وكالة النبأ للأخبار/ متابعة:

نشر موقع "فورين أفيرز" تقريرًا عن الوضع السياسي في العراق وآفاق التحسن المحتمل بعد شهور من الجمود السياسي؛ إذ يقول كاتب التقرير: "أخيرًا، وبعد شهور من الجمود الذي أعقب الانتخابات الوطنية التي جرت في شهر مايو (أيار) الماضي، أصبح العراق في طريقه لتكوين حكومة جديدة؛ فالرئيس برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، كلاهما سياسيان عراقيان مخضرمان معروفان بأنهما تكنوقراط وإصلاحيان. وقد رحب المجتمع الدولي بصعودهما، بحماس، على أمل أن تسحب هاتان الشخصيتان الحكومة من الفساد والتنافر المؤسس والضياع الذي غرقت فيه الحكومة منذ عام 2003".

لكنَّ المجتمع الدولي – بحسب التقرير – قد علق مرارًا وتكرارًا الكثير من الآمال على قدرة فرد أو فردين على تغيير نظام فاشل بأكمله. فالسردية الحالية تستدعي إلى الأذهان ذكريات عن نسخة تعود لعام 2006، عندما حل نوري المالكي محل إبراهيم الجعفري رئيسًا للوزراء، وعام 2014 عندما حل حيدر العبادي محل المالكي. وقد فشل كلا الزعيمين لاحقًا في التعامل مع المصالح المكتسبة والقيود الهيكلية التي تعوق الإصلاح.

نظام المحاصصة الطائفية

وقال التقرير: "إنه حتى أحسن الإصلاحيين نيةً في العراق يقفون عاجزين أمام نظام المحاصصة الطائفية، وهو نظام توزيع طائفي شكل هيكل الحكومة بشكل غير رسمي منذ عام 2005. أنشئ هذا النظام لمنح ممثلي الطوائف المختلف في العراق – السنة والشيعة والأكراد – حصة في الحكومة، ومن ثم التزامًا بالسلام. ومع ذلك، فهذا النظام يتحايل على الدستور ويهمش دور البرلمان من خلال منح سلطة لرؤساء الأحزاب لتعيين المناصب الثلاثة العليا ومعظم المناصب الوزارية استنادًا إلى الهوية الطائفية والعرقية. إنَّ هذا التوزيع السري في الغرف الخلفية، الذي يغذيه فساد مفرط، وينفَّذ تحت اسم التوازن العرقي الطائفي، قد نزع الشرعية عن حكم العراق بعد عام 2003، ونفَّر الغالبية العظمى من السكان عن النخبة الحاكمة".

وتشير الطريقة التي حاز بها صالح (المنتخب من البرلمان) وعبد المهدي (المعين من صالح) على السلطة، الخريف الحالي، بقوة إلى أنَّ تعيينهما جاء نتيجة للمحاصصة الطائفية ولم يكن ناتجًا عن ديمقراطية برلمانية. وقال التقرير: "إنه إذا تبين صحة ذلك، فإنَّ أي جهد يبذلانه لإصلاح الحكومة العراقية الفاسدة، فسوف يتعرض للإعاقة بفعل الديون التي يدينان بها للقوى التي وضعتهما في منصبيهما".

صفقات الغرف الخلفية

وشرح التقرير نظام الحكم وتعيين المسؤولين في العراق، حيث يحكم الدستور العراقي لعام 2005 رسميًا اختيار رئيس البرلمان، والرئيس ورئيس الوزراء بعد انتخابات وطنية. فالبرلمان – الذي يسمى مجلس النواب – ينتخب رئيس البرلمان ونائبين له، والرئيس. وينبغي للرئيس أن يدعو الكتلة الأكبر في البرلمان لتشكيل حكومة، خلال 15 يومًا من تعيينه هذا، ثم تُعين هذه الكتلة رئيسًا للوزراء، والذي يملك بدوره 30 يومًا لتشكيل حكومة.

لكن منذ عام 2005 جرى هيكلة هذه العملية وفقًا للشروط الطائفية لنظام المحاصصة، بدلًا عن الدستور. تمنح المحاصصة لرؤساء الأحزاب سلطة التفاوض بين أنفسهم واختيار رئيس وزراء ورئيسًا حسب الهوية الطائفية والعرقية؛ لضمان أن يكون رئيس البرلمان سنيًا، ورئيس الوزراء شيعيًا، والرئيس كرديًا. ويوزع رؤساء الأحزاب كذلك المناصب الوزارية والموارد الحكومية المصاحبة لها، والتي تكون في كثير من الأحيان لمصلحتهم المادية الخاصة.

وقال التقرير: إنَّ الرئيس المعين حديثًا، برهم صالح، كان عضوًا في الاتحاد الوطني الكردستاني لعدد من السنوات. وبسبب إحباطاته من الاقتتال الداخلي والفساد في الحزب انفصل عنه وأنشأ حزبه الخاص، الائتلاف من أجل الديمقراطية والعدالة عام 2017. وقد كان أداء هذا الحزب شديد السوء في الانتخابات، فعاد صالح إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، وفي مقابل ذلك دعم الاتحاد ترشحه للرئاسة.

أعطى البرلمان انتصارًا حاسمًا لصالح في الجولة الثانية من التصويت: إذ حصل على 220صوتًا من أصل 273. وللحظة واحدة، في انتخابات بدت صعبة المراس، بدا أنَّ الأعضاء قد تصرفوا وفق مبادرتهم الخاصة وتجاهلوا طلبات رؤساء أحزابهم. وقال التقرير: "إنَّ فوز صالح بدا وكأنه انتصار لسياسي ذي كاريزما ونزيه وملتزم بالإصلاح، لكنَّ المكائد التي تلت تشير إلى سيناريو آخر: لقد تآمر رؤساء الأحزاب لانتخاب صالح لأنه لم يكن ذا قاعدة دعم مستقلة، ومن ثم لم يشكل أقل تهديدًا بمصالحهم".

وبعد انتصار صالح أعلن في أقل من ساعتين عن اختياره لعبد المهدي، دون انتظار ترشيح الكتلة الأكبر في البرلمان لرئيس للوزراء. في الواقع فإنَّ عبد المهدي وصل إلى البرلمان، بينما كان التصويت الرئاسي لا يزال جاريًا؛ لكي يكون جاهزًا للإعلان. ويشير هذا الأمر بقوة إلى أنَّ انتصار صالح وتعيين عبد المهدي كانا نتيجة لاتفاقية محاصصة أخرى جرى إبرامها بين رؤساء الأحزاب. وكذا يكون صالح، بتجاهله للإجراء الدستوري لاختيار رئيس الوزراء، قد زاد من تقويض الدور المتزعزع لمجلس النواب وأثار تساؤلات حول ما إذا كان يمكن للعراق أن يسمي ديمقراطية برلمانية عن حق أو لا.

مرشح التنازلات

بعد الانتخابات الوطنية في شهر مايو (أيار)، وصل البرلمان إلى طريق مسدود؛ إذ حازت ثلاثة أحزاب إسلامية شيعية على أكثر مقاعد مجلس النواب: تحالف "سائرون" لمقتدى الصدر، وائتلاف "الفتح" لهادي العامري ممثلًا لفصائل الحشد الشعبي، وتحالف "النصر" لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. وبعد مفاوضات مطولة خرج تحالفان كبيران للوجود: "الإصلاح"، وهو مزيج من فصائل الصدر والعبادي، و"البناء" بقيادة العامري. كلا الائتلافين زعم أنَّ لديه ما يكفي من المقاعد في البرلمان لاختيار رئيس الوزراء القادم. وتوقفت العملية.

استمر الجمود حتى أوائل شهر يوليو (تموز) عند اندلاع مظاهرات عارمة في البصرة بسبب فساد الحكومة وعجزها. أصبحت البصرة رمزًا قويًا لفشل الدولة العراقية؛ إذ تعد البصرة بتعدادها السكاني البالغ 4 ملايين نسمة ثاني أكبر مدينة في العراق وتقدم 80٪ من العائدات النفطية للبلاد، لكنَّ الحكومة فشلت في توفير نظام صرف صحي مستدام، حتى مع ازدياد ملوحة مياه شط العرب. ونتيجة لذلك أودع 95 ألفًا من سكان البصرة في المستشفيات خلال الصيف بسبب أمراض مرتبطة بشرب المياه الملوثة.

وأخيرًا فإنَّ آية الله العظمي علي السيستاني، تدخل في الـ10من سبتمبر (أيلول) لكسر حالة الجمود هذه؛ إذ دعا لتغيير في القيادة استجابة للاستياء العام من النخبة الحاكمة، وأعلن أنه لن يدعم أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء كان في السلطة من قبل. وقال التقرير: "إنَّ دعم السيستاني مهم للغاية بالنسبة للسياسيين الشيعة العراقيين. وقد أجبر إعلان السيستاني، مصحوبًا بفشل العبادي في معالجة الأزمة في البصرة، كلًا من العبادي والعامري على الانسحاب من السباق".

وفي هذه الخلفية قدم رؤساء الحزب الإسلامي الشيعي عبد المهدي بوصفه حلًا وسطًا لمنصب رئيس الوزراء. وكان عبد المهدي قد انسحب من أدواره القيادية، وابتعد عن الأضواء منذ عام 2016، بعد أن كان من الشخصيات الأساسية في السياسة العراقية. وكان حزبه السابق، المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ضعيفًا ومجزأً. ومن غير قاعدة دعم، أو حزب أو ميليشيا تابعة له، فإنَّ عبد المهدي لا يشكل تهديدًا لأي من رؤساء الأحزاب، ومن ثم لا يشكل تهديدًا لنظام المحاصصة؛ ما يجعل منه مرشحًا تنازليًا مثاليًا (على غرار صالح).

هل الإصلاح ممكن؟

قال التقرير: "إنَّ نظام المحاصصة والنخبة الحاكمة التي منحها هذا النظام سلطة، قد دفعا بالعراق إلى أزمة مطولة. وبقدر ما قد يرغب صالح وعبد المهدي في أن يكونا أداتين للإصلاح، فسوف يواجهان مهمة شاقة. كان صالح في كتابات سابقة قد اقترح إنشاء صندوق استثمار عراقي مستقل من شأنه توجيه الموارد إلى مشروعات بنية تحتية جديدة مستقلة عن نظام المحاصصة. من المؤكد أنَّ هذه الهيئات المستقلة ضرورية، لكنها فشلت في السابق لغياب الحماية من الفساد ورؤساء الأحزاب".

وقال : إنَّ صالح وعبد المهدي سوف يتعين عليهما لحماية الإصلاح من أصحاب المصالح الراسخة في منعه بناء ائتلاف من الشركاء المحليين والدوليين. وبالنظر إلى موقف السيستاني والتزامه بالإصلاح، فسوف يكون الحصول على دعمه محوريًا. والشعب جاهز للحشد من أجل الإصلاح: فالعراقيون كانوا يتظاهرون بشكل جماعي ضد الفساد منذ عام 2015. ويمكن لصالح وعبد المهدي أيضًا السعي لإعادة بناء الزخم المتولد عن مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق في شهر فبراير (شباط) 2018، عندما التزمت القوى الإقليمية والمجتمع الدولي بالمساعدة على إعادة بناء العراق لمنع إعادة تشكيل تنظيم (داعش).

واختتم التقرير بالقول: إنَّ الخطط التكنوقراطية التي ولدت مثل هذا الأمل في هذه الحكومة الجديدة تعتمد على عملية توازن صعبة. لا يستطيع صالح وعبد المهدي إنشاء الاستقلالية التي تتطلبها خططهم والدفاع عن هذه الاستقلالية، إلا من خلال حشد الشعب، لا سيما في مواجهة نفوذ رؤساء الأحزاب من خلال بناء حركة شعبية للإصلاح. وسوف يشكل فعل ذلك تحديًا مباشرًا وخطيرًا للقوى ذاتها التي أوصلت الرئيس ورئيس الوزراء إلى السلطة. انتهى/خ.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق