وكالة النبأ للأخبار/ علي ياحي من اشبيليا- اسبانيا

مثل كل مدينة كبيرة في اوروبا، فان اشبيليا، عاصمة الاندلس، لها نصيب واسع من السياحة، لما بها من معالم ومواقع تاريخية وسياحية وطبيعية تستهوي السياح الذين يقصدونها من كل اقطار العالم، ومن بين المعالم التاريخية المهمة "برج الذهب" الذي زارته وكالة النبأ للأخبار للاطلاع على اسراره وتقديمها للقراء الكرام.

تضم مدينة اشبيليا بقايا زمن غابر يوثق لمرور العرب والمسلمين في أوروبا، وهي جزء من اقليم مكث فيه المسلمين حوالي خمسة قرون، وهو اقليم الاندلس، ففي كل زاوية تجد معلم أوموقع أوحجر أوشجر يروي لك فترة مزدهرة عاشتها المنطقة مع حكم المسلمين، عمارة وهندسة ودقة في الانجاز وزينة في التصميم تضع الزائر بين الاستغراب والدهشة، وبرج الذهب أو"Torre Del Oro"، واحد من هذه المعالم التاريخية والسياحية في اشبيليا.

 ينتصب هذا البرج الحجري المهيب وكأنه شاهد على الماضي الحربي والعمراني المجيد لحضارة الإسلام في الأندلس بأسرها وفي مدينة أشبيليا على وجه الخصوص، فـ"برج الذهب" ليس سوى البقية الباقية من أسوار وأبراج دولة الموحدين، وقد اكسبت اشبيليا شهرة كواحدة من أكثر المدن الأندلسية مناعة.

"برج الذهب" يقع على نهر الوادي الكبير في مدينة اشبيليا، من تشييد أبو العلاء ادريس الكبير، اخر أمراء الموحدين بالأندلس، حيث أمر ببنائه في سنة 617هجري الموافق لـ1221ميلادي بعدما استبد به الخوف من هجمات الغزاة، وأوصله بأسوار قصره عبر ممر قصير عمودي، يسمى لدى أهل الأندلس "الكورجة"، حسب الروايات الموثقة في كتب التاريخ.

ويعتبر "برج الذهب" تقليد معماري اسلامي مقتبس من بلاد المغرب الاقصى، وحسب الاساطير التي لا يزال بعض الاندلسيين يروونها، فان "برج الذهب" يصعب على أسلحة العصور الوسطى تخريبه بسهولة، لذا فقد كان حصنا منيعا يدافع عن اشبيليا بقوة.

الكثير من السواح يتبادر الى أذهانهم تساؤل حول اسباب تسمية البرج بـ"برج الذهب" رغم أنه مشيد بالحجارة، حيث يفسر المؤرخون تسمية البرج  بـ"برج الذهب"، بأن جدرانه الخارجية كانت مكسوة ببلاط خزفي ذهبي، وقد حافظ الاسبان على نفس الاسم بعد استيلائهم على أشبيليا في عام 646هـ /1248م، غير ان هناك روايات إسبانية تذكر أسبابا اخرى للتسمية ومنها من تتحدث عن ايداع الملك "بدروالأول"، كنوزه ومنها الذهب، في هذا البرج، ومنه سمي "برج الذهب"، فيما تشير أخرى الى تخزين الذهب والفضة القادمة من أميركا بداخله، حينما كانت اميركا اللاتينية خاضعة للتاج الإسباني في القرن السابع عشر.

يتكون برج الذهب من جزئين، ويبلغ ارتفاعه حوالي37 مترا، وقد شيدت قاعدته وزواياه بالحجر في حين جدرانه بالطوب الأحمر، وصمم جزئه السفلي المكون من ثلاثة طوابق تربط بينها سلالم حجرية، بشكل هندسي متعدد الاضلاع، 12 ضلعا تتراوح اطوالها بين 4.10 - 4.20 متر، بينما يبلغ قطره 15 مترا، وارتفاعه 23.10 متر، له باب مشيد بالحجر لا يتجاوز اتساعه 1.25متر، به فتحات للتهوية والاضاءة، وايضا نوافذ اومزاغل، لرمي السهام.

أما الجزء العلوي لبرج الذهب، فهومشيد بالطوب الأحمر، متعدد الاضلاع ايضا، 12 ضلعا، ويبلغ ارتفاعه إلى 8.15 متر، مزين اعلاه بزخارف من الخزف الأندلسي بالألوان الخضراء والبيضاء والزرقاء.

تذكر كتب التاريخ، ان " برج الذهب" ومعه مدينة اشبيليا، صمد خلال فترة حكم المسلمين، ضد حصار إسباني استمر 15 شهرا، حيث لم تفلح خلالها القوة العسكرية الاسبانية في اخضاع المدينة التي اضطر الأندلسيون إلى تسليمها تحت وطأة الجوع، فالبرج لم يسقط وبقي صامدا يروي لزواره قساوة الغزاة وقوة صموده الى غاية اليوم.

أصبح البرج منذ 1994، يستخدم كمتحف تابع للبحرية الإسبانية ، وتم تصميم داخله بتسلسل تاريخي بدقة متناهية، من خلال عدد من اللوحات والرسوم لأشهر المعارك البحرية، وكذا نماذج مصغرة لأنواع السفن، واخرى للأسلحة البحرية، وبعض المدافع من القرن السابع عشر، بالإضافة الى بعض المعدات الاثرية من العصور الوسطى التي استخدمت في البحرية، حيث تم الربط بين البرج وفترة الاستكشافات الجغرافية وما رافقها من حروب واسعة، كما بات البرج في حد ذاته متحفا للفن المعماري الإسلامي، يأتيه السياح من كل اصقاع العالم. انتهى/خ.

اضف تعليق