تسعى دول الخليج إلى عقد صفقات أسلحة حديثة ومتطورة، آخرها كانت الصفقة التي عقدتها قطر مع فرنسا لشراء مقاتلات رافال، وتشير هذه التحركات إلى أن المنطقة قد دخلت في سباق تسلح خطير. فما هي الأسباب والدوافع في هذا التوجه؟

يبدو أن التسلح بأحدث الأسلحة وأكثرها نجاعة أصبح الهم الشاغل للعديد من الدول العربية وخاصة بالنسبة لدول الخليج، فبعد مصر التي عقدت صفقة مع فرنسا للحصول على 24 طائرة حربية من نوع رافال، ها هي قطر بدورها تبرم مع شركة داسو الفرنسية عقدا بقيمة 6.3 مليار دولار لتزويدها أيضا بـ 24 طائرة من نفس الطراز. ووفقا لصحيفة نيوروك تايمز الأمريكية في عددها الصادر قبل بضعة أيام، فإن الصفقة تتضمن بندا يسمح برفع عدد طائرات رافال المقتنية إلى 36 طائرة. ويبدو أن الإمارات ترغب أيضا في التزود بطائرات رافال الفرنسية. هذا ما تردده على كل حال مصادر فرنسية مطلعة، وفق ما نقلته وكالة فرانس برس عقب الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان لأبو ظبي.

من جهتها، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة منها السعودية، إلى الحصول على أنظمة أسلحة أمريكية جديدة وضمانات أمنية من قبل واشنطن، حسب صحيفة وول ستريت جورنال في عددها الصادر قبل عدة ايام عن مسؤولين عرب وأمريكيين. فما الذي يدفع بالخليجيين إلى التسابق في التسلح؟ وماهي الدوافع التي تجعل إمارة صغيرة من حيث المساحة والتعداد السكاني مثل قطر إلى عقد صفقة تلو الأخرى للحصول على أسلحة متطورة، خاصة وأن لديها جيشا صغيرا لا يتجاوز عدده 12 ألف جندي.

"التسلح من أجل كسب وزن استراتيجي"

يعتبر الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط يوخن هيبلر في حديث لـ دي دبليو عربية: أن قطر "تتبع في السنوات الأخيرة سياسة خارجية ذات أهداف طموحة، واتضح هذا الأمر في سوريا وفي غيرها من الدول بشكل مباشر أو غير مباشر. وشراء طائرات رافال يشكل دعما عسكريا لهذه السياسة الخارجية التي تسعى إلى كسب نفوذ على الصعيد الدولي." في واقع الأمر شاركت قطر في حملة الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، وفي شن ضربات جوية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا وفي حملة التحالف الدولي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن. ويبدو أن الهدف الأساسي من وراء هذا التحرك السياسي والعسكري هو العمل على "لعب دور استراتيجي أكبر في منطقة الشرق الأوسط"، وفق تحليل صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر في 30 من أبريل/نيسان الماضي.

وتضيف الصحيفة قائلة: "لقد رأت قطر أن أهمية دورها الاستراتيجي قد ازدادت في السنوات الأخيرة وسط التوترات السياسية التي يشهدها الشرق الأوسط بالإضافة إلى الصراعات المسلحة في كل من اليمن والعراق وليبيا وسوريا."

قطر ودورها المزدوج

أما صحيفة ليزيكو الفرنسية فترى في عددها الصادر اليوم الاثنين (الرابع من مايو/أيار) أنه من خلال مساعي قطر في كسب وزن على الصعيد الدولي من خلال تنظيم فعاليات عالمية على غرار مونديال 2022، ودعم جهات سياسية معينة على غرار الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية في خضم أحداث ما يعرف ب"الربيع العربي" فإنها تلعب بذلك دورا مزدوجا. وتكتب الصحيفة قائلة: ""قطر تحظى بامتياز مشكوك فيه كونها توجد في الصفوف الأولى أو بالأحرى كفاعل مؤثر في حربين قد ينتشر لهيبهما في المنطقة بأسرها (أي اليمن والعراق وسوريا) وأيضا في منطقة تتسم بالعداء بين الرياض وطهران، على بعد أقل من ثلاث ساعات جوا من أغلبية مواقع الأزمات القائمة حاليا (مثلا في الصومال وأفغانستان وجنوب السودان)."

وكانت الدوحة قد وقعت في يوليو/تموز الماضي على صفقة مع الولايات المتحدة بـ 11 مليار دولار لشراء صواريخ ومروحيات عسكرية. وفي مارس/آذار أبرمت عقدا مماثلا لشراء طائرات حاملة للوقود ومروحيات أباتشي الأمريكية." ومن خلال هذه الصفقات دعمها لقوى سياسية معينة على غرار الإخوان المسلمين، فإن "هذه الإمارة الصغيرة التي لا يتعدى عدد سكانها 2,3 مليون نسمة، منهم فقط 13 بالمائة مواطنون قطريون، تحاول تعويض عدد سكانها القليل من خلال كسب أسلحة متطورة من أحدث طراز"، كما تقول صحيفة ليزيكو الفرنسية.

سياسة كسب الحلفاء من خلال المال والسلاح

السعودية أيضا تنهج سياسة التسلح وتقوم بدعم دول أو أطراف معينة. فهي تعمل على دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتدعم الجيش اللبناني من خلال تسليحه لتقوية شوكته إزاء حزب الله الشيعي الذي تدعمه إيران. كذلك الأمر بالنسبة للإمارات التي لم تتأخر في عقد صفقات أسلحة ودعم دول معينة على غرار صفقتها مع فرنسا أخيرا لتزويد تونس بالسلاح بعد أن تولى الباجي قايد السبسي الحكم خلفا لحزب النهضة الإسلامي.

هل الوضع المتفجر في المنطقة هو ما يدفع بدول الخليج إلى التسلح؟

ويبدو أن الوضع المتفجر في المنطقة هو ما دفع بدول الخليج إلى التسلح، خوفا من سقوط أنظمتها ومن أية اضطرابات داخل حدودها. وفي سياق متصل يقول الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط يوخن هيبلر: "نحن نعيش الآن في الشرق الأوسط وخاصة في منطقة الخليج سباقا في التسلح فرضته التطورات الأخيرة. فإذا ما نظرنا مثلا إلى المملكة السعودية، فسنجد أنها تقع من جهة في منافسة حادة ومنذ عقود مع إيران، عدوها اللدود في المنطقة، ومن جهة أخرى أصبحت الأزمات تقوم على أبوابها، على غرار الوضع المتوتر في اليمن والحرب في العراق، حيث سيطر تنظيم "داعش" على أجزاء واسعة منه، ناهيك عن الحرب المتواصلة في سوريا منذ أربع سنوات. يضاف إلى ذلك أن نفوذ السعودية في المنطقة يتسم بالتراجع إزاء تنامي النفوذ الشيعي الإيراني في كل من لبنان والعراق واليمن أيضا." حسب الخبير هيبلر

حجم الإنفاق العسكري في العالم العربي ارتفع بنسبة 5 بالمائة مقارنة بعام 2014، وفقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) الذي صدر في منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي. السعودية تشكل نصيب الأسد في ذلك، حيث ارتفع حجم الإنفاق العسكري فيها بنسبة 17 بالمائة ليصل إلى نحو 81 مليار دولار، بحسب المعهد، فيما ارتفعت النسبة في كل من لبنان والعراق بنسبة 15 بالمائة. وإذا ما ثبتت إمكانية نجاح إيران في صنع سلاح نووي، "فمن غير المستبعد أن تسعى السعودية بدورها إلى كسب سلاح نووي أيضا، ربما بطريقة تختلف عن الطريقة الإيرانية، ولكن السعوديين لن يتوانوا في الدخول في سباق نووي في المنطقة"، كما يحلل الخبير هيبلر.

اعداد/ خالد الثرواني

اضف تعليق