بدأ الصحافي الأمريكي ليون هادار مقاله المنشور في مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية بأنه من الممكن فهم ردود الفعل الهستيرية بين أعضاء المؤسسة السياسية الإسرائيلية ووسائلها الإعلامية على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإجلاء 2000 جندي أمريكي من سوريا، لقد خذل الأمريكيون الأكراد؛ إذ إن هذا كان فوزًا لإيران وانتصارًا لروسيا؛ مما سيؤدي إلى تفكك سوريا والفوضى في الشرق الأوسط، سوف تُترك إسرائيل الآن وحدها بدون حماية أمريكية، والجدير بالذكر أن الكاتب يؤكد على أن ترامب معاد للسامية!

ويرى هادار أن من الممكن أن تؤثر القرارات السياسية الأمريكية على وضع إسرائيل وغيرها من مناطق الشرق الأوسط. حتى الفرنسيون قلقون، والبنتاجون، وزارة الخارجية، ومراكز القوة الأخرى للسياسة الأمريكية الخارجية والدفاعية، بما في ذلك وزير الدفاع المتقاعد جيمس ماتيس. ويتذكر هادار في مقاله أن بعد أطول حرب في التاريخ الأمريكي، والتي دامت 15 عامًا، لا يزال الجنود الأمريكيون عالقين في أفغانستان، والآن مهندسو الحروب الفاشلة في الشرق الأوسط، وخططهم الرامية إلى تغيير الأنظمة، وبناء الدول، وإرساء الديمقراطية في العراق وليبيا، يحاولون سحب الولايات المتحدة من مجازفة عسكرية جديدة في سوريا.

ويكمل هادار بأن رفض الحروب ليس متواجدًا في قاموس السياسية الأمريكية؛ إذ يصف كاتب العمود أندرو سوليفان في مقاله المنشور بمجلة "نيويورك" مشهد نهاية العالم الذي سيطر على واشنطن، بعد أن قرر الأمريكيون توديع الكرد، والدروز، والشيعة والسنة، والقبائل والعصابات في بلاد المشرق. ويذكر هادار أن الولايات المتحدة استثمرت 6 تريليون دولار في حروب الشرق الأوسط، حُطم فيها توازن القوى في المنطقة، وعُزز موقف إيران وشَجع التطرف في العالم العربي، ترامب لا يختلف عن أوباما، رفض نصيحة استكمال ونقل ما جرى في العراق إلى سوريا، والذي كان يمكن أن يؤدي إلى صراعات عسكرية مع الروس والإيرانيين.

ومن وجهة نظر هادار أن ترامب وأوباما يُدركون أن الحرب الباردة انتهت منذ زمن بعيد، وأن روسيا لم تكن مثل الاتحاد السوفيتي، وأن الولايات المتحدة كانت أكبر منتج للنفط في العالم، وليس السعودية، وأن نتائج الصراعات بين القبائل والطائفية في العالم الإسلامي سيكون لها تأثير هامشي على مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. يتساءل هادار في مقاله لماذا يحتاج الأمريكيون إلى الاهتمام لمن يفوز بالنضال الشيعي – السني، أو لماذا يجب على واشنطن أن تستثمر مواردها في محاولة إطاحة بشار الأسد، أو البحث عن حل يقبله بنيامين نتنياهو ومحمود عباس وحماس، عندما يكون في قمة أجندة الولايات المتحدة كبح القوة العسكرية والاقتصادية للصين التي تطورت في الوقت الذي كانت فيه أمريكا عالقة في الشرق الأوسط.

ويسهب هادار أن المشكلة تكمن في نظرة العالم لأولئك الذين يديرون السياسة الخارجية الإسرائيلية وتفسيرها؛ حيث إن في العقود الأخيرة تطورت سياساتهم في وقت كان فيه من الشائع الاعتقاد بأن الأمريكيين ليس لديهم خيار سوى "فعل شيء" عندما يحدث "شيء ما" في الشرق الأوسط.

وبحسب هادار إذا لم يتخل الرئيس الأمريكي عن كل مشاكله الداخلية والخارجية وركز على حل الأزمة الأخيرة في المنطقة، فإن حربًا نووية ستندلع بين واشنطن وموسكو، سوف يفرض السعوديون حظرًا نفطيًا، وسيختفي وجود الدولة اليهودية، وربما حان الوقت بالنسبة للأوروبيين، تمويل الاقتصاد في سوريا، أو زيادة ميزانياتهم العسكرية ردًا على التهديد النووي الإيراني، ويتساءل هادار هل سيكون الأمر مرعبًا إذا كان الروس هم من سيغرقون في المستنقع السوري، بينما يحاولون الموازنة بين مصالح الإسرائيليين والإيرانيين والأسد، بدلًا عن الأمريكيين؟

أيذكر هادار أن الحرب الطويلة بين إيران والعراق انتهت إلى مساعدة لتعزيز مصالح إسرائيل والولايات المتحدة، فليس من جميل القول احتمال نشوب حرب بين تركيا وسوريا، يرى هادار أنه يتوجب على صانعي القرار الإسرائيليين مواجهة التغيرات المتوقعة في وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفهم أن سياسة ترامب، ليست "مؤيدة لإسرائيل" أو "ضد إسرائيل"، لكن أساسها موالية الولايات المتحدة.

يستذكر هادار في مقاله أن حكومة حزب العمال البريطاني كانت تشن حملة ضد إقامة دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية ليس لأن وزير الخارجية البريطاني إرنست بيفين كان معاديًا للسامية، ولكن بسبب سياسات متقدمة تهدف إلى الحفاظ على المصالح البريطانية في الشرق الأوسط واحتواء توسع الاتحاد السوفييتي التوسع، إذ يجب على إسرائيل أن تستعد عندما تكون قدرة واشنطن على الترويج للمصالح الإسرائيلية محدودة، حتى لو كان الرئيس الأمريكي يملك ذكاء آينشتاين.

تمامًا كما يجب على اليسار الإسرائيلي ومؤيديه في واشنطن ألا يعيشوا في وهم أن أمريكا "ستنقذ إسرائيل من نفسها" وتفرض تسوية سياسية عليها، على اليمين الإسرائيلي وأصدقائه الأمريكيين إدراك أن الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط قد انتهت، وأن إسرائيل وسوف تحل مشاكلها مع سوريا وإيران وتركيا وروسيا – ناهيك عن الفلسطينيين – بمفردها.

يختتم هادار مقاله بأنه يمكن للأمريكيين استخدام سلطتهم الدبلوماسية للمساعدة في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين وقوتهم العسكرية لمساعدة إسرائيل على كبح الإيرانيين، لكن في النهاية إسرائيل وحدها!

اضف تعليق