وكالة النبأ للأخبار/ متابعة:

شهدت العلاقات بين السعودية وجنوب أفريقيا ازدهارًا استثنائيًّا في الآونة الأخيرة، إذ تمثّل جنوب أفريقيا مصدرًا مهمًّا للأسلحة والمعدات العسكرية التي يسهل استيرادها ونقل خبراتها التصنيعية إلى الأرض السعودية.

هذا التعاون وصل إلى مستويات استثنائيّة من خلال انخراط جنوب أفريقيا في الحرب اليمنية، إذ تزوّد التحالف العربي بقيادة السعودية بالمعدات العسكرية المحظورة، كما وُثّقت منذ اللحظة الأولى للحرب وجود طائرات ومدرعات عسكرية تسببت في جرح العديد من اليمنيّين أو مقتلهم، بل تذهب بعض المصادر حدّ تأكيد وجود "مرتزقة" من جنوب أفريقيا يقاتلون لصالح التحالف.

جنوب أفريقيا.. سوق السلاح والمرتزقة التي تزوّد عاصفة سلمان وابنه

تخوض السعودية منذ عام 2015 حربًا في اليمن على اليمن، وبالتزامن مع هذه الحرب، كانت صادرات جنوب أفريقيا من الأسلحة تتنامى إلى دول الخليج، إذ انضم هذا البلد الأفريقي إلى قائمة مورّدي الأسلحة الرئيسيين في اليمن.

المؤشرات الأولى التي أثبتت وجود أسلحة جنوب أفريقية في اليمن ظهرت في ذات العام الذي بدأت فيه الحرب، أي سنة 2015، حين بثّت قناة "المسيرة" الإخبارية صورة طائرة بدون طيار من طراز باحث الثاني تم إسقاطها، وقد كُتب على هذه الطائرة "صنع في جنوب أفريقيا.. كارل زيس أوبترونيكس المحدودة". ثم توالت بعد ذلك الأدلة، ففي أوجّ الحرب على اليمن ما بين عامي 2016 و2017، قدّمت جنوب أفريقيا الأسلحة والذخائر والمركبات المدرعة والمراقبة والتقنية العسكرية لكل من السعودية والإمارات، وقدرت قيمة هذه الأسلحة بأكثر من 3 مليارات راند (ما يقرب من 228 مليون دولار).

لم يكن التورّط الجنوب أفريقي في الحرب على اليمن من خلال توريد السلاح فقط، بل تحدّثت تقارير صحافيّة عن مشاركة مجموعات من "المرتزقة" الذين ضُمّوا للقوات الأجنبية التي تشارك في الحرب لصالح قوات التحالف العربي، وتشير بعض المصادر إلى لجوء كل من الإمارات والسعودية إلى جيش من المتعاقدين العسكريين للقتال في الجبهات داخل اليمن، وكان مجمل ما أنفق على هذه القوّات نحو 5 مليارات دولار ضمن نفقات أخرى.

هذه المؤشرات تؤكد تورّط جنوب أفريقيا في حرب اليمن الدموية التي شهدت سقوط أكثر من 5 آلاف قتيل، ناهيك عن انتشار وباء الكوليرا والمجاعة؛ وبالتالي فإنها بمواصلة تصدير الأسلحة إلى التحالف الذي تقوده السعودية تُخالف مجموعة من القوانين، منها قانون تنظيم المساعدة العسكرية الخارجية، وكذلك القانون رقم (41) لعام 2002 الذي ينص على الحد من الأسلحة التقليدية في جنوب أفريقيا، وجاء فيه أن اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد "قد تتفادى نقل الأسلحة التقليدية إلى الحكومات التي تنتهك بشكل منهجي، أو تقمع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتتجنب نقل الأسلحة التقليدية التي يحتمل أن تسهم في تصعيد النزاعات العسكرية الإقليمية، وتعريض السلام للخطر عن طريق إدخال قدرات عسكرية مزعزعة للاستقرار في منطقة ما، أو المساهمة في عدم الاستقرار الإقليمي"، وأيضًا مخالفة معاهدة تجارة الأسلحة التي صدقت عليها جنوب أفريقيا في عام 2014.

استيراد وتصنيع.. نهم سعودي لأسلحة جنوب أفريقيا

في 27 مارس (آذار) 2016، تجوّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع رئيس جنوب أفريقيا، جاكوب زوما، على أرض مصنع القذائف في المؤسسة العامة للصناعات العسكرية، في محافظة الخرج جنوب شرق الرياض.

حصل هذا المصنع الذي ينتج قذائف مدفعية وقنابل طائرات بأعيرة متنوعة، على ترخيص ومساعدة في الإنشاء من شركة "راينميتال دينيل" للذخيرة الجنوب أفريقية، فقد تمكّنت الشركة من إيجاد مجمع صناعي لإنتاج القذائف العسكرية على الأرض السعودية بتكلفة بلغت حوالي 240 مليون دولار، ليصبح المصنع قادرًا على إنتاج 300 مقذوف مدفعي (عيار 105ملم و155ملم) أو 600 مقذوف هاون (عيار 60 ملم و81 ملم و120 ملم) يوميًّا، وبما أن السعودية ليست موقعة على اتفاقية الذخائر العنقودية ، فقد شكّل هذا المشروع نذير خطر من أن الشركات في جنوب أفريقيا قد تساعد في نهاية المطاف على إنشاء مصانع قادرة على إنتاج الذخائر العنقودية، وهي التي استخدمتها الإمارات والسعودية في الحرب اليمنية.

لكن السعودية التي تعمل على تطوير قدراتها التصنيعية، والوصول إلى إنتاج نصف ما تحتاجه من العتاد العسكري بحلول 2030، لم تكتف بالمجمع الصناعي السابق من جنوب أفريقيا، إذ إنه في أبريل (نيسان) 2018، تحدثت إدارة مجموعة باراماونت الجنوب أفريقية للصناعات الدفاعية عن مفاوضات تجرى مع الحكومة السعودية لإقامة منشآت لإنتاج الأسلحة والتكنولوجيا في السعودية، ورغم أن رئيس المجموعة إيفور إتشيكوفيتز رفض الكشف عن العتاد الذي تجري الشركة محادثات لتصنيعه في السعودية، إلا أنه أكّد أن المملكة ستكون محطّ تركيز المجموعة خلال العامين المقبلين.

ويعتقد أن هذه الشركة ذات الملكية الخاصة، والتي تصنّع مركبات عسكرية وطائرات وسفن ومنظومات أسلحة ستشاركها الشركة السعودية للصناعات العسكرية التي تأسست العام الماضي لقيادة تطوير الصناعة العسكرية في المملكة، ولإقامة مشروعات مشتركة مع شركاء دوليين، حسب رويترز.

وتواصلت الاستعانة السعودية بأسلحة جنوب أفريقيا، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أعلنت السعودية دراستها شراء حصة في شركة "دينيل" الدفاعية الحكومية في جنوب أفريقيا، فقالت وزيرة الشؤون الخارجية في جنوب أفريقيا، لينديوي سيسولو، في مؤتمر صحافي: "أعلم أن هناك مفاتحات من جانب السعودية لشراء حصة في شركتنا (دينيل) التي تواجه صعوبات. لا أعلم ما ستؤول إليه تلك المفاوضات عندما تصل إلى اللجنة الوطنية للسيطرة على الأسلحة التقليدية"، وما قد يساعد الرياض على إتمام هذه الصفقة أن الشركة لم تدفع رواتب عامليها بالكامل الشهر الماضي، وتؤكد النقابات العمالية أن من الضروري أن تحصل الشركة على دعم مالي، سواء عن طريق ضمانات حكومية إضافية، أو ضخ مال كي تستمر بالتواجد.

ويشير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) إلى أن السعودية كانت أكبر مشترٍ لمبيعات الأسلحة بين دول الشرق الأوسط التي زاد شراؤها زيادة كبيرة لهذه الأسلحة بين عامي 2013 و2017، إذ تحتل السعودية المرتبة الثالثة في الإنفاق الدفاعي على الصعيد العالمي بعد الولايات المتحدة والصين، فقد بلغ حجم ميزانيتها الدفاعية في 2017 نحو 70 مليار دولار.

تقارب صعب.. وإيران كلمة السرّ

في يوليو (تموز) الماضي، منحت السعودية والإمارات 20 مليار دولار مناصفة لرئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، الذي زار البلدين، وكانت هذه الأموال مثيرة للشكوك بعد خروج هذا البلد الأفريقي في فبراير (شباط) الماضي من أزمة سياسية تسبّبت في تجميد الاستثمارات، وتراجع التصنيف الائتماني.

ويرى محلّلون أنّ النفوذ الإيراني في جنوب أفريقيا دافع مهمّ لأن تحطّ الرياض قدمها في هذا البلد الجيوستراتيجي، من أجل مزاحمة إيران التي تربطها علاقات تاريخية بجنوب أفريقيا، فقد لعبت إيران دورًا فاعلًا في دعم "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي"، برئاسة نيلسون مانديلا سابقًا، قبل وصوله إلى السلطة، كما دعم مانديلا ومن أعقبه طهران في مناسبات عدة، وفي التسعينات أصبحت إيران المورّد الأول للنفط الخام إلى جنوب أفريقيا، فكانت تصدّر لها نحو 380 ألف برميل يوميًّا، وحين فُرضت العقوبات الغربية على إيران، تحولت جنوب أفريقيا لميناء مهمّ يربط بين إيران واستثماراتها في تكرير النفط في أجزاء أخرى من أفريقيا؛ للهرب من سيطرة الشركات الغربية على مصافي النفط.

وبالعودة إلى الأهداف السعودية، فقد عملت الرياض على محاولة مقايضة الأموال الممنوحة لجنوب أفريقيا بتنفيذ الأجندات السياسية التي تخدمها، ففي الزيارة آنفة الذكر لرامافوسا، حدّدت السعودية استثمار المبلغ الممنوح للرجل في مجال الطاقة، وهو ما اعتبر شرطًا موجّهًا ضد إيران بالدرجة الأولى لكونها أعلنت مؤخرًا رغبتها في شراء أسهم في بعض المصافي في جنوب أفريقيا، لضمان صادرات نفطية إيرانية طويلة الأمد، كما أن الاستثمارات السعودية في مجال البتروكيماويات تنطوي على محاولات اختراق المعاهدات الجنوب أفريقيةـ الإيرانية، فعلى سبيل المثال قامت شركة ساسول (SASOL) للطاقة، والمملوكة لحكومة جنوب أفريقيا، بضخّ استثمارات كبيرة في إيران، كمشروع "Ayra SASOL" الموقّع مع الشركة الوطنية الإيرانية للبتروكيماويات، والذي باعته "SASOL" بعد ذلك لمصلحة المشروع المشترك.

لكن العلاقات الخليجية مع جنوب أفريقيا لم تتّسم بـ"الانصياع" الذي قد ترغب فيه الرياض، بدليل أن جنوب أفريقيا لم تصطف إلى جانب السعودية والإمارات في أزمتهما مع قطر، وهو ما أكده سفير جنوب أفريقيا لدى الدوحة، فيصل موسى، حين قال إن بلاده رفضت ضغوطات من الرياض وأبوظبي لقطع علاقاتها مع الدوحة، كما أنه في مطلع العام الحالي، وقعت إيران وجنوب أفريقيا مذكّرة تفاهم لزيادة التعاون العسكري والدفاعي، ليبدو أن قطاع التصنيع العسكري النامي في جنوب أفريقيا معنيّ في إقامة علاقات متوازنة بين طرفي الصراع. انتهى/خ.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق