تسلط صحيفة "بلومبيرج" الضوء على أخطاء التحالف السعودي في اليمن، وكيف يمكن أن تؤدي خيارات الرياض الخاطئة في التحالف مع بعض القوى المحلية "المتشددة" إلى تقويض جهود السلام، حتى لو توقفت المعارك مع الجيش اليمني واللجان الشعبية.

وتفتتح الصحيفة تقريرها بالقول: كافح التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن طويلاً لكبح جماح أعدائه، لكن، وفيما تتصاعد الضغوط الدولية لوقف تلك الحرب باهظة الكلفة، يبدو أن الخيارات التي انتهجتها الرياض حين شرعت في نسج تحالفات مع شركاء محليين على أرض المعركة ستفضي بالنهاية إلى تقويض جهود السلام.

لا ضوء في نهاية النفق

ففي سبيل السيطرة على اليمن قامت السعودية والإمارات بنسج شبكة واسعة من التحالفات مع مجموعات محلية بما في ذلك إسلاميين راديكاليين على صلة بتنظيم القاعدة.

وبالنسبة لأي شخص لديه معرفة بالتاريخ القريب للمنطقة، منذ حرب الولايات المتحدة في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وحتى الصراعات في روسيا وليبيا، فإن هذا يرسل بإشارة تحذير واضحة: بإمكان الوهابيين أن يساهموا في هزيمة عدو مشترك، لكن بنادقهم لا تلبث أن تتوجه في النهاية صوب داعميهم السابقين.

تلقت الرياض -بحسب "بلومبيرج"- الدعم في البداية من الولايات المتحدة الأمريكية لشن الحرب على اليمنيين، لكنها الآن تتعرض لضغوط من واشنطن للدفع باتجاه محادثات سلام بعد حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ولكن حتى لو تم إحراز بعض التقدم في هذا الصدد، فإن الشبكة التي نسجتها مع المجموعات المتطرفة قد تعني أن القتال في البلاد لن ينتهي قريبًا.

وتوضح مدينة تعز مثالاً بارزًا على تلك التعقيدات، ففي عام 2016، احتل التحالف السعودي المدينة التي تعد ثالث أكبر المدن اليمنية، وقد تم ذلك بالتعاون مع مجموعات سلفية محلية، وعناصر من مدرسة وهابية متصلة بالتفكير الديني الذي تنتهجه القاعدة وتنظيم داعش، وبدعم من قوات أخرى مدعومة من التحالف، تمكن هؤلاء من تأمين ممر آمن جنوب غرب المدينة، لكن تلك الخطوات لم يتبعها استقرار في المنطقة.

مدينة الحديدة اليمنية

بدلاً من ذلك، تتابع الصحيفة، وقعت أجزاء من مدينة تعز تحت سيطرة "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" حتى وقت قريب من العام، كما ظلت المدينة أرضًا خصبة لميليشيات منافسة، وفقًا لمصادر محلية. ووفقًا لآم بارون، وهو زميل زائر في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية في لندن، فإن تنامي المجموعات السلفية المتطرفة، وتكاثر الجماعات المسلحة "يخلق وضعًا خطيرًا قابلاً للانفجار في أي لحظة"، ويضيف بارون: "حتى لو اختفى الحوثيون من الصورة، فإن من الصعب أن تعود الأمور إلى نصابها".

وتتابع الصحيفة: حين أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 2015 شرارة الحرب في اليمن، كان مستشاروه يتوقعون نصرًا سريعًا، وتم الإعلان بالفعل بعد أسابيع قليلة من الحملة أن الخطر الحوثي قد تم تحييده أخيرًا. لكن اليوم وبعد حوالي أربعة أعوام، تشير التقديرات إلى أن حصيلة قتلى الحرب تصل إلى عشرات الآلاف، فيما يواجه الملايين في البلاد المجاعة والأمراض.

على خط النار، يقع ميناء الحديدة في الغرب، حيث يدخل منه 70% من إمدادات اليمن من الغذاء والمساعدات، وقد قام الطرفان بتعليق هجماتهم في المنطقة في الأسبوع الماضي، وأرسلوا إشارات إلى استعدادات لحضور محادثات السلام في السويد هذا الشهر.

لكن وراء الخطوط السعودية، مكنت الحرب "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" من إحكام قبضته على المحافظات الشرقية البعيدة (في الوقت الذي تم فيه طرد تلك الميليشيا فقط من بعض المدن مثل المكلا بمساعدة الإمارات). كما لعبت الجماعات الإسلامية دورًا محوريًا في السيطرة على المحافظات الجنوبية وعدن، حيث تواجه الحكومة التي يرأسها حليف الرياض عبد ربه منصور هادي ضغوطًا كبيرة من الانفصاليين القريبين من الإمارات. كل تلك الفوضى تقوض قدرة هادي على إحكام قبضته على السلطة، حتى في المناطق البعيدة عن نفوذ الحوثيين.

السعودية تراهن على "سلفيين متشددين" في حرب اليمن

وتسرد "بلومبيرج" قصة المقاتل السلفي عادل عبده فارع، الشهير بـ"أبو العباس" الذي قد يجسد هذا اللغز. بدأ أبو العباس مجموعته بدعم من الرياض وأبوظبي، واستخدم مقاتلوه المسلحون (بعضهم يرتدي أزياء على الطريقة الأفغانية) عربات ترفع أعلام اليمن والإمارات لطرد الحوثيين من بعض المناطق في تعز، وقد تم تصنيفه من قبل الولايات المتحدة (ولاحقًا الإمارات والسعودية) باعتباره "إرهابيًّا".

قاتل أبو العباس لسنوات، في البداية وقف في جانب الحكومة في نزاعها مع الحوثيين بين عامي 2004 و2010، في وقت كان فيه يتلقى العلم في مدرسة سلفية بقرية دماج الشمالية. لكن، وبعد ذلك بثلاث سنوات، طُرد أبو العباس (كان يومًا ما معروفًا بحبه للرياضة وعشقه لمنتخب الأرجنتين لكرة القدم) مع مئات المقاتلين السلفيين الآخرين إلى القرية حينما هاجمها الحوثيون. تلاشت الرياضة من حياة الرجل ليأخذ الخطاب الديني زمام السيطرة.

أحد الذين تخرجوا في المدرسة السلفية -تتابع الصحيفة- نفسها هو هاني بن بريك، الذي ساعد في استعادة السيطرة على مدينة عدن وظهر في بعض الصور مع ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد آل نهيان، كان ابن بريك وزير دولة في عدن قبل أن يقرر أن يلقي بثقله خلف الانفصاليين في الجنوب.

أبو العباس، قيادي سلفي مدعوم إماراتيًا في اليمن

ويشغل التلاميذ السابقون من دماج كذلك بعض المواقع القيادية في ألوية العمالقة، التي تضم كذلك أعضاء في القاعدة، وفقًا لمقاتلين في المجموعة. كانت تلك الألوية في مقدمة الصفوف التي تحارب الحوثيين في الحديدة، وهي تأتمر بأمر عبد الرحمن المرحمي (35 عامًا) الذي يرى كذلك أن الشريعة الإسلامية تحرم التصوير.

أوجد تنظيم القاعدة إذًا قاعدة له في اليمن (التي كانت قبل ذلك موطنًا لأسامة بن لادن قبل عقد من الزمان)، تجتذب المسلحين من شتى أنحاء العالم. وقبل الحرب، كان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قد أضعفته كلا من هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية والصفقات التي عقدها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.

وتختتم الصحيفة تقريرها برأي فارس المسلمي، وهو زميل مشارك في مركز أبحاث "تشاثام هاوس" فإن "السعودية والإمارات يلعبان لعبة خطرة ومغامِرة بتسليح هؤلاء"، وتضيف: "تسليح السلفيين هو تهديد مزدوج، هؤلاء الآن هم جيل جديد من الأفغان العرب". انتهى/خ.

اضف تعليق