في مساء يوم الأحد التاسع والعشرين من شهر ربيع الثاني 1440 للهجرة الموافق للسادس من شهر كانون الثاني2019 للميلاد، قام بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، الخطيب الحسيني السيد علي الطالقاني، برفقة وفد من الناشطين الدينيين، كان فيهم الرادود الحسيني مصطفى السوداني.

بعد أن رحّب سماحته دام ظله بالضيوف الكرام، قال: يقول القرآن الكريم: (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) سورة الشورى: الآية43. ويقول علماء البلاغة: الإضافة إلى الجمع يعني هذا ظاهر في العموم. فالعزم من الإنسان، والعزائم من الله عزّ وجلّ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. والعراق اليوم بحاجة كثيرة وكثيرة إلى العزم. فخلال العقود الثلاثة الماضية، أي في أيّام البعثيين السوداء، كان لا يمكن العمل على تربية الشباب إلاّ بقليل، ولكن اليوم هذا العمل ممكن مع وجود الحريّة، رغم كل السلبيات، ورغم كل المشاكل.

وبيّن سماحته: إنّ السبب في وجود الشباب الطائشين، والذين لا يعرفون شيئاً من الدين، وكذلك غير الملتزمين من الشباب، هو أنّه لم تتمّ الحجّة عندهم، ويوجد بين هؤلاء قابليات ويمكن أن يخرج منهم من يكون كأبي ذر وكسلمان وكعمار، ففي الحديث الشريف عن الإمام عليّ صلوات الله عليه بأنّ الله تعالى: (...أخفى وليّه في عباده).

وأضاف سماحته: كتب التاريخ انّه كان لرسول الله صلى الله عليه وآله تسعة أعمام، وستّ عمّات. فآمن برسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة من الأعمام وهم أبو طالب سلام الله عليه وحمزة رضوان الله عليه والعباس، وثلاث من العمّات. والتسعة الباقين من الأعمام والعمّات ماتوا على الشرك، وكانوا هم وأبنائهم ضدّ رسول الله صلى الله عليه وآله. فكم كانت هذه المصيبة كبيرة على رسول الله صلى الله عليه وآله. لأنّ أعمام رسول الله صلى الله عليه وآله هم سادات العرب ومن بني هاشم الذين كانوا قمّة العرب وسادات قريش. ونقل التاريخ عن العباس أنّه في يوم ما هدموا ميزاب بيته، فصاح العباس صيحة قويّة، ولقوّة هذه الصيحة، أجهضت أمرأة حامل كانت مارّة في الطريق لسماعها صيحة العباس. وفي هذا الصدد قال أحد الخطباء وهو المرحوم السيد كاظم القزويني: أين كان هذا الصوت يوم آذوا السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. فالعباس لم يك من المدافعين عن السيّدة الزهراء صلوات الله عليها.

وقال سماحته مبيّناً أيضاً: ومن أعمام رسول الله صلى الله عليه وآله التسعة الذين ماتوا على الشرك هو أبي لهب، وقد حارب رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً. وقسم من هذه الحرب ذكرها القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) سورة القلم: الآية51. وهذا القول كان يصدر من أبي لهب. وكلمة (إنّه) هي تأكيد، واللام في (لمجنون) هي لام القسم، وهذا يعني تأكيد على تأكيد، أي حتماً، والعياذ بالله، بأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله مجنون. وقسم ذكرته الروايات الشريفة، ومنها انّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يمشي في الأسواق ويدعو الناس إلى الله تعالى، وكان أبو لهب يمشي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله ويضرب رسول الله صلى الله عليه وآله بحجر محدّد، أي منبّل وجارح، ويدمي جسم رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان يصيح ويقول في الناس أيّها الناس هذا ابن أخي وأنا أعرفه، هو مجنون، ولم ينفع معه أي دواء ولا أي علاج. وذكرت الروايات أنّه أدمى عرقوبي رسول الله صلى الله عليه وآله. والعرقوب هو أغلظ عصب في بدن الإنسان، ويكون في آخر القدمين، وإذا تعرّض هذا العرقوب للأذى أو أصيب وأصابه شيء، فسيجعل صاحبه متألّماً لآخر لحظة من عمره، لأنّه يصعب علاجه أو لا يمكن. وهذا يعني انّ رسول الله صلى الله عليه وآله ولآخر لحظة من عمره الشريف كان يتحمّل آلام عرقوبيه المصابين. ومع كل هذا الأذى الذي تعرّض له رسول الله صلى الله عليه وآله ورغم تكرّر تلك التصرّفات من أبي لهب، لم أجد أنا شخصياً في التاريخ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد عاتب أبي لهب حتى لمرّة واحدة، ولم يقل له لماذا تتصرّف هكذا معي، حتى لمرّة واحدة، أبداً. والله تعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب: الآية21. فإذا هكذا عزم الإنسان، فسيوفّق كثيراً، وإلاّ فالسلبيات والمشاكل تحطّم الإنسان ولا تجعله يوفّق. وهذه هي الحياة، وعلى الإنسان أن يواصل رغم كل السلبيات، وحتى بهذا المستوى.

كما أوضح سماحته وقال: العراق بحاجة إلى التضحيات، ولا أقصد التضحيات بالرقاب فقط، بل التضحية بالوقت، ومنها الجلوس مع الشباب والاستماع إليهم وإرشادهم. فرسول الله صلى الله عليه وآله جلس جلسة واحدة مع أبي ذر، فصار كما نعرفه ويعرفه التاريخ والعالم، وقال بحقّه رسول الله صلى الله عليه وآله: (واللّه ما أقلّت‌ الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر). ويوجد أمثال أبي ذر بين الشباب أيضاً، ولكن هذا الأمر بحاجة إلى عملية انتشال الشباب، وتحمّلهم. فالعراق هو بلد أهل البيت صلوات الله عليهم، ورغم كل المشاكل المؤسفة فيه، يمكن عبر إصلاح العراق إصلاح العالم كلّه وليس المنطقة فقط، وذلك عبر تربية الشباب وفق تربية أهل البيت صلوات الله عليهم. فعشرات الملايين من الزائرين الذين يفدون على العراق سنوياً من سائر دول العالم، لزيارة العتبات المقدّسة في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية المقدّستين وسامراء المشرّفة، هؤلاء يحتّكون بشباب العراق ويلتقون بهم، ويأخذون انطباعهم عنهم، فيعكسونه على العالم، ويتم التغيير.

وقال الضيف الكريم السيد علي الطالقاني: سيّدنا كلماتكم أعذب من أي مشروع آخر.

فقال سماحته دام ظله: أنا هذه الكلمات أذكرها لكم ولأمثالكم.

وقال السيد الطالقاني: سيّدنا أنا أشكر لطفكم وما تفضّلتم به، وكما تعرفون أنّ الساحة في العراق اليوم تشهد اللادينية المنتشرة، والحركات العقدية التي سمعتم بها، وهذه لا شكّ تستهدف الشباب. وحالياً يحاول جمع من الطلبة والأساتذة في الحوزة العلمية في كل الاتجاهات، يحاولون توفير الخطاب المقنع والخطاب النافع، والتركيز على الإنسان. وهذا بحاجة إلى دعائكم، حقّاً وجدّاً.

فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: يقول الله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) سورة الفرقان: الآية77، ويقول: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) سورة النجم: الآية39. ولا بدّ أنّكم تعرفون أنّ أحد معاني السعي هو الركض، كما في قوله تعالى: (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) سورة القصص: الآية20، فهذا العمل بحاجة إلى السعي.

وأردف سماحته بقوله: في زمان الشيخ المفيد قدّس سرّه الشريف، كان يوجد في مدينة بغداد حرية، وكان الشيخ المفيد متصدّياً للبحث والنقاش مع مختلف الأديان ومع غير الشيعة، من علمائهم بالخصوص، وكثير منهم تشيّعوا على يديه. وقد نقل عن أحوال الشيخ المفيد، المرحوم السيد المرعشي النجفي قدّس سرّه، وقال: جاء إلى الشيخ المفيد ذات يوم، جماعة من علماء العامّة، من قرية من إحدى قرى أطراف بغداد، وقالوا له جئنا لنناقشك لنعرف ما عندك. فقال لهم الشيخ المفيد: أنا حالياً لدي مواعيد كثيرة ولمدّة اسبوع كامل، ولا يوجد عندي مجال للجلوس معكم إلى مدّة اسبوع، فتعالوا بعد اسبوع. قالوا له: ونحن أيضاً لا وقت ولا مجال لدينا، وجئنا لنناقشك ونرجع. فقال الشيخ المفيد: أنا مواعيدي كثيرة، ولا يوجد عندي مجال إلاّ في ساعتين قبل أذان الفجر حيث لا يوجد فيهما موعد مع أحد. فقالوا له: حسناً نأتيك في هاتين الساعتين. فجاؤوا إليه في ذلك الوقت، وجلس معهم الشيخ المفيد، وناقشهم وانصرفوا.

وعلّق سماحته على ذلك وقال: بلى بهذا السعي صار الشيخ المفيد، الشيخ المفيد ومن الأكابر، وهذا هو السعي.

وقال السيد الطالقاني: أنا أبلّغكم سلام ودعاء طلبة العلوم الدينية جميعاً، في النجف وكربلاء، الذين التقيت بهم.

فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: عليكم وعليهم السلام. واعلموا انّ عمل الأنبياء عليهم السلام، كان متعباً، وهذا لا بدّ منه، لأن الإنسان يذهب إلى الآخرة، فلا ينفعه فيها مقدار ما أكله وكم أكل وكم نام، بل كم تحمّل، فالأجر على قدر المشقّة.

بعدها خاطب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله الرادود مصطفى السوداني، وقال له: أنت تنظّم الشعر أيضاً أم تقرأ فقط؟ قال: أقرأ فقط. قال سماحته: أبدأ بنظم الشعر، فهذه القريحة موجودة اقتضاء حسب الاصطلاح العلمي في كل إنسان. فنظّم الشعر خلال سنة، في كل ليلة بيتين من الشعر، ولا تعرضه على أحد، وستكون بعدها جيّداً، وحتى بعد مئات السنين يقرؤون ما نظمته من الشعر. فابدأ من هذه الليلة بنظم بيتين من الشعر للسيّدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها، وغداً للسيّدة أمّ البنين سلام الله عليها، وبعدها لرسول الله صلى الله عليه وآله، وبعدها لأهل البيت صلوات الله عليهم ومن يرتبط بهم. ونظّم للشيخ المفيد أيضاً. وهؤلاء سيدعون لك وتوفّق.

اضف تعليق