال نشره بروجيكت سايندكيت، ان "قرار ترمب الأسوأ على الإطلاق لم يتلق القدر الذي يستحقه من الاهتمام، فمن خلال الاعتراف المفاجئ في الخامس والعشرين من مارس/آذار بضم إسرائيل غير الشرعي لهضبة الجولان في عام 1981، هَجَر ترمب بطريقته المتعجرفة المعتادة المبدأ الذي شكل الأساس الذي قام عليه الاستقرار الدولي منذ الحرب العالمية الثانية ــ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ويشكل اعترافه بضم إسرائيل لهضبة الجولان سابقة بالغة الخطورة للشرق الأوسط وخارجه".

فبعد عام 1945، رفضت دول العالم بالإجماع التوسع الإقليمي بالقوة، لإثناء الدول عن غزو واحتلال جيرانها الأضعف. وقوبلت محاولات انتهاك هذا المبدأ (كما فعلت العراق في الكويت، وروسيا في أوكرانيا، وإسرائيل في القدس الشرقية وهضبة الجولان) بإدانة عالمية.

ووَرَد هذا المبدأ في ديباجة القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أعقاب حرب الأيام الستة في عام 1967 في الشرق الأوسط، والتي انتهت إلى استيلاء إسرائيل على هضبة الجولان من سوريا، وكان هذ المبدأ أساسيا في القانون الدولي منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين.

ويضيف "في محاولة لتبرير قرار ترامب قال مسؤولون أميركيون إن إسرائيل اكتسبت هضبة الجولان في حرب (دفاعية)، وعلاوة على ذلك، يقولون إن سوريا متورطة في حرب أهلية، وزعيمها الحالي بشار الأسد لا يستحق استعادة الأرض".

ويستدرك الكاتب الفلسطيني بالقول ان "مبرر الحرب الدفاعية لا يقوم على أي أساس من الصحة، تقول الحكومات الغربية، ومنظمات حقوق الإنسان، وخبراء قانونيون ــ بعضهم من إسرائيل ــ إن القانون الدولي، في حظره الاستيلاء على الأراضي بالقوة، لا يميز بين حرب دفاعية وأخرى هجومية".

ويتابع "يرجع هذا في الأساس إلى حقيقة مفادها أن أيا من الطرفين في أي حرب يمكنه أن يدعي أنه يتصرف بشكل دفاعي، وفي حين تؤكد إسرائيل أنها بدأت حرب يونيو/حزيران 1967 بشكل استباقي لأنها خشيت حدوث هجوم من جانب مِصر، فإن العرب يشككون في هذا ويشيرون عادة إلى الصراع بوصفه عدوانا عليهم".

يشير كتاب الى انه "بدأ اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان يخلف بالفعل تأثيرا مزعزعا للاستقرار، فبمجرد عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من واشنطن العاصمة، بعد القرار بشأن الجولان، بدأ يتحدث عن ضم أجزاء من الضفة الغربية، ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تدمر تماما إمكانية التوصل إلى حل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين".

علاوة على ذلك- يتابع كتاب قوله- "أعطى قرار ترمب الضوء الأخضر لدول أخرى لحل النزاعات الإقليمية مع جيرانها بالقوة، وإذا أصبح الاستيلاء على الأرض من خلال الحرب الآن مشروعا، فسوف تتعاظم إذن صعوبة الاعتراض على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أو مطالبة السعودية بأجزاء من اليمن، أو مطالبة العراق بأن تكون الكويت محافظتها التاسعة عشرة، وربما تستسلم دول أخرى عديدة في أفريقيا وآسيا وأوروبا أيضا لإغراء استخدام القوة لاستعادة أجزاء من دول مجاورة استنادا إلى مزاعم تاريخية أو قَبَلية".

ويوضح الحقوقي الفلسطيني ان "الاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان قد يعرض للخطر تدابير الحماية القانونية الدولية المكفولة للسكان السوريين هناك، وتشمل هذه التدابير اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تهدف إلى حماية المدنيين الخاضعين للاحتلال العسكري من قِبَل دولة محاربة إلى أن يُستعاد السلام وتنصرف الجيوش الغاصبة عن أراضيهم، تحظر الاتفاقية بشكل خاص على المحتل نقل سكانه من المدنيين إلى الأراضي المحتلة (وعلى هذا فإن كل المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي)، وقد جرى التأكيد على هذا في قرار صادر في عام 2003 عن محكمة العدل الدولية بشأن بناء إسرائيل لجدار في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، علاوة على ذلك، لا يجوز لأي قوة محتلة أن تأخذ بشكل قانوني الثروات الطبيعية، أو المقتنيات الثمينة، أو الموارد من المناطق المحتلة، وضم الأراضي محظور تماما".

اضف تعليق