لم يكد الوزراء السعوديون ينتهون من تقديم نظرتهم المتفائلة نحو التوقعات الاقتصادية للملكة السعودية لعام 2019، في مؤتمر عُقد في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في الرياض، حتى ألقى رجل أعمال يجلس بين الجمهور بمفاجأة. وضّح عبد العزيز العجلان –صاحب شركة كبرى لصناعة الملابس، وبعد تهنئته للمسؤولين على توقعاتهم- بأدب مدى بعد وجهة نظر المسؤولين عن الحقيقة. وقال: "كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة يتم إغلاقها. إننا نرى شركات تقوم بتسريح السعوديين من العمل".

تقول الكاتبة آلاء شاهين كاتبة المقال على موقع وكالة بلومبرج إن أربع سنوات من انخفاض أسعار النفط الخام أثرت في الاقتصاد السعودي -أكبر اقتصاد في العالم العربي- وغيره من مصدري النفط؛ مما أدى إلى تفاقم الصعوبات التي عصفت بالمنطقة منذ عام 2011. في ذلك العام اجتاحت ثورات الربيع العربي منطقة الشرق الأوسط، وأطاحت بعض الأنظمة الحاكمة، ودمرت الاقتصادات. نجحت معظم دول الخليج العربية الغنية بالنفط في تخطي أسوأ ما في الأمر، وأنفقت كثيرًا لدرء الاضطرابات.

والآن وبعد مرور أربع سنوات من انخفاض أسعار النفط الخام، بدأت تلك الدول بدورها في مواجهة تحديات مالية. يصنف صندوق النقد الدولي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنهما أسوأ مناطق في العالم من ناحية الأداء الاقتصادي منذ عام 2011، إلى جانب أمريكا اللاتينية. وتشير تنبؤات صندوق النقد الدولي إلى أن المنطقة سوف تنفرد بهذا اللقب خلال الفترة المقبلة.

تشير الكاتبة إلى أن حكام دول المنطقة يواجهون مشكلات متشابهة، سواء كانت دولهم غنية أو فقيرة. تتمثل هذه المشكلات في ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، والاعتماد المتزايد على الديون، بالإضافة إلى فاتورة المرتبات الحكومية المتضخمة. هؤلاء الحكام يواجهون صعوبات في تطبيق الإصلاحات طويلة المدى؛ لأن كل خطوة مؤلمة نحو الإصلاح تهدد بإثارة السخط العام.

يمكن لحكام المنطقة رؤية السيناريو الأسوأ الذي يتكشف في سوريا وليبيا واليمن، حيث أدى عدم الاستقرار إلى حرب أهلية في نهاية المطاف. إن معالجة هذه التحديات الاقتصادية "أمر مكلف من الناحية السياسية" كما تقول علياء مبيض المديرة الإدارية لاستثمارات الشرق الأوسط في جيفريز إنترناشيونال بلندن. وعلاوة على ذلك فإن الحكومات العربية –وخاصة دول الخليج- تفتقر إلى وجود البيروقراطيين المدربين القادرين على إجراء الإصلاحات الفنية على حد قولها.

تعقب العالم

للتغلب على هذه المشكلة فإن كثيرًا من هذه الدول تسعى للحصول على مساعدات خارجية. بالنسبة للدول الفقيرة فإن هذا يعني في الغالب صندوق النقد الدولي، والذي قام بالكثير في المنطقة منذ الربيع العربي. لقد أقرض صندوق النقد الدولي أمولًا لمصر والعراق والأردن والمغرب وتونس، ويُلام الصندوق على التقشف المفروض بموجب برامج التمويل، وهو ما يقول عنه مسؤولو الصندوق أمرًا خاطئًا.

إذ كان عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين التونسيين قد دخلوا في إضراب عن العمل في يناير للمطالبة بزيادة الأجور، والاحتجاج على خفض النفقات. واتهم الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة بارتكاب الخطيئة الكبرى كونها "أكثر تقبلًا" لشروط صندوق النقد الدولي من زين العابدين بن علي، وهو أول ديكتاتور أطاحته ثورات الربيع العربي. وكان رد رئيس الوزراء يوسف الشاهد على المتظاهرين أن رفع أجورهم يتطلب من البلاد اقتراض المزيد من الأموال.

صورة قاتمة

يدرك الخبير الاقتصادي المصري سمير رضوان – وهو أول وزير مالية في مصر بعد ثورة 25 يناير عام 2011- ما يعنيه هذا النوع من الضجة السياسية. وعن ذلك يقول إنه نظرًا إلى أن معظم المواطنين من الشباب فإنهم يطالبون بحدوث التغيير بشكل سريع وفوري، ولذلك فإن الحكام العرب "لا يتمتعون برفاهية الوقت". ويضيف: "عندما أسير في الشارع يخبرني الناس أنهم إذا لم يتمكنوا من الحصول على شيء الآن فلن يتمكنوا من الحصول عليه لاحقًا. هناك انعدام في الثقة".

بقي رضوان في منصبه مدة أقل من العام، وقد توصل خلال تلك الفترة إلى اتفاق مبدئي للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لكن الجيش المصري رفض ذلك الاتفاق لعدم رغبته في زيادة الدين العام. لكن بعد خمس سنوات من الفوضى، ومع وصول رجل عسكري آخر إلى الحكم واجهت مصر نقصًا كبيرًا في الدولار، وانتهى بها المطاف باقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. كان على مصر التوقف عن دعم عملتها جزءًا من اتفاق الحصول على ذلك القرض، مما أدى إلى تراجع الجنيه المصري، وارتفاع التضخم إلى أعلى من 30%.

أما في السعودية فهناك ما يكفي من أموال النفط لجعل المملكة لا تحتاج لقروض صندوق النقد الدولي. ومع ذلك فقد تم جلب مستشارين أجانب لإعداد مخططات التغيير الاقتصادي، وقد واجهوا النوع نفسه من الانتقادات؛ لقيامهم بوضع مخططات جامدة ليست مُعدة خصيصًا للمملكة. وفي الوقت الذي يُحظر فيه التظاهر في السعودية، يبقى الحكام السعوديون يقظين لخطر ردود الفعل الشعبية، خاصة بعد أزمة جمال خاشقجي. لقد قتل الكاتب والناقد السعودي عملاءٌ حكوميون، مما أثار غضب حلفاء المملكة وبث الشكوك حول الاستقرار الوظيفي لزعيمها الفعلي في الوقت الحالي، ولي العهد محمد بن سلمان. 

دافع ولي العهد السعودي –مهندس مقترحات الإصلاح التي تهدف إلى إلغاء اعتماد الاقتصاد السعودي على عائدات النفط والرعاية الحكومية- عن طموحاته الكبيرة في مقابلة أجرتها معه وكالة بلومبرج الإخبارية في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) قائلًا: "إذا كان سقف طموحاتك منخفضًا فهذا يعني أن أمامك هدف سهل، وهذا يعني أنه لن يحاول أحد العمل بجد لتحقيق ذلك". لكن وبعد إصدار ضرائب جديدة، وتخفيض الدعم في بداية عام 2018، فإن كل ما تطلبه الأمر هو بعض التذمر على وسائل التواصل الاجتماعي لكي تعود الحكومة السعودية إلى طرقها القديمة، وتعهدت بتقديم مليارات الدولارات في شكل معونات لتعويض ذلك التقشف.

يقول بعض الاقتصاديين إن إصلاحات مثل التي يريد الأمير محمد بن سلمان أن يجريها كان يجب إجراؤها منذ فترة طويلة. لقد توصلت دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن الدول تنجح نجاحًا أكبر في تقليل اعتمادها على النفط إذا ما حاولت ذلك في وقت ارتفاع عائدات النفط؛ مما يؤيد المبدأ القائل بأن الوقت الأفضل لإصلاح السقف هو عندما يكون الجو صافيًا.

وبحسب الكاتبة، فحتى الحكومات الخليجية الغنية عانت منذ انهيار أسعار النفط من عجز كبير في الموازنة. صحيح أن هذه الحكومات لا تقترض من صندوق النقد الدولي، لكنها تستغل استغلالًا متزايدًا أسواق السندات العالمية لسد الفجوة. وبشكل عام فإن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراكمت ديونها الخارجية تراكمًا أسرع من نظيراتها في الأسواق الناشئة الأخرى منذ عام 2014، وفقًا لصندوق النقد الدولي.

نحو الأسوأ

في المناخ العاصف الحالي ظهرت بعض الدول ظهورًا سيئًا، وخاصة ذات الإيرادات العامة الهشة -كما تذكر الكاتبة. ووصلت البحرين –وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي شهدت احتجاجات واسعة النطاق في عام 2011- إلى حافة الوقوع في أزمة ديون العام الماضي، واضطرت للجوء إلى السعوديين الذي وضعوا خطة إنقاذ بقيمة 10 مليارات دولار. كما دمرت الحرب في سوريا اقتصادات جارتيها الأردن ولبنان –وهما من أكثر الدول العربية مديونية- بعد أن توافد عليهما ملايين اللاجئين.

تتقاسم دول أمريكا اللاتينية مع دول الشرق الأوسط كثيرًا من هذه التحديات باستثناء الحروب. لكن هناك اختلافًا واحدًا جذريًّا ومهمًّا: في معظم البلدان اللاتينية عندما يكون الشعب غير راضٍ عن الأحوال الاقتصادية فإنه يستطيع انتخاب حكومة جديدة لإدارة الأمور بشكل مختلف. وحدث ذلك في أكبر ثلاثة اقتصادات في المنطقة خلال السنوات الأخيرة؛ حيث حدثت تحولات سياسية حادة من اليسار إلى اليمين في البرازيل والأرجنتين، ومن اليمين إلى اليسار في المكسيك.

تختم الكاتبة قائلة: إن حدوث انتخابات حقيقية أمر نادر في العالم العربي الذي يحكم معظم دوله ملوك وقادة عسكريون. لقد كانت الاحتجاجات –العنيفة في بعض الأحيان- هي الطريق الرئيسي أمام الناس لإحداث أي تغيير. هناك إشارات قليلة تمكن قادة شرق الأوسط من إيصالها حتى الآن، وعن ذلك يقول الوزير المصري الأسبق سمير رضوان: "الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد، بل كذلك تلبية التوقعات ومواجهة المخاوف". إذ تسبب انخفاض أسعار النفط في حدوث تراجع اقتصادي في الشرق الأوسط لا يمكن لقادة المنطقة التعامل معه، أو التغلب عليه.

اضف تعليق