وكالة النبأ للأخبار/ متابعة:

مر عقدان فقط من القرن الحادي والعشرين، اندلعت فيهما بالفعل ستة صراعات خلفت أكثر من 10 آلاف ضحية في الشرق الأوسط. ومما يزيد من حدة هذه التهديدات ما حذر منه كثير من المحللين بأن المزيد من الصراعات قد تندلع قريبًا، وستكون هذه الصراعات حول المياه، بحسب ما ذكر تايلر هيدلي، الباحث المساعد في جامعة نيويورك، في مقال نشرته مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية.

وكما قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، هانز فان جنكل، فإن "الصراعات حول المياه، سواء كانت حروبًا دولية أو أهلية، تهدد بأن تصبح جزءًا أساسيًّا من المشهد في القرن الحادي والعشرين". ما لم يتم القضاء على احتمالات الصراع المحتملة، فسوف تُجر الدول وحلفاؤها إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.

بحسب الكاتب، تنتشر ظاهرة ندرة الموارد في المناطق المعرضة للنزاع، كما هو الحال في المنطقة التي تمتد بطول نهر النيل والعراق واليمن. لا تزال بلدان أخرى، مثل الصومال والسودان، تعاني من المجاعة أو جفاف ارتبط بقطع الطرق والنزاع داخل الدولتين. لكن المنطقة الأكثر احتمالًا لنشوب صراع ونزاع بين الدول حول نقص الموارد -المياه- قد تكون حوض نهر الأردن. لا يتعلق الأمر فقط بكون الحوض واحدًا من أكثر الأماكن حرمانًا من المياه، بل يشمل أيضًا دولًا ذات تاريخ صراع سابق: سوريا، وإسرائيل، وفلسطين، ولبنان، والأردن.

حوض نهر الأردن

حتى منتصف القرن العشرين، كانت المياه موردًا وفيرًا في حوض نهر الأردن. وقد حافظت أنظمة الري والقنوات على توافر المياه حتى مع نمو عدد سكان الحوض، وحالت الاتفاقات الثنائية دون اندلاع معظم أعمال العنف. ولكن عدم الاستقرار الإقليمي، وانخفاض إمدادات المياه اليوم يمكن أن يزعزع الاستقرار.

سبق أن وقعت أعمال عنف حول المياه في حوض نهر الأردن. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أرييل شارون قد قال: "في الواقع، بدأت حرب الأيام الستة… في اليوم الذي قررت فيه إسرائيل التحرك ضد تحويل مجرى نهر الأردن". (كانت جامعة الدول العربية تساعد في تزويد سوريا والأردن ولبنان بالمعلومات والموارد اللازمة لتحويل مجرى نهر الأردن عن إسرائيل). الجهات الفاعلة غير الحكومية ارتكبت في المنطقة أيضًا عنفًا مائيًّا في السابق: ففي عام 1965، شنت حركة التحرير الوطنية الفلسطينية، التي أعيدت تسميتها في ما بعد بحركة فتح، هجمات على غرار حرب العصابات ضد مشروع للمياه في إسرائيل، وهو مشروع للبنية التحتية يجلب الماء من بحيرة طبرية إلى مركز إسرائيل وجنوبها.

وقال الكاتب: "منذ ستينات القرن الماضي، وقع عدد من النزاعات والخلافات الأقل شهرة حول المياه. وفقًا لمعهد الأطلسي، الذي جمع قاعدة بيانات حول النزاعات المتعلقة بالمياه في جميع أنحاء العالم، كانت هناك 92 حادثة ذات صلة بالمياه في الشرق الأوسط. ويعزى معظمها إلى منازعات إنمائية، أو إرهابية، أو حوادث استخدمت فيها المياه أداة عسكرية أو هدفًا عسكريًّا".

ومع ذلك، فقد كان هناك عدد أقل من الصراعات حول المياه مقارنة بالموارد الطبيعية الأخرى، مثل النفط، رغم أن الدبلوماسي المصري والأمين العام للأمم المتحدة السابق بطرس بطرس غالي قد توقع في عام 1985 أن "الحرب القادمة في الشرق الأوسط سوف تخاض حول المياه، وليس السياسة".

قد يقوّض توازن القوى الحالي في حوض نهر الأردن بسبب نقص الموارد المرتبطة بتغير المناخ. تتنبأ النماذج المناخية المتقدمة بأن حرمان بلاد الشام من المياه في القرن الحادي والعشرين قد يصل إلى مستويات كارثية. ووفقًا لدراسة أجريت في عام 2010، ستشهد بلاد الشام انخفاضًا سنويًّا بنسبة 25% في هطول الأمطار، بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين.

وكان مقال كتبه موسى محسن في عام 2007 أفاد بأنه في حالة استمرار الاتجاهات الحالية، فإن نصيب الفرد من المياه في الأردن سيزداد إلى النصف. بعض البلدان، التي أُضعفت بالفعل بسبب الحرب الأهلية، أو عدم الاستقرار السياسي، سوف تتأثر أكثر من غيرها بنقص المياه. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تعاني سوريا من ندرة المياه، بالإضافة إلى وضعها السياسي المشحون أصلًا. وتوقع تقرير التنمية البشرية 2007– 2008 حدوث انخفاض بنسبة 50% في توافر المياه السورية بحلول عام 2025.

وفقًا للكاتب، فإن حالة المياه في الشرق الأوسط معروفة على نطاق واسع: تظهر الدراسات الاستقصائية للسكان المحليين أن غالبية السكان يدركون مدى سرعة استهلاك الموارد المائية. وفقًا لدراسة استقصائية أجراها المنتدى العربي للتنمية والبيئة عام 2009، رأى 72% ممن استطلعت آراؤهم أن تغير المناخ سيؤثر في توفر مياه الشرب في بلدانهم. وحتى بدون أفلام هوليوود مثل (Quantum of Solace) التي تعمم احتمالية الحرمان من الموارد، هناك عدد كبير من الأمثلة الواضحة عن انخفاض مستويات المياه في حوض نهر الأردن. فعلى سبيل المثال، تنخفض مستويات المياه في البحر الميت بحوالي متر تقريبًا كل عام بسبب الاستخدام الكثيف لمياه الأنهار التي تصب في البحر بإسرائيل والأردن.

دور أمريكي محتمل

يدحض بعض العلماء الرواية القائلة بأن الحرب ستندلع حول المياه. وتأخذ حججهم بشكل عام اعتبارين: الواردات والحلول البديلة. تفترض إحدى المدارس الفكرية أنه يمكن استبدال السلع المستوردة التي عادة ما تكون مستهلكة للمياه، مثل الأغذية، بالسلع المحلية. غير أن هذا الرأي يضع البلدان، ولا سيما البلدان غير الساحلية، تحت رحمة الموردين. وتقول المدرسة الفكرية الثانية إن زيادة تكنولوجيا تحلية المياه يمكن أن توفر تدفق المياه اللازمة لمواكبة الطلب. ومع ذلك، فإن محطات التحلية تزيد من ملوحة مصادر المياه المتبقية، ويمكن أن تثير مشاكل جديدة في النظام البيئي المحلي. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على القفزات التكنولوجية غير المؤكدة ليس استراتيجية ينبغي للبلدان أن تراهن بها على مستقبلها.

وتوقع الكاتب أنه في المستقبل القريب، ستكون هناك حدود للتحلية والسدود. مستويات المياه في حوض نهر الأردن آخذة في الانخفاض، وسوف تستمر في الانحسار بمعدلات شديدة. ونظرًا إلى احتمالية اندلاع حرب على المياه في بلاد الشام، ينبغي للولايات المتحدة أن تتبع ثلاثة مسارات للعمل. يجب أن يتم عقد اتفاقيات ثنائية جديدة ومتعددة الأطراف حول تقاسم الدبلوماسية، وينبغي أن تقوم الولايات المتحدة بمسح وتحليل الخدمات اللوجستية للسلسلة الغذائية مع الشركاء الإقليميين. أيضًا، يجب أن تساعد الولايات المتحدة حلفاءها عسكريًّا في تأمين البنية التحتية الحيوية للمياه.

أولًا، يجب أن تساعد الولايات المتحدة في إنشاء اتفاقيات جديدة لتقاسم المياه؛ لاستكمال المعاهدات القائمة بدلًا من جهودها في الحرب الأهلية السورية. لدى الولايات المتحدة سابقة تساعد في حل مشاكل المياه في حوض نهر الأردن: بعد صدامات عام 1953 حول نهر اليرموك، أرسل الرئيس آيزنهاور السفير إريك جونسون لإبرام تسوية. خصصت نسخة من "اتفاقية جونسون" التي لم تصدق عليها قط، 60% من استهلاك مياه نهر الأردن إلى لبنان وسوريا والأردن و40% لإسرائيل. وبينما توجد معاهدات واتفاقات ثنائية بين بعض الأطراف المعنية في المنطقة، ما زال الاتفاق الشامل والمتعدد الأطراف بعيد المنال.

ثانيًا، لن تخفف المساعدة على تلبية طلب إمدادات المياه في حوض نهر الأردن من بعض الضغوط فقط، بل ستساعد أيضًا في تحفيز النمو الاقتصادي الإقليمي. في عام 2013، أعدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، بالشراكة مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، موجزًا تحليليًّا عن الخدمات اللوجستية للسلسلة الغذائية من منظور المياه في الأردن. ويمكن لمزيد من البيانات، مثل تلك المعروضة في التقرير، والتي تسمح للبلدان بتحسين القطاعات المستهدفة لتحسينها، أن تساعد أيضًا في تقليل الطلب الإجمالي على المياه، مع ملاحظة الأماكن المناسبة للوصول إلى المياه، واستيرادها بشكل أفضل.

ثالثًا، يجب على الولايات المتحدة مساعدة حلفائها في تعزيز أمن البنية التحتية للمياه. سواء كان ذلك من أطراف غير تابعة للدولة، أو من الضربات العسكرية التي تقوم عليها الدولة، فإن البنية التحتية للمياه هدف ذو قيمة عالية. ويمكن أن تكون السدود بنية أساسية محتملة عالية الخطورة، خاصة لأنها ضرورية لرفاهية البلد، وتستغرق وقتًا طويلًا لإعادة البناء. توضح البيانات المعينة من منظمة الأغذية والزراعة ونظام (DIVA-GIS) مدى قرب العديد من السدود الأردنية من الحدود المشتركة مع إسرائيل والضفة الغربية.

واختتم الكاتب بقوله: "لن تؤثر حرب أخرى في حوض نهر الأردن فقط في الدول الموجودة فيها، ولكن أيضًا في الولايات المتحدة. ومع نشر القوات بالفعل في إسرائيل والأردن وسوريا، من المرجح أن تقوم الولايات المتحدة بعمل عسكري لدعم حلفائها. ولكن من خلال الاستعدادات الدبلوماسية والعسكرية الآن، يمكن تقليص فرصة حدوث مثل هذا النزاع". انتهى/خ.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق