أنهت الصين رسميا سياسة إنجاب الطفل الواحد، بعد حوالي 36 سنة من تطبيقها إجباريا على الزوجين، حتى لا ينجبوا أكثر من طفل؛ لتقليص الزيادة السكانية للدولة التي تتصدر قائمة الدول العالمية من حيث عدد السكان ب1.36 مليار نسمة.

واستبدلت الصين بتلك السياسة سياسة أخرى: تسمح للزوجين إنجاب ما لا يزيد عن طفلين؛"لتحقيق نمو سكاني متوازن، ومواجهة تزايد نسبة الشيخوخة"، بحسب البيان الرسمي الذي أعلنه الحزب الشيوعي مطلع نوفمبر الجاري، ويقف وراء هذا البيان إحصاءات وأرقام لأهم شقين ركز عليهما البيان وهما: مواجهة الشيخوخة ، وتحقيق نمو سكاني "متوازن"،  وتلك الأسباب لا تنفصل بشكل أو بآخر عن الدوافع  الاقتصادية.

 وفي هذا التقرير نسلط الضوء على التجربة الصينية في سياسات تنظيم الأسرة، مع التركيز على الأسباب التفصيلية التي دفعت الحكومة لإحداث تلك التغييرات، والتي كانت في مجملها اقتصادية  وديموغرافية :

(1) زيادة الشيخوخة وتقلص أعداد القادرين على العمل

وصلت معدلات كبار السن والشيخوخة في الصين لنسب عالية جدا من مجمل عدد السكان؛ كنتيجة لتطبيق سياسة إنجاب الطفل الواحد منذ عام 1979، وهو ما انعكس بالسلب على عدد الصينيين القادرين على العمل، وإلى  تقليص عدد السكان في النطاق العمري الأصغر نسبيا.

و يبلغ نسبة السكان الذين تبدأ أعمارهم من 60 فأكثر، إلى أكثر من 13% من مجمل عدد السكان، وتشير تقديرات الأمم المتحدة أن الصين بحلول عام 2050 سيصل عدد السكان الأكبر سنا من 60 سنة إلى 440 مليون نسمة.

وتبلغ نسبة السكان التي تتعدى أعمارهم سن ال50  نسبة تصل إلى 30 % من مجمل عدد السكان، ذلك في الوقت الذي تنخفض فيه نسبة السكان الأطفال والشباب، وبذلك يزداد معدلات السكان الخارجين من “القوى العاملة” ويتقلص أعداد السكان المٌقبلين على سن العمل، وهو ما يحول دون الحفاظ على النمو الاقتصادي.

 وقد وصل عدد السكان في سن العمل (16-59) إلى 3.71 مليون، وهو رقم صغير بالنسبة لمن هم فوق سن الـ60  كما أظهرت الأرقام سالفة الذكر.

(2)  تباطؤ النمو الاقتصادي

شهدت الصين الدولة التي تحتل المركز الثاني كأقو ى دولة اقتصاديًا في العالم، تباطؤ نسبي في النمو الاقتصادي أو الناتج الإجمالي المحلي،  ووصل لأقل نسبة له منذ 6 سنوات، عندما وصلت نسبة النمو في الربع الثالث من آخر عام مالي إلى حوالي7%  وهو انخفاض ملحوظ لتلك الدولة التي كان لها بالغ الأثر في النمو الاقتصادي العالمي لعقود طويلة.

وقد بدأت المؤشرات المنخفضة  في الظهور عندما وصل معدل النمو الاقتصادي إلى 7.4% في عام 2014 ممثلا بذلك النسبة الأقل منذ عام 1990 وأرجع الخبراء أحد أسباب تباطؤ النمو الصيني إلى ضعف القوة العاملة وقلة أعداد المقبلين على العمل.

(3)  قنبلة ديموغرافية موقوتة!

السبب الثاني الذي ركز عليه البيان الرسمي للحزب الشيوعي هو المساعدة في تحقيق نمو سكاني “متوازن”، وهذا السبب تم وضعه؛ نظرا لخلل كبير بين نسبة الذكور والإناث في الصين باتباع سياسة إنجاب الطفل الواحد، وصفه المحللون بأنه أقرب للقنبلة الديموغرافية الموقوتة.

ومنع الحزب الشيوعي منذ الثمانينات ولادة حوالي 400 مليون طفل تنفيذا لسياسات انجاب الطفل الواحد،  وتظهر  إحصاءات صينية أن عدد عمليات الإجهاض في الصين وصلت ل 336 مليون عملية إجهاض.

وكانت معظم عمليات الإجهاض تلك تتم بشكل انتقائي، ومعظم من تم إجهاضهم كن من الفتيات، وليس من الأولاد؛  وذلك مرتبط بأسباب اجتماعية واقتصادية ترتبط بثقافة في مجتمع الصين الشرقي، بأن الفتيات قد تٌمثل عبئا اقتصاديا في الوقت الذي يساعد الفتيان الوالدين في تحمل الأعباء الاقتصادية .

 إن اختلال التوازن بين الجنسين ستكون مشكلة كبيرة جدا؛ فهناك من بين 20 مليون و 30 مليون شاب الذين  لن يكونوا قادرين على العثور على زوجة، وهو ما سيؤدي إلى خلق مشاكل اجتماعية، وسيدفع  عددا كبير من الناس الذين يشعرون بالإحباط .

هكذا يعلق ستيف تسانغ، وهو أستاذ في الدراسات الصينية المعاصرة في جامعة نوتنغهام، مؤكدا على الخلل الديموغرافي الذي خلفته سياسة إنجاب الطفل الواحد، والذي سيؤدي إلى أن ملايين الشباب لن يجدوا شريك حياة.

(4) هل ستقدم السياسة الجديدة حلا حقيقي اللأزمة؟

السياسة الجديدة في الإنجاب قد تمثل حلا  ديموغرافيا للأزمة بخلق نوع من التوازن بين، ولكن الدوافع الاقتصادية الشخصية قد تحول دون ذلك؛ ففي 2013 بدأت الحكومة تجريب السياسة الجديدة جزئيا من خلال السماح للزوجين الذين لديهم طفل، وليس كل الأزواج، بأن ينجبوا طفلا آخر إن أرادوا.

وكانت النتيجة صادمة!  إذ بلغ عدد الأزواج الذي أقبلوا على إنجاب طفل ثاني 10% فقط، والبقية اكتفوا  بالطفل الذي لديهم، وترجع انخفاض تلك النسبة إلى ميل الكثير من الأسر  الصينية إلى انجاب طفل واحد؛ نظرا لارتفاع تكلفة تحمل أعباء الطفل وبالأخص في المجتمعات الحضرية.

 وقد توقع محللون بأن تحذو  الصين- في المستقبل-  حذو جيرانها من دول جنوب شرق آسيا  ككوريا  وتيوان وهونج كونج  وسنغافرة، باتباع سياسات تحفيزية ماديا، وخدنية للأسرة كي تنجب طفلا ثاني.

 ويرى سياسيون مؤيدون للقرار بأن كل الأطراف رابحة فالحزب الشيوعي سيحقق أهدافه السياسية والاقتصادية، والأسر التي تريد أن تنجب طفل آخر  سيسمح لها بذلك، فيما يرى حقوقيون أنه لابد من إلغاء قوانين تنظيم الأسرة بالأساس وأن يسمح لكل زوجي بإنجاب ما يريدوا من أطفال.

 المصدر: ساسة بوست

اعداد: وصال الاسدي

 

اضف تعليق