أفادت نتائج أولية نقلتها شبكات تلفزيونية لانتخابات التجديد النصفي بأن السيطرة في الكونغرس الأمريكي ستكون منقسمة العام المقبل بين الديمقراطيين الذين استعادوا الغالبية في مجلس النواب والجمهوريين الذين احتفظوا بتفوقهم في مجلس الشيوخ.

 وسيتمكن الديمقراطيون من انتزاع المقاعد الـ23 المطلوبة للفوز بالغالبية، وفق قناتي "فوكس" و"أن بي سي"، بعدما تغلبوا على مرشحين جمهوريين في ولايات متأرجحة مثل فرجينيا وفلوريدا وبنسلفانيا وكولورادو في انتخابات وصفت بأنها استفتاء على أداء الرئيس دونالد ترامب.

لكن الجمهوريين ردوا الضربة في مجلس الشيوخ المكون من 100 مقعد، فأطاحوا بعضوين ديمقراطيين على الأقل في إنديانا ونورث داكوتا، واحتفظوا بمقعدي تينيسي وتكساس.

وهناك سؤال ملح الآن: هل نجحت سياسات ترامب الخارجية أو ما يمكن تسميتها في نظر بعض المحللين "بلطجة" على العالم، في إنعاش حسابات المواطن الأمريكي الذي انتخبه؟ وهل فعلًا استفاد الاقتصاد الأمريكي من مثل هذه التصرفات؟ إذ كان شعار ترامب الذي نجح به: "الولايات المتحدة أولًا". وقبل الإجابة على هذا السؤال سنحتاج أن نتحدث قليلًا عن الجوانب التي تعامل فيها ترامب بنوع من "البلطجة" مع دول العالم الخارجي، وسنستعرض في هذا التقرير أربعة أحداث كانت الأبرز التي مارس فيها ترامب أسلوب "البلطجة"، سواء على مستوى التصريحات أو المواقف.

1. الخليج.. "أموالهم حقٌ لنا"

تعامل ترامب منذ ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مع الخليج بشكل مختلف وغريب جدًا، إذ استخدم كلمات حادة في معظم خطاباته عكست ابتزازًا صريحًا للخليج عمومًا وللسعودية بشكل خاص، وبالرغم من أن البعض كان يتوقع أن يكون لهذه التصريحات تأثيرًا سلبيًا، إلا أن ما حدث كان على العكس تمامًا، فخلال الأشهر الأخيرة وخلال الفترة التي قضاها ترامب برئاسة أمريكا زاد تدفق الأموال الخليجية على الولايات المتحدة.

فبشكلٍ عام يمكن القول بأن تعامُل ترامب منذ صعوده إلى السلطة مع حُكّام الخليج، كان بمبدأ "ادفع لتبقى"، إذ سبق وأن قال صراحة للملكة السعودية: "لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى"، وأعلن مؤخرًا أنه قال للملك سلمان أنه لن يظل في الحكم لأسبوعين من دون دعم الجيش الأمريكي. ويمكن القول بأن ترامب قد جعل من هذا المبدأ سياسة واقعية، وبالفعل حقق نتائج  على مستوى علاقته مع الخليج.

ويمكن القول أيضًا أن أموال الخليج بمثابة عنصر أصيل في الاقتصاد الأمريكي، فبرغم ضخامة الاقتصاد الأمريكي، إلا أن أموال الخليج تعد قطاعًا اقتصاديًا مهمًا بالبلاد، إذ لا يختلف تأثيرها عن أيّ قطاعٍ حيويٍّ بأمريكا، وهو الأمر الذي يظهر جليًّا في الاهتمام الأمريكي الكبير بدول الخليج، هذه الأهمية الحيوية التي لعب عليها ترامب بقوة ونجح بالفعل في تحقيق الكثير من خلال هذا الابتزاز.

وفي 21 مايو (أيار) 2017، قال ترامب إنه تم عقد اتفاقيات وصفقات تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي استضافتها الرياض آنذاك، موضحًا أن هذه الاتفاقيات التاريخية تخلق آلافاً من فرص العمل في أمريكا، ولم تكن هذه الاتفاقات إلا مجرد بداية للعديد من الاتفاقات الأخرى التي حصل عليها ترامب خاصة على مستوى صفقات السلاح منذ بداية الأزمة الخليجية.

2. الحرب التجارية.. صراع ترامب مع الصين

يعتبر صراع ترامب التجاري مع الصين واحدًا من أهم ملامح إدارة ترامب لهذه المرحلة، إذ كان لهذه الحرب تأثيرات اقتصادية كبيرة سواء محليًا أو عالميًا، فترامب يسعى من خلال هذه الحرب إلى الحصول على أكبر قدر من الفوائد للاقتصاد الأمريكي، علاوة على وقف غزو المنتجات الصينية للسوق الأمريكي، وكذلك السيطرة على عجز الميزان التجاري الذي يعد أكبر الأزمات الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالرغم من أن حرب ترامب لم تنجح حتى الآن في السيطرة على عجز الميزان التجاري، لكن هناك بعض الفوائد التي حصلت عليها أمريكا من هذا الصراع، فبالنظر إلى 2017 نجد أن العجز في الميزان التجاري الأمريكي مع الصين وحدها قد تخطى 375 مليار دولار، في الوقت الذي يطالب فيه البيت الأبيض بكين بخفضه بمقدار 200 مليار، وهو ما رفضته الصين حتى الآن. لكنها عرضت في المقابل زيادة الواردات بمقدار 70 مليار دولار، وبالنظر إلى قيمة صادرات المنتجات الأمريكية إلى الصين سنجد أنها سجلت 130.36 مليار دولار في 2017، وفي حال زادت الصين وارداتها ستشكل هذه الزيادة أكثر من 53.8%.

لكن بشكل عام ستستمر حرب فرض الرسوم الجمركية حتى يتفق الطرفان على صورة ما للتسوية وبحسب العرض الصيني فأي اتفاق سيكون نجاحًا لترامب، خاصة وأن أمريكا استفادت من خلال عودة النشاط الصناعي للبلاد واستقبال مزيد من الاستثمارات التي خرجت من الصين لتفادي رسوم ترامب.

3. "بلطجة" ترامب عدّلت اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية

هدد ترامب في عدة مناسبات بإنهاء اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، والتي تضم كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكندا، فيما مارس الرئيس الأمريكي الكثير من الضغوط على الدولتين لإجبارهما على تعديل الاتفاقية، وفي النهاية بالفعل نجحت ضغوط ترامب في الوصول للنتيجة المرجوة.

ففي 27 أغسطس (آب) الماضي اتفقت الولايات المتحدة والمكسيك على تعديل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، وهو الأمر الذي أنعش أسهم شركات صناعة السيارات وعزز الأسواق المالية حينها وخفف من عدم التيقن الاقتصادي الناتج عن تهديدات ترامب المتكررة بإلغاء الاتفاقية، وبالطبع هذا الاتفاق غاية في الأهمية إذ أن حجم التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا يزيد على التريليون دولار سنويًا.

التعديلات المقررة حققت جميع رغبات ترامب تقريبًا، إذ اشترط الاتفاق أن تبلغ نسبة مكون السيارات المصنع في منطقة نافتا 75% بعد أن كان 62.5%، وبالإضافة إلى ما توقعته إدارة ترامب حينها، من أن الاتفاق سيُحسن من البنود المتعلقة بالعمل، إذ يشترط أن تكون نسبة 40 إلى 45% من مكونات السيارات مصنعة بيد عمال يتقاضون ما لا يقل عن 16 دولارًا في الساعة، وهو أمر يعزز من شعبية ترامب بين العمال، ناهيك عن  تحديد مدة الاتفاقية بنحو 16 عامًا مع مراجعتها كل ستة أعوام، وهو شرط يسمح بإدخال المزيد من التعديلات على الاتفاق في المستقبل.

وبعد شهر تقريبًا من تعديل الاتفاقية توصلت الولايات المتحدة وكندا  إلى جانب المكسيك لاتفاق تجاري جديد، يحل محل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، الاتفاق تضمن فتح سوق الألبان الكندية بشكل أكبر أمام الولايات المتحدة، ووضع حدًا أقصى لصادرات كندا من السيارات إلى أمريكا، وهو ما يعد نجاحًا أيضًا لسياسية ترامب.

4. ترامب وإيران.. عقوبات جديدة

في مايو الماضي أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة العمل بالعقوبات الأمريكية على طهران، إذ وصف الاتفاق بأنه "كارثي"، بينما وقّع أمرًا رئاسيًا للبدء بإعادة العمل بالعقوبات الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي للنظام الإيراني، وفرض أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية.

قرار ترامب حينها أعطى الشركات بضعة أشهر "للخروج" من إيران، ولم تُجنَ ثمار هذا القرار حتى الآن؛ بل يمكن القول إن الأمريكيين قد تضرروا من القرار الذي اعتبره الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما "خطأ فادحًا" من شأنه أن ينال من مصداقية الولايات المتحدة في العالم، بالإضافة إلى أن القرار كان سببًا رئيسيًا في صعود أسعار النفط خلال الأشهر الأخيرة، كما سنوضح لاحقًا.

هل ظهرت نتائج "بلطجة ترامب" على الاقتصاد والمواطن؟

الصراعات الأربعة المذكورة هي أكثر المواقف التي استخدم فيها ترامب سياسة البلطجة، وقد ظهرت نتائجها بالفعل على الاقتصاد الأمريكي، إلا أن النتائج لم تكن كلها إيجابية، لكن يمكن القول بأن ترامب نجح في جني ثمار أغلبها، وسنستعرض هذه النتائج من خلال الحديث عن أربعة بنود هي الأبرز حتى الآن.

النمو الاقتصادي.. الأرقام تشير إلى نجاح ترامب

رقميًا نجح ترامب من خلال سياساته الحِمائية في الحصول على فوائد اقتصادية كبيرة لبلاده، وعلى رأس هذه الفوائد كان النمو الاقتصادي، الذي حقق نموًا بأسرع وتيرة في نحو أربعة سنوات في الربع الثاني من العام في الوقت الذي عزز فيه المستهلكون الإنفاق، إذ قالت وزارة التجارة الأمريكية في تقديراتها الأولية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني أن الناتج المحلي الإجمالي زاد بوتيرة سنوية بلغت 4.1% في الوقت الذي ارتفع فيه الإنفاق الحكومي أيا، وذلك أقوى أداء يحققه الاقتصاد الأمريكي منذ الربع الثالث من عام 2014.

وفي نفس الاتجاه تم تعديل النمو في الربع الأول بين يناير (كانون الأول) ومارس (آذار) بالرفع إلى 2.2% من الوتيرة البالغة 2% في التقديرات السابقة، وبالنظر إلى الربع الثاني من 2017، نجد أن الاقتصاد نما 2.8%، وهو ما يوضح أن رقم النمو المحقق في الربع الثاني من 2018 يعتبر قفزة كبيرة، ويعزز فرص ترامب للوصول لهدفه بتحقيق معدل نمو سنوي عند 3%، خاصة أن الناتج المحلي للبلاد وصل في النصف الأول من العام الجاري إلى 3.1%، وهذا النمو بالطبع يدعم الاقتصاد بقوة ويستفيد منه المواطن الأمريكي خاصة أن الأمريكيين كانوا يعيشون فترة طويلة من الركود منذ الأزمة المالية العالمية الأخيرة.

إعانة البطالة.. الأدنى في 49 عامًا

تعد طلبات إعانة البطالة في أمريكا من أهم المؤشرات التي توضح نشاط سوق العمل في البلاد، ففي الأسبوع المنتهي في أول سبتمبر (أيلول) الماضي تراجع عدد الأمريكيين المتقدمين بطلبات للحصول على إعانة البطالة ليصل إلى أدنى مستوى له في نحو 49 عامًا، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر (كانون الأول) 1969، وذلك في مؤشر على استمرار قوة سوق العمل بما يواصل تعزيز النمو الاقتصادي.

بينما كشفت بيانات التوظيف الشهري الذي تصدره وزارة العمل، والصادر في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن معدل البطالة هبط إلى أدنى مستوى في نحو 49 عامًا عند 3.7%، بينما سجل النمو السنوي في الأجور خلال أغسطس (آب) أعلى مستوى في أكثر من تسع سنوات، بزيادة نحو 2.9%، وهو مؤشر على فوائد كبيرة حصل عليها الأمريكيون في ظل إدارة ترامب.

يمكن القول أن حالة التوتر العالمية التي صنعها ترامب حول العالم جعل المستثمرين يرون أن الأمان يكمن فقط في نقل أعمالهم إلى أمريكا، للاستفادة أولاً بالنمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تخفيضات الضريبة التي وقعها ترامب، وثانيًا البعد عن بلطجة ترامب الخارجية التي طالت الجميع، وهذه الأمور ساهمت بشكل مباشر في أن تتخطى نيويورك لندن لتصبح المركز المالي الأكثر جاذبية في العالم.

ووفق مؤشر زد/ين للمراكز المالية العالمية، فقد احتلت نيويورك المركز الأول من بين 100 مركز مالي على أساس عوامل مثل البنية التحتية وتوافر المهنيين من ذوي الكفاءة العالية، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق الناشئة هروبًا جماعيًا للأموال صوب الولايات المتحدة.

أسعار النفط.. من هنا تلقى ترامب الضربة

بالرغم من كل المؤشرات الإيجابية المذكورة إلا أن "بلطجة ترامب" على إيران بشكل خاص تسببت في ارتفاع كبير في أسعار النفط، وهو ما دفع أسعار البنزين في أمريكا لمستويات قياسية وهو أكبر ضرر تلقاه الأمريكيون خلال رئاسة ترامب، وهو أيضًا تسبب في صعود معدل التضخم في أمريكا.

وبالنظر إلى المؤشر السباق فإن الأسعار انتعشت منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وهو بذلك يصبح أكثر المساهمين في صعود أسعار النفط، ومنذ ذلك الحين وجه ترامب سهام انتقاداته إلى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، في وقت قد يصبح ارتفاع أسعار البنزين الأمريكية مبعث قلق سياسي قبل انتخابات الكونجرس.

المصدر: ساسة بوست
اعداد: خالد الثرواني

اضف تعليق