نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرًا أعده كلٌ من إيمانويل بالوجن، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة ويبستر الأمريكية، وآنا كابامبوي موابا، محاضرة جامعية في دراسات الحكم بجامعة كلية سميث الأمريكية، يتناول الوضع في السودان بعد عزل البشير وتولي المجلس العسكري الانتقالي حكم البلاد، ويحاول توقع موقف الاتحاد الأفريقي تجاه المسألة.

 وأفاد التقرير بأنَّه في 11 أبريل (نيسان) الماضي، وبعد أشهرٍ من الاحتجاجات التي اجتاحت الشوارع، أطاح الجيش السوداني الرئيس عمر حسن البشير بعد نحو 30 عامًا في السلطة. وأعرب الاتحاد الأفريقي، مثله مثل الهيئات الدولية الأخرى، عن استيائه من هذا الانقلاب غير الدستوري، ودعا في الوقت ذاته إلى انتقالٍ سلمي ومُحدَّد إلى حكمٍ مدني ديمقراطي.

وبحسب الصحيفة فإنَّ البشير هو آخر زعيم أفريقي حكم لفترةٍ طويلة يُعزل من منصبه مؤخرًا، بعد رئيس بوركينا فاسو السابق بليز كومباوري عام 2014، ورئيس جامبيا السابق يحيى جامع عام 2017، ورئيس زيمبابوي السابق روبرت موجابي عام 2017.

 وبينما يلتزم نظريًا الاتحاد الأفريقي برفض التغييرات غير الدستورية في الحكومات، لكن مدى قوة هذا الالتزام، وما يمكن أن يفعله الاتحاد الأفريقي أو سيفعله عندما يكون هناك انقلابٌ عسكري، كلها أمورٌ لم تتضح بعد بحسب الأكاديميين.

ذكر التقرير أنَّ منظمة الوحدة الأفريقية، التي تأسس الاتحاد الأفريقي خلفًا لها عام 2001، كانت تدعو المواطنين الأفارقة إلى المشاركة في حكومات بلادهم. ولتوضيح ذلك، أصدرت المنظمة إعلان لومي، الذي شدد على احترام القارة للحكم الدستوري وسيادة القانون وحقوق الإنسان. 

وتعامل القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي مع إعلان لومي بجديةٍ أكبر، موضحًا أنَّ الاتحاد يدين ويرفض جميع التغييرات غير الدستورية في الحكم، وله أيضًا الحق في التدخل في شؤون أي دولة عضوة في ظل ظروفٍ خطيرة (المادة الرابعة، البند ح).

ومن خلال الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم، يتمتع الاتحاد الأفريقي بسلطة توقيع عقوبات على الدول الأعضاء في حال وقوع انقلابٍ عسكري أو تمرد على رئيس منتخب ديمقراطيًا، أو في حال رفض رئيس ترك منصبه بعد خسارة الانتخابات. ووجدت أبحاث العالم السياسي الغاني توماس تيكو أنَّ مصطلح "تغييرات غير دستورية" فضفاض بما يكفي لمنح الاتحاد الأفريقي بعض المرونة في تحديد ما إذا كان الوضع غير دستوري أو غير ديمقراطي.

ويرى بالوجن وموابا أنَّ كلًا من إعلان لومي والقانون التأسيسي والميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم يضعون معًا معايير الديمقراطية للبلدان الأفريقية، ويمنحون الاتحاد الأفريقي الأدوات لإلزام أعضائه بالامتثال. لكنَّ الأحداث التي شهدتها مصر عام 2011 وضعت الاتحاد الأفريقي في اختبارٍ لمدى التزامه بهذه الوصاية.

بحسب التقرير، بعد 18 يومًا من الاحتجاجات الشعبية في مصر عام 2011، تخلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن منصبه، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم. وبعد مرور عام أجرت مصر أول انتخاباتٍ ديمقراطية تشهدها البلاد.

وعلى الرغم من المخاوف من تلاعب القضاة المعينين في عهد مبارك بنتيجة الانتخابات وإعلان فوز أحمد شفيق، المرشح المفضل للجيش، أُعلِن عن فوز محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، الذي أدى اليمين الدستورية رئيسًا للبلاد في 30 يوليو (تموز) 2012. وبعد أن منح مرسي نفسه سلطاتٍ واسعة أثارت احتجاجات شعبية ضده، أطاحه انقلاب عسكري في يوليو 2013.

وردًا على ذلك، أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي أنَّ عزل رئيس منتخب من منصبه لا يتفق مع الدستور المصري، وأنَّ انقلاب يوليو 2013 يعد تغييرًا غير دستوري في الحكم. وأوقف الاتحاد الأفريقي مشاركة مصر في أنشطته حتى عودة نظام الحكم الدستوري، ثم أعاد الاتحاد العضوية بعد انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسًا للبلاد عام 2014.

لكنَّ الجيش أطاح مرسي من الحكم بعد احتجاجاتٍ جماعية ضد قراراته غير الدستورية حسبما ذكر بالوجن وموابا، وهو ما يمكن اعتباره في رأيهما إجراءً يمثل إرادة الشعب، هذا إن لم يكن ديمقراطيًا. لكن كيف يقرر الاتحاد الأفريقي متى وتحت أي ظروف توقف عضوية دولة ما وإعادتها، وكيف يلتزم بهذه المبادئ باستمرار؟

للإجابة عن هذا السؤال، أصدرت لجنة رفيعة المستوى بالاتحاد الأفريقي حول مصر عام 2014 تقريرًا يوضح الخطوات التفصيلية التي اتبَّعها الاتحاد ليتخذ قراره الذي يوصي برفع العقوبات عن مصر. وأقر التقرير بأنَّ الاتحاد الأفريقي يجب أن يطبق معاييره باستمرار على جميع أعضائه، بما في ذلك الأعضاء الذين يتمتعون بقوةٍ نسبية مثل مصر، بدلًا عن اتخاذ موقفٍ قوي فقط ضد التغييرات غير الدستورية في الأعضاء الأضعف مثل مدغشقر عام 2010 وغينيا بيساو عام 2012. وفي كلتا الحالتين كان تعليق العضوية سريعًا ونهائيًا، وسارعت الدولتان للانتقال سريعًا إلى حكمٍ مدني.

سياسة متغيرة

بحسب التقرير، بدا أنَّ الاتحاد الأفريقي يتَّبِع مبادئه التوجيهية عندما تفاعل مع محاولتيّ الانقلاب في بوركينا فاسو عام 2014 وبوروندي عام 2015. وأدانت الجنوب أفريقية نكوسازانا دلاميني زوما، رئيسة الاتحاد الأفريقي السابقة، محاولة الانقلاب في بوروندي بأشد العبارات.

وعندما عاد الرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا إلى البلاد وسط مزاعم بفشل الانقلاب، سعى الاتحاد الأفريقي للتوسط في حل الأزمة السياسية من خلال حوارٍ شامل، بدلًا عن مناقشة الظروف التي أدت إليها. وبالمثل أدان الاتحاد الأفريقي الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو بشكلٍ قاطع، وهدد بمعاقبة قادة المجلس العسكري وفرض حظر السفر عليهم.   

لكن بعدما أطاح الجيش الزيمبابوي موجابي من الحكم، أدان الاتحاد الأفريقي هذه الإجراءات في البداية، ثم تراجع سريعًا عن ذلك الموقف. بدلًا عن ذلك زعم الجزائري سميل شيرجوي، مفوض الاتحاد الأفريقي للسلم والأمن، أنَّ مجرد حوارٍ بين قيادة البلاد والرئيس موجابي أدى إلى استقالة الأخير. وكان رد فعل الاتحاد الأفريقي تجاه عزل موجابي أقل قوة بكثير من ردود فعله تجاه بوركينا فاسو وبوروندي.

وعلى غرار حالة زيمبابوي، في جامبيا في ديسمبر (كانون الأول) 2016، رفض الاتحاد الأفريقي الاعتراف بالرئيس السابق يحيى جامع بعد أن رفض التنحي بعد خسارته الانتخابات أمام الرئيس الحالي آداما بارو. ومع ذلك، لم يتخذ الاتحاد الأفريقي أي إجراء، وترك الأمر للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لاتخاذ تدابير دبلوماسية قسرية لعزل جامع من الحكم. ولم يعلق عضوية جامبيا في الاتحاد.

وتساءل بالوجن وموابا عما سيفعل الاتحاد الأفريقي في السودان، بالنظر إلى عدم اتساق مواقفه تجاه الانقلابات والأزمات الدستورية. إذ استمر المواطنون السودانيون في مطالبتهم بتشكيل حكومةٍ مدنية انتقالية، وهو الطلب الذي رفضه المجلس العسكري يوم الأحد الماضي 21 أبريل.

وردًا على ذلك، أصدر مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي بيانًا رسميًا يؤكد فيه بشكلٍ قاطع أنَّ الانقلاب على البشير يُعد تغييرًا غير دستوري في الحكم، وطالب الجيش السوداني بتسليم السلطة للمدنيين خلال 15 يومًا وإلا سيعلق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي.

واختتم الباحثان تقريرهما متسائلين عمَّا إذا كان الاتحاد الأفريقي سيعلق عضوية السودان بالفعل، لافتين إلى أنَّه بالنظر إلى عدم اتساق مواقف الاتحاد السابقة، فما زال من غير الواضح ما إذا كان الاتحاد سيستغل قدراته ووصايته لتقديم دعمٍ قوي لإرادة الشعب السوداني.

اضف تعليق