التنمُّر ليس ظاهرة جديدة في حد ذاته، لكن الوعي به وبأضراره على المدى القريب والبعيد قد زاد مؤخراً بشكل ملحوظ يُمكن لأي طفل أن يكون ضحية للتنمُّر في مرحلة من مراحل حياته، ولمعرفة هذه الظاهرة عن كثب أعددنا هذا التقرير التالي.

ما هو التنمُّر؟ وما هي أنواعه؟

يقول الباحث النفسي، حيدر حسنين، أنّ "التنمُّر هو أحد أشكال العنف الذي يُمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر أو إزعاجه بطريقة متعمّدة ومتكرّرة، وقد يأخذ التنمُّر أشكالاً متعدّدة كنشر الإشاعات أو التهديد أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنياً أو لفظياً أو عزل طفل ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ"، مضيفاً "أمّا أنواعه فهي: بدني مثل: الضرب أو اللكم أو الركل أو سرقة وإتلاف الأغراض، لفظي مثل: الشتائم والتحقير والسخرية وإطلاق الألقاب والتهديد، إجتماعي مثل: تجاهل أو إهمال الطفل بطريقة متعمّدة أو إستبعاده أو نشر شائعات تخصّه، نفسي مثل: النظرات السيئة والتربّص والتلاعب وإشعار الطفل بأن التنمُّر من نسج خياله، إلكتروني مثل: السخرية والتهديد عن طريق الإنترنت عبر الرسائل الإلكترونية أو الرسائل النصية أو المواقع الخاصّة بشبكات التواصل الإجتماعي أو أن يتم إختراق الحساب".

هل تعتبر كل المضايقات تنمُّراً؟

كشفت المشرفة التربوية، علية قدوري، أنّه "لا يوجد طفل لم يتعرّض للإغاظة أو المضايقات من أخ أو صديق، وهذا لا يُعتبر شيئاً ضاراً إذا تمّ بطريقة تتّسم بالدعابة والود المتبادل المقبول بين الطرفين، لكنّنا نعتبره تنمُّراً عندما يكون الكلام جارحاً ومقصوداً ومتكرّراً، بحيث يتخطّى الخط الفاصل بين المزاح والمضايقات البسيطة ويُستخدم الأطفال المُتنمّرون قواهم، سواءً أكانت جسدية أم معرفتهم بمعلومات حسّاسة أو محرجة عن الطفل المتنمُّر عليه أو شهرتهم، للتحكّم أو لإلحاق الأذى بالآخرين"، مضيفةً "هناك ثلاثة معايير تجعل التنمُّر مختلفاً عن غيره من السلوكيات والممارسات السلبية وهي، التعمّد والتكرار وإختلال القوة، وتؤثّر الإختلافات الشخصية وشدّة الفعل المُسيء ومدّته على قوة الآثار التي يتركها على الطفل، ومن تلك الآثار الشائعة: فقدان الثقة بالنفس، فقدان التركيز وتراجع الأداء في المستوى الدراسي، الخجل الإجتماعي والخوف من مواجهة المجتمعات الجديدة، إحتمال حدوث مشاكل في الصحة النفسية مثل الإكتئاب والقلق وحدوث حالات إنتحار".

ما هي الأسباب الشائعة للتنمُّر؟

فيما تُبيّن الناشطة في حقوق الطفولة، ليلى حسن، أنّه "لا أحد يولد متنمُّراً ولكن يُمكن لأي طفل أن يتعلّم سلوك التنمُّر ويُمارسه في ظل ظروف معينه، ومن الأسباب الشائعة التي تجعل الأطفال يتنمّرون هي إنّ أغلب الأطفال الذي يُمارسون التنمُّر هم نفسهم تمّ ممارسة التنمُّر عليهم من قبل، إنّ يكون هؤلاء الأطفال جزءً من إتّفاق عن طريق الإنضمام لمجموعة من المتنمّرين طلباً للشهرة أو الإحساس بالتقبّل من الآخرين أو لتجنّب تعرّضهم للتنمُّر، إكتساب وتعلّم العدوانية والتنمُّر في المنزل أو في المدرسة أو من خلال وسائل الإعلام، الشعور بالإهمال والتّجاهل في المنزل أو وجود علاقة سيئة مع الأبوين، الشعور بالضعف والعجز في حياتهم فحين يتم تضييق الخناق على الطفل بشكّل كبير فإنّه في بعض الأحيان يبحث عن طرق أخرى للحصول على القوة وممارسة السيطرة على الآخرين، الغيرة والبحث عن الإهتمام لجذب الإنتباه، الإفتقار الى الشعور بالأمان النفسي والعاطفي، تجارب سابقة نتجت عن تعلّم أنّ التنمُّر يؤدّي لتحقيق الرغبات، عدم الوعي بالأثر السيء الحقيقي للتنمُّر على الضحية".

من جانبها تقول (أسراء الصافي) وهي مديرة مدرسة إبتدائية، أنّ "حالة التنمُّر توجد في المدارس بصورة غير ظاهرة للعيان، لكن يجب أن تُعالج من قبل ثلاث محاور هي: الأهل والإدارة المدرسية والمرشد التربوي، للتقليل منها ومحاربتها قبل أن تتولّد عند البعض وأيضاً عدم التهويل لها لكي لا تكون سلوكاً لبعض المنحرفين".

ما هي الأسباب الرئيسية للظاهرة؟

فيما يرى الباحث والتدريسي في جامعة كربلاء، الدكتور سعدي الإبراهيم، أنّه "تُعتبر المدرسة من أهم وسائل التنشئة في كل دول العالم لما لها من صلة وثيقة مع الإنسان وهو في مُقتبل حياته، فالأطفال في بداية حياتهم يكونون أشبه باللوح الأبيض الذي يسهل الكتابة عليه، وهنا يأتي دور المعلّم في زرع القيم والأخلاق في ذهن التلاميذ وفق منهج وخطة علمية مدروسة ومعدّة مسبقاً"، مضيفاً أنّ "التلميذ الذي يتعرّض للتنمُّر ممّن يُحيطون به سوف يكره الدراسة ويضطر للإنطواء والإبتعاد عن الآخرين وربّما يترك المدرسة وتتحوّل هذه السلوكيات الى عادات نفسية تصل الى درجة العقدة الدائمة".

ويُبيّن الإبراهيم، أنّ "الدور الإيجابي للمدارس قد لا يأتي بثماره إذا ما كانت هناك مشاكل ومعوّقات، ومن أهم تلك المعوّقات هو ما أخذ يُعرف علمياً بظاهرة (التنمُّر) التي تنتشر في أغلب دول العالم وبالأخص غير المتقدّمة منها، وهي تتمثّل بتعرّض التلميذ للإعتداء والعنف بشتّى أشكاله سواء من قبل المعلمين أو من قبل زملائه، مهما كان نوع الإعتداء سواء باللفظ أو اللمس أو الإيحاء، بالأخص إذا ما كان التلميذ فيه علامة تميّزه عن غيره مثل اللون أو المرض أو الشكل أو الأصل أو الدين أو اللغة أو شيء آخر، يتّخذه من حوله وسيلة لإهانته وإزعاجه "مشيراً الى أنّ "العراق هو الآخر بات يُعاني من هذه الظاهرة، فالكثير من الأطفال يتعرّضون للتنمُّر في المدارس، ولعلّ أسبابها الرئيسة تكمن في الآتي:

1- إنشغال وزارة التربية بمشاكل أخرى بسبب الظروف التي مرّ بها العراق، فإنّ وزارة التربية باتت منشغلة بالكثير من المشاكل مثل عدد المدارس القليلة والطلبة النازحين ومعالجة حالات الغش وغيرها، وهذا الإنشغال بهذه المشاكل صار على حساب الإهتمام بالحالات الإجتماعية والنفسية للتلاميذ وبالأخص ظاهرة التنمُّر.

2- إنشغال الأب والأم بمشاكل أخرى إذ لا يختلف حال الوالدين أو ذوي التلميذ عن حال الوزارة فهم أيضاً مشغولون بمشاكل أخرى على حساب الأبن الذي يذهب الى المدرسة، فلا أحد يتابع دراسته أو حالته النفسية وبالتالي يُترك لوحده يُواجه ظاهرة تُولي لها الأسر في دول أخرى أهمية قصوى.

3- الآثار التي تركها العنف والتي لا حصر لها، إذ أمسى حتى الأطفال من المُمكن أن يتّخذوه وسيلة لهم للتعبير عن سطوتهم وحبّهم للبروز على حساب غيرهم عبر الإعتداء على الآخرين بالأقوال والأفعال.

قالوا لكل داءٍ دواء، ولعلّ من أهم الآليات العلاجية للتنمُّر هي، توعية وتوجيه الكوادر التدريسية، فلابد من إدخال الكوادر التدريسية في دورات مكثّفة حول ظاهرة التنمُّر وطرق مواجهتها وعلاجها، إدخال مواد دراسية حول الموضوع، كأن تكون مناهج تعليمية توضّح الظاهرة وتُشجّع التلاميذ على مواجهتها والتخلص منها، توعية الآباء والأمهات من خلال عقد إجتماعات دورية لهم وتوعيتهم لمتابعة أحوال أبنائهم النفسية في المدارس.انتهى/س

وكالة النبأ للأخبار/عدي الحاج

اضف تعليق