أطلقت قوّات الأمن السودانيّة، اليوم الثلاثاء، الغاز المسيّل للدّموع على آلاف المتظاهرين المعارضين للحكومة الذين احتشدوا بالقرب من مقرّ الجيش في الخرطوم لليلة الثالثة على التوالي. وسُمِع دويّ إطلاق نار، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.

وقال شهود وأحد المتظاهرين إنّ عناصر جهاز المخابرات الوطني وشرطة مكافحة الشّغب أطلقوا الغاز المسيّل للدّموع لتفريق المتظاهرين، غير أنّهم أضافوا أنّ من الصّعب تحديد الجهة التي أطلقت النار.

وقال شاهد موجود بالقرب من موقع التظاهرة إنّ "عناصر الأمن يُطلقون الغاز المسيّل للدّموع".

نفي شائعة

نفى الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني اللواء أحمد الشامي مساء الإثنين، أنباءً تحدثت عن تنحي الرئيس عمر البشير استجابةً لمطالب المعتصمين أمام مقر قيادة القوات المسلحة في وسط الخرطوم. وقال إن "إشاعة تنحي الرئيس البشير هدفها إثارة البلبلة ونسف الحوار الوطني".

ودخل الاعتصام الذي ينفذه آلاف السودانيين يومه الثالث، الاثنين، من دون تحقيق هدفه بتنحّي البشير. ولم تتخذ الحكومة أي إجراءات علنية للتعامل مع الاعتصام الذي سبّب شللاً في الحياة بالعاصمة، في حين صرح وزير الدفاع السوداني عوض محمد أحمد بن عوف بأن "الجيش لن يتسامح مع مظاهر الانفلات الأمني".

ولم يثنِ ارتفاع دراجات الحرارة بالخرطوم، الإثنين، بعدما قاربت الـ 40 درجة مئوية، المحتجين من التوافد إلى مقر الاعتصام. حركة السير غير طبيعية، فالمتاريس تعترض السيارات والمارة في كل الطرق، والإطارات المحروقة وجذوع الأشجار المشتعلة تنتشر على مداخل الأحياء السكنية.

لم تقتصر الاحتجاجات على مقر الاعتصام، فآلاف المواطنين المتجولين بالمركبات يطلقون الصافرات، ويرفعون الأعلام الوطنية احتفالاً بنصر لم يكتمل بعد، مرددين شعارات الاحتجاجات المستمرة منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، "حرية سلام وعدالة، الثورة خيار الشعب"، "تسقط بس"، وهتاف آخر أُطلق عقب تمكنهم من كسر الأطواق الأمنية والوصول إلى مقر القيادة العامة للجيش، وهو "الليلة ما بنرجع، إلا البشير يطلع"، وطلوع البشير مرتبط هنا بخروجه للجمهور بغية إعلان تنحيه.

إغلاق الجسور

 وأسهم في إحداث الشلل في حركة نقل المواطنيين إلى وسط الخرطوم، إغلاقُ أربعة جسور رئيسة على نهر النيل الأزرق، تربط جنوب العاصمة بشمالها، بعضها أغلقته السلطة، في حين تولى المحتجون إغلاق الأخرى بمتاريس وكتل إسمنتية.

ويفرض المحتجون الآن سيطرتهم على أهم الطرق الرئيسة حيث مواقع الوزارات والمرافق الخدمية. وعلى الرغم من أن السلطات لم تمنح موظفي الدولة إجازةً رسمية، فإن إغلاق المحتجين شارع الجامعة حيث يقع القصر الرئاسي ومقر مجلس الوزراء ونحو 9 وزارات، منها وزارتَا الداخلية والخارجية، يؤكد أن غالبية الموظفين والعاملين فيها لم يتوجهوا إلى مكاتبهم منذ يومين.

كما أغلق المتظاهرون شارعَي الجمهورية والبلدية، عند نقطة اقترابهما من مقر قيادة الجيش. وتأخذ تلك الطرق أهميتها من ربطها أهم مداخل العاصمة بالمناطق الأخرى.

سبعة قتلى

من جهة أخرى، قال وزير الداخلية السوداني بشارة جمعة، في بيان تلاه أمام البرلمان، الإثنين، إن قتلى الاحتجاجات خلال اليومين الماضيين إرتفع إلى 7، موضحاً أن "ستة قُتلوا في احتجاجات الخرطوم، لقي شخص واحد حتفه في إقليم دارفور غرب البلاد".

وبذلك يرتفع عدد قتلى الاحتجاجات منذ بدايتها إلى 39 وفق الإحصاءات الحكومية في حين تقدره منظمات دولية بنحو 50.

وذكر جمعة في بيانه أن 15 مدنياً و42 من قوات الأمن أصيبوا في الاحتجاجات، وأن السلطات اعتقلت 2496 محتجاً في الخرطوم.

وقالت "لجنة أطباء السودان المركزية"، في بيان إن جندياً توفي متأثراً بجروحه أثناء محاولته الدفاع عن المعتصمين بعد تبادل النار مع قوات أمنية.

وأوضح "تجمع المهنيين السودانيين" الذي يقود الاحتجاجات إن "وحدات وطنية من القوات المسلحة حمت المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة". وأضاف في بيان أن "عشرات من قوات الأمن تتجمع قرب قيادة الجيش لفض الاعتصام مستخدمةً كل أنواع القمع".

واعتبر مجلس الدفاع والأمن الوطني، الأحد، أن "المحتجين يمثلون شريحة من المجتمع يجب الاستماع إليها".

الحكومة: الأوضاع هادئة

في سياق متصل، قال الناطق باسم الحكومة حسن إسماعيل إن الأوضاع الأمنية هادئة في كل الولايات، مؤكداً تماسك الأجهزة النظامية وتعاونها في ما بينها لحماية البلاد.

أضاف "الأجهزة النظامية تتعامل مع المنتشرين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة بكل وعي وحكمة للحفاظ على الأرواح وعدم حدوث أي خسائر"، لافتاً إلى أن "التعبئة والتشويش الإعلامي لهذه التجمعات غير مؤثرين". وتابع "الآن لدينا 17 ولاية، الأوضاع هادئة فيها وليس هناك أي نوع من المشاكل". ووصف إغلاق الطرق في الأحياء والمناطق الحيوية التي تؤدي إلى مواقع الخدمات التي يطلبها المواطن بأنها فعل سلبي، وأنهم سيتعاملون معها وفق القانون.

من ناحية أخرى، اعتبر المحلل السياسي بشير الشريف أن "وصف الحكومة أفعال المحتجين بالفعل السلبي هو بداية لمرحلة مختلفة من التعامل مع الاعتصام". وتابع أن "أي تعامل يتم مع المحتجين من دون مخاطبة مطالبهم سيقود البلاد إلى أوضاع أمنية غير محمودة العواقب".

الأوضاع داخل الاعتصام

في المقابل، استبعد الشريف "استخدام الحكومة القوة المفرطة لفض الاعتصام، نظراً إلى رهانها على تناقص أعداد المحتجين تلقائياً نتيجة عدم توفر مرافق الخدمات وصعوبة الحصول على الأكل والشرب".

بيد أن جولة لـ "اندبندنت عربية" داخل ميدان الاعتصام أظهرت تكاتفاً كبيراً بين المواطنين هناك، إذ يحمل غالبية المتوافدين إلى مقر الجيش الطعام معهم. يفول أحدهم "منذ يومين لم أجد مشكلة في تناول وجبات الطعام أو الحصول على الماء، هناك لجان تعمل على توفير ذلك، وأيضاً تقدم الخدمات الطبية الأولية لنا في مكان وجودنا".

تنحي البشير

تواجه الساحة السياسية في السودان الآن أهم تساؤلَين منذ نحو 3 عقود، الأول هو: هل يقبل البشير التنحي؟ ويدور التساؤل الثاني على شكل السيناريوهات الأخرى المتوقعة إذا لم يقبل ذلك؟

ورشحت أنباء الإثنين عن عزم وزارة الدفاع إنهاء وجود المحتجين أمام مقارها، وهذا ما يشير إلى عدم رغبة الجيش في التحرك لتحقيق مطالب المتظاهرين وإجبار الرئيس على التنحي.

وأشارت أنباء أخرى إلى أن الجيش مقبل على خطوة التدخل، لكنه يدرس خيارات عدة مرتبطة بـ"رجل المرحلة المقبل". ورشح اسم رئيس الأركان السابق الفريق أول عماد عدوي أحد أبرز الأسماء لتولي مهمات المرحلة. ويأتي اسم عدوي وفق تلك الأنباء عقب استبعاد اسمَي وزير الدفاع الحالي عوض بن عوف الذي يشغل منصب النائب الأول للرئيس، ورئيس الأركان المشتركة الفريق أول كمال عبد المعروف.

ولا يعدو كل ما سبق، كونه تسريبات وتكهنات، ناجمة عن عدم تعليق الجيش رسمياً على مطالب المحتجين خلال اليومين الماضيين.

وتراهن المعارضة على أن السودانيين قادرون عقب نجاحهم في تنفيذ العصيان المدني والاعتصام أمام مقر قيادة الجيش للمرة الأولى منذ 30 سنة، على تكرار نموذج انتفاضة أبريل (نيسان) 1985 التي أطاحت نظام الحكم العسكري، وانجاح الثورة الثالثة في تاريخ البلاد.

اضف تعليق