يراقب السعوديون، بهدوء، التطورات في "الجزائر" بقلق بالغ من عودة موجة ثورات الربيع العربي، وما تحملها من آثار مترتبة بشأن إزاحة زعيم مسن عاجز، بفعل المظاهرات الشعبية وتزايد المطالب بإقامة نظام سياسي أكثر انفتاحًا، وكلاهما أمور بغيضة بالنسبة لحكم النظام الملكي السعودي المطلق.

وقال الكاتب، بروس ريديل، في مقاله بصحيفة (المونيتور) الأميركية؛ أن "المملكة العربية السعودية مرعوبة من الربيع العربي؛ وعرضت اللجوء على الرئيس التونسي المخلوع، وبالفعل هو لا يزال هناك".

ومن الجدير بالذكر؛ أن المملكة أرسلت قوات للبحرين، لإيقاف حركة الإصلاح التي كان يقودها معارضين ضد الملك؛ ولا تزال القوات هناك. كما روع السعوديين للإطاحة بالرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، ولكن تولي الجنرال العسكري، عبدالفتاح السيسي، لرئاسة مصر طمأن المملكة، حيث كان ملحق الدفاع المصري الأسبق في الرياض، لذا فهو كان رجل المملكة، وما زال كذلك.

أهمية الجزائر للمملكة

أكد ريديل، وهو مدير مشروع الاستخبارات في معهد (بروكينغز)؛ وأصدر أحدث مؤلفاته بعنوان (الملوك والرؤساء: المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة منذ عهد روزفلت)، على أن الملك عبدالله قد أنفق، في الداخل، 130 مليار دولار لتهدئة الاضطرابات المحتملة بضخ الاحتياطيات السعودية لرفع الرواتب وبناء المنازل وتحسين نوعية الحياة.

الجزائر؛ هي أكبر دولة عربية من حيث الحجم ولديها أكبر ميزانية دفاع في إفريقيا، نجحت في هزيمة تنظيم (القاعدة) في دول المغرب العربي على أرض الجزائر، تمامًا كما هزم السعوديون تنظيم (القاعدة) في شبه الجزيرة العربية داخل المملكة.

في عام 1992؛ عندما أستولى الجيش الجزائري على السلطة، بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية، تدخل السعوديون لتدعم إدارة جورج بوش، الجيش الجزائري، ولكن أدى إستيلاء الجيش إلى اندلاع الحرب الأهلية الشنيعة في الجزائر على مدار عقد كامل، وهو حدث فادح ربما ساعد في إبقاء الجزائر هادئة نسبيًا في عام 2011.

وعلى الرغم من الاختلافات بين الملكية المطلقة الوهابية والحكومة الاشتراكية لجمهورية ديمقراطية شعبية، فإن السعوديين سعداء لوجود دولة بوليسية زميلة في المغرب العربي.

جدير بالذكر أن ولي العهد السابق، محمد بن نايف، يمتلك قصرًا في العاصمة، الجزائر، حيث يستمتع بأيام راحته هناك، كما زار خليفته، ولي العهد محمد بن سلمان، الجزائر، في أيلول/ديسمبر 2018، لكن الرئيس، عبدالعزيز بوتفليقة، كان مريضًا جدًا؛ بحيث لم يتمكن من استقباله شخصيًا.

أزمة الجزائر تزيل الخلاف السعودي-المغربي!

من وجهة نظر الكاتب؛ لا يملك السعوديون سوى القليل في سبيل مساعدة القيادة الجزائرية، المعروفة باسم، "لو بوفوار"، في التمسك بالسلطة، حيث أن، محمد بن سلمان، يمثل الوجه الآخر لـ"بوتفليقة الجزائر"، كديكتاتور يثير احتجاجات الشعب الجزائري، خاصة أن الجزائريين استنكروا زيارته على نطاق واسع.

من المحتمل أن يضغط السعوديون على إدارة، دونالد ترامب، لدعم سيطرة الجيش، لكن الولايات المتحدة ليس لها تأثير يُذكر في الجزائر، والجيش الجزائري يعلم كيف يحتفظ بنفسه بعيدًا عن الأميركيين.

ربما تشجع الأزمة في الجزائر على التقارب بين السعودية والمغرب، اثنان من الحلفاء القدامى الذين شهدت علاقتهما بعض التوترات في الآونة الأخيرة. رفض العاهل المغربي، محمد السادس، بشكل واضح مقابلة، محمد بن سلمان، العام الماضي، بعد القتل العمد للصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، وبالتالي لم يزر ولي العهد السعودي، المغرب، في نفس الجولة التي قام فيها بزيارة الجزائر، كما أعلن المغرب انسحابه من التحالف الذي تقوده السعودية للحرب على اليمن.

لكن كان هناك اتصال هاتفي بين الملكين، هذا الأسبوع، لتصحيح الخلافات. أكدت القراءة الرسمية أن المملكتين إخوان؛ وأن أي اختلافات يمكن رأبها سريعًا، وهو ما يفسر أنه لا شك في أن كلاً من، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والملك محمد السادس، قلقان بشأن الاستقرار المستقبلي للجزائر.

من بعض النواحي، تُعد السعودية أكثر استعدادًا للتعامل مع أي اضطرابات محلية اليوم أكثر من ثماني سنوات، حيث أسس محمد بن سلمان عهدًا من الإرهاب في التعامل مع معارضيه لم يسبق له مثيل في تاريخ المملكة الحديث، تتوج بالقتل العمد لخاشقجي.

ولا يزال نايف رهن الإقامة الجبرية في منزله، بعد عامين تقريبًا من إقالته، كما أنه يتم فحص الإنترنت دوريًا من قِبل أجهزة الدولة.

ورأى كاتب المقال أن السعودية؛ أقل استعدادًا وأكثر عرضة للخطر، حيث تدهورت الاحتياطيات بشكل كبير في ظل انخفاض دخل النفط. وخلقت سلسلة الاعتقالات ضد العديد من المواطنين البارزين، بما في ذلك أفراد العائلة المالكة، انقسامات في المؤسسة السعودية لم تكن موجودة في عام 2011.

وذلك قد يفسر أن السعوديين لديهم أمل في أن غياب بوتفليقة عن السلطة، سيعوض بوجود الجيش وسيطرته على المشهد السياسي في الجزائر.

المصدر: موقع كتابات

اضف تعليق