الجزائر – علي ياحي/ وكالة النبأ للأخبار

تعيش منطقة شمال افريقيا على وقع انساني صعب جراء المعاناة التي يواجهها المهاجرين الافارقة الراغبين في الوصول الى السواحل الاوروبية، وذلك منذ بداية الحرب الاهلية في ليبيا في 2011، الامر الذي دفع المجتمع الدولي الى دق ناقوس الخطر والدعوة الى ضرورة ايجاد حلول لهذه المشكلة التي تحصي كل يوم الاف الموتى في البحر الابيض المتوسط وفي الصحراء، مقابل رفض أي طرف تحمل المسؤولية لتبقى الشبكات الاجرامية من مهربين وتجار البشر وارهابيين يواصلون العبث بالقيم الانسانية والاخلاقية باستمرارهم في ممارسات القتل والتعذيب والاغتصاب والحجز في حق الفارين من جحيم بلدانهم نحو حياة افضل.

تمتاز ليبيا بانها دولة تستقبل العمالة الافريقية منذ وقت بعيد، واصبحت تستقطب المهاجرين الافارقة رغم الازمة الامنية التي تعيشها بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي في 2011، لكن ليس من اجل العمل، ولكن للانتقال نحو السواحل الاوربية، في رحلة تنطلق من ادغال افريقيا في مسارات معقدة وخطيرة قد تمنع وصولهم بسلام الى ليبيا، كما قد يهلكون في البحر الابيض المتوسط، او يستغلون في الحرب الدائرة في ليبيا بين الجماعات المسلحة، ويؤكد الخبير الامني الجزائري علي زاوي، ان استمرار الحرب في ليبيا يوسع دائرة المعاناة بالنسبة للافارقة وليس دول الجوار فقط، وعليه فانه بات من الضروري ايجاد حل سلمي في البلاد، مضيفا في حديث مع وكالة النبأ للأخبار، ان المهاجر الافريقي بات احدى وسائل الابتزاز والضغط بين الدول بما فيها الاوروبية، لذا فانه من الضروري ان يتحرك الشعب الليبي قبل الدولي من اجل انهاء هذه المعاناة لان التاريخ سيكتب معاناة الافارقة في ليبيا.

ورغم ان المنظمة الدولية للهجرة وغيرها من الجمعيات الانسانية، ينظمون عديد الرحلات للمهاجرين الافارقة من ليبيا الى بلدانهم الاصلية، الا ان النشاط الكبير لشبكات الاتجار بالبشر يجعل المجهودات الانسانية ضعيفة، ويكشف المختص في الشأن الليبي ومنطقة الساحل علي زاوي، أن عدد العمال المهاجرين في ليبيا، كان مليون عاملا قبل الأزمة، وقد تمكن عدد كبير منهم من الفرار نحو دول الجوار، وايضا الى بلدانهم مع بداية الازمة الامنية، واغلبهم من آسيا والشرق الأوسط، وتونس ومصر والجزائر.

يصل الافارقة الى ليبيا بعد مرورهم برحلة مروعة، تنطلق مع طلب عديد مكاتب التشغيل الوهمية المنتشرة في المدن الليبية من الافارقة القدوم لأجل مباشرة العمل، غير ان الحقيقة هي مكاتب تستولي على اموال المهاجرين الباحثين عن حياة افضل، وبعد وصولهم لا يجدون عمل فيضطرون الى التسكع في الشوارع بحثا عن عمل، ليستقر بهم المطاف بين ايدي مليشيات وشبكات اجرامية تجبرهم على العمل ضمن المجموعات المسلحة، بينما تعمل بعض المكاتب على تشجيع المهاجرين على التنقل الى السواحل الاوروبية وتطلب مبالغ كبيرة مقابل ذلك، ما يجعل الافارقة يتنقلون الى ليبيا وبحوزتهم مبالغ الرحلة نحو اوروبا وفق ما تم الاتفاق بشأنه مع المكاتب، وهو ما أكده المحلل الجزائري، بوعلام ضيف الله، الذي ابرز ان قوافل المهاجرين الذين يقصدون ليبيا، يمرون عبر مسارين اثنين، الاول عبر النيجر و تشاد، بالنسبة للافارقة جنوب الصحراء، والمسار الاخر عبر السودان، والخاص بالصوماليين والإيريتريين و القادمين من اسيا، واضاف ان المشكلة الرئيسية الحاصلة في ليبيا هي التحقق من جنسية المهاجرين ووثائق السفر، الامر الذي يمنع احصاءهم و يصعب اعادتهم الى بلدانهم، مشيرا الى أن جوازات سفرهم تصادر في كثير من الأحيان من طرف المليشيات المسلحة و شبكات الاجرام.

مسار غرب أفريقيا

تعتبر النيجر تعتبر هي بلد العبور الرئيسي الذي يستخدمه المهاجرون القادمون من غرب ووسط أفريقيا، حيث يستخدم معظمهم الحافلات للوصول إلى مدينة أغاديز، المركز الرئيسي لتهريب المهاجرين، اين يضعون مصيرهم واموالهم بين ايدي المهربين، أولا لعبور الصحراء نحو ليبيا.

مسار القرن الأفريقي

يمثل الإريتريون اهم الذين يسلكون هذا المسار، يليهم المهاجرون السودانيون والصوماليون، حيث يتجمع الطامحون في الهجرة بالخرطوم في السودان، التي هي مركز التهريب الرئيسي على هذا الطريق، ليتم نقلهم إلى الحدود مع ليبيا في شاحنات خاصة، اين يجدون قبائل الطوارق في استقبالهم لنقلهم إلى المدن الساحلية في ليبيا.

الاتجار بالبشر في افريقيا

باتت ليبيا بلد عبور نحو اوروبا منذ 2011، وضعية شجعت شبكات الجريمة المنظمة والتنظيمات المسلحة على النشاط ضمن مجال الاتجار بالبشر الذي اصبح يحرك مليارات اليوروهات، ما يفسر تواجد اعداد كبيرة من الافارقة في ليبيا، وايضا قوارب الموت التي تعبر البحر المتوسط نحو ايطاليا بصفة خاصة، وانتقدت عديد المنظمات الانسانية بما فيها منظمة الامم المتحدة و المنظمة الدولية للهجرة، ومنظمة العفو الدولية، وضعية المهاجرين في ليبيا، واعتبرت أن الآلاف محتجزون إلى ما لا نهاية في مراكز مكتظة تتعرض فيها حقوقهم للانتهاك بصورة منظمة، خاصة ان بعض مراكز الاعتقال تسيطر عليها فصائل مسلحة لا تخضع لأي سلطة، يرجح ان تكون على علاقة بشبكات الاتجار بالبشر، وتقول إن مراكز الاحتجاز في ليبيا تعاني من شح في الطعام والمياه الصالحة للشرب والأدوية.

ورغم فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على أشخاص يترأسون شبكات تنشط في ليبيا في مجال الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة، الا ان دار لقمان لا تزال على حالها مع المشاهد المروعة التي يستيقظ عليها العالم كل يوم، مع غرق قوارب المهاجرين في البحر الابيض المتوسط، وهلاك الالاف من الاطفال و النساء، و ذلك بعد ان اهتزت الضمائر سابقا، اثر مشاهد لصور مهاجرين يباعون كالعبيد في ليبيا.

واوضح المحلل الجزائري بوعلام ضيف الله، انه يتم الاتجار في أعداد متزايدة من المهاجرين الأفارقة الذين يمرون عبر ليبيا، حيث يتم احتجازهم مقابل فدية لتركهم، ويجبرون على العمل دون أجر، كما يتم استغلالهم جنسيا، واجبار النساء منهم على العمل بالدعارة، مشيرا الى ان هناك مستودعات لتجميع المهاجرين يسيطر عليها افراد من شبكات الاتجار بالبشر واخرى تخضع لعناصر من تنظيمات مسلحة، وتابع انه يجري احتجازهم أثناء توجههم شمالا باتجاه ساحل البحر المتوسط ، وواصل ان تقارير أشارت إلى أن بعض المهاجرين الذين لا يمكنهم دفع الفدية يقتلون أو يتركون للموت جوعا، ما يرجح فرضة وجود مقابر جماعية في الصحراء.

ارقام

- قدرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن حوالي 50 الف شخصا حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسط في قوارب عام 2011، وغرق منهم حوالي 2000 شخص.

- يباع المهاجر في ليبيا بين 208 الى 642 دولارا للشخص الواحد، كما ان كل مهاجر عليه دفع 1200 دولارا لركوب قارب نحو أوروبا.

- كل مهاجر عليه دفع 24 دولارا شهريا الى مليشيات ليبية مسلحة كتكلفة بقائه على قيد الحياة.

- وكالة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف"، احصت 26 ألف طفل، معظمهم غير مصحوبين بذويهم، عبروا البحر المتوسط في 2017.

- عبر من ليبيا إلى إيطاليا نحو 180 ألف مهاجر، بينهم 28 ألف طفل، في العام 2016.

- العديد من الأطفال يتعرضون للعنف والانتهاك الجنسي من قبل المهربين، ولكنهم لا يتحدثون خوفا من الاعتقال أو الترحيل او القتل.

الجزائر تنفق 20 مليون دولار لمواجهة الظاهرة و تنتقد سياسة الاتحاد الاوروبي

بعد ان أصبح الوصول الى السواحل الاوروبية صعبا نوعا ما مع تشديد الرقابة البحرية وكذا التلاعب بحياة المهاجرين من طرف شبكات الجريمة المنظمة ما ادى الى هلاك الالاف في البحر الابيض المتوسط، لجأ المهاجرون الى اعتماد الجزائر كبلد اقامة بعد ان كان بلد عبور، خاصة في ظل الظروف المريحة و الاستقرار الذي تنعم به الجزائر مقارنة بجيرانها، وهو ما يفسر الاعداد الكبيرة للمهاجرين الافارقة و ذا السوريين المتواجدين بالجزائر، غير ان ارتفاع اعداد الافارقة مع الازمة الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر، دفع السلطات المحلية الى اتخاذ اجراءات ترحيل الى بلدانهم الاصلية بالاتفاق مع سلطات دولهم، و هو ما يتم من حين لاخر مع النيجريين و الماليين و التشاديين.

و ذكر وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، في ندوة صحفية، بالجزائر العاصمة، أن بلاده تتوقع وصول مزيد من المهاجرين غير الشرعيين من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بعدما جعل الاتحاد الأوروبي الوصول إلى القارة أمرا أكثر صعوبة، وقال إن عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين وصلوا إلى الجزائر، لكن يمكن الحديث عن مئات الآلاف في المستقبل القريب بعد إغلاق أوروبا أبوابها، وأضاف أن الحل ليس إغلاق الحدود من جهة وترك المهاجرين يموتون على الجانب الآخر، معبرا عن قلق الجزائر من تنامي أعداد المهاجرين غير الشرعيين.

وأفاد الوزير الجزائري أن بلاده، التي لديها حدود طولها 2500 كيلومتر مع مالي والنيجر، أنفقت 20 مليون دولار في السنوات الثلاث الماضية للتصدي لتدفق المهاجرين غير الشرعيين من منطقة الساحل فرارا من الحرب وانعدام الأمن والفقر، مشددا ان الجزائر لم تتلق مساعدة من أحد وتتعامل مع الوضع من مواردها الخاصة، وعبر عن رفضه للاتهامات التي توجهها الجهات الحقوقية، ومنها "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، بأن المهاجرين يتم ترحليه من الجزائر إلى طريق الهلاك، وقال انه "لسنا نازيين، المهاجرون لا يموتون في الجزائر لكن المئات منهم توفي على أبواب أوروبا".

ويأتي غضب الجزائر بعد تقارير تتهم الجزائر بالعنصرية والكراهية في التعامل مع المهاجرين الافارقة، على اعتبار ان ترحيلهم لا يتم وفق القواعد الانسانية وانما يتم تركهم في اعماق الصحاري يموتون عطشا وبين ايدي المهربين والمجرمين، وهي الاتهامات التي استنكرتها الجزائر واعتبرت ان هذه التقارير مغلوطة تستهدف تسويد صورة الجزائر التي رفضت اقامة مراكز احتجاز للمهاجرين على اراضيها.

الاتحاد الاوروبي يجتهد في رمي الكرة بملعب جنوب المتوسط

بعد ان كان يشجع هجرة السوريين والليبيين وافارقة، تراجع الاتحاد الاوروبي عن مبادئه، وراح يجتمع في لقاءات تلو اللقاءات لايجاد حلول بعد ان خرج الامر عن السيطرة و اصبح البحر الابيض المتوسط مقبرة المهاجرين، وجاء في اخر اجتماع للاتحاد الاوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، انه يجب اقامة مراكز او منصات لتجميع المهاجرين في دول شمال افريقيا، اين يتم انتقاءهم ودراسة ملفات طلبات اللجوء، اي التعاطي مع الظاهرة من بعيد، وهو ما رفضته منطقة شمال افريقيا في انتظار ظهور مفاجات، ليبقى حل ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر الابيض المتوسط تراوح مكانها وقد يزاد الامر سوءا من استمرار التشدد الاوروبي.

وفي ذات السياق، قال الحقوقي حسين زهوان، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان، في تصريح لـ"وكالة النبأ للأخبار"، ان حل ظاهرة الهجرة عبر المتوسط مرتبط بالاتحاد الاوروبي، المسؤول الاول عن تدهور الاوضاع في افريقيا باعتبار دوله مستعمر الامس، ولازالت كذلك تنهب ثروات افريقيا وتواصل سياسة تهميش الافارقة في تسيير امورهم والاستفادة من خيرات بلدانهم، الامر الذي وسع من دائرة الفقر وضعف التنمية ومنه ظهور الجماعات المسلحة والانفصالية والمعارضة التي اصبحت وقود الحروب الاهلية في افريقيا والمتسبب الاول في فرار الجميع نحو حياة افضل يرون انها متوفرة في اروبا.

وتابع حسين زهوان، ان الحل يكمن في خلق تنمية في افريقيا، وتشجيع السكان المحليين على الاستثمار مع توزيع عادل للثروة، ومحاربة الفقر ونشر التعليم، حتى لا يفكر الناس في الهجرة، مشيرا الى مسؤولية الغرب في الفوضى الحاصلة ايضا في المنطقة العربية، سوريا وليبيا والعراق، و هي الفوضى التي ايضا شجعت على الهجرة وجعلت البحر المتوسط مقبرة بشرية، والعالم كله شاهد معاناة المهاجرين السوريين ثم الليبيين.انتهى/س

اضف تعليق