وكالة النبأ للأخبار/ متابعة:

"أصلحوا مدرستكم الوهابية، فالإرهاب تاريخيًا متخرج منكم، التكفير لم يصدر إلا من المدرسة الوهابية".

حين قال هذه العبارة وزير الشؤون الدينية التونسي عبد الجليل بن سالم للسفير السعودي في تونس، لم تمض أكثر من 24 ساعة حتى أُقيل الرجل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. لكن الحكومة التونسية التي انصاعت للتدخل السعودي وأقالت ابن سالم تحت ذريعة "عدم احترامه لضوابط العمل الحكومي"، لم تحرّك ساكنًا أمام الضجة التي أعقبت رفض السفير سابق الذكر في يوليو (تموز) الماضي، عضوية النائبة التونسية عن الجبهة الشعبية مباركة براهمي في لجنة الصداقة البرلمانية التونسية الخليجية.

ويمكن تجاوز هذا الأمر المخالف للأعراف الدبلوماسية لمواقف أكثر وضوحًا نحو تدخل سعودي في شؤون تونس، كالتحرك النوعي نحو تعاون عسكري بين البلدين خلال الأيام القليلة الماضية، والعمل على تشكيل وضع سياسي تونسي متوافق مع رؤية الرياض عبر الاستعانة بوزير الداخلية المقال لطفي براهم.

القوّات الجويّة السعوديّة تتدرّب في تونس

"أول مرة يرفع الأذان وتقام خطبة الجمعة في قاعدة سيدي أحمد في تونس من عهد الاحتلال الفرنسي".

هذا التصريح جاء على لسان القائد العسكري السعودي سهيل العطري من منبر خطبة الجمعة، حين أم بعض الجنود السعوديين والتونسيين في ثكنة عسكرية تونسية؛ وقد أثار الكثير من الجدل، إذ رأى فيه البعض إهانة للتونسيين.

وقد جاء العطري في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي رفقة مجموعة من العسكريين السعوديين لتونس لإجراء تدريبات عسكرية هي الأولى من نوعها في تاريخ المؤسستين العسكريتين السعودية والتونسية، إذ نقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن الملحق العسكري السعودي لدى تونس العميد الركن خالد بن محمد السهيان أن "وصول الطائرات المقاتلة للقوات الجوية الملكية السعودية بكامل أطقمها الجوية والفنية والمساندة يعني الانطلاق الفعلي لتنفيذ المناورات مع جيش الطيران التونسي".

وفيما رأت السعودية التدريبات في إطار التعاون العسكري التونسي؛ تسبّب تزامن التدريبات مع قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في احتجاج 10 منظمات تونسية على هذه التدريبات وتحذيرها من خطورة التقارب مع السعودية، فقد أعربت منظمات حقوقية ومهنية تونسية في بيان خاص عن "بالغ انشغالها بمشاركة قوات تونسية في مناورات عسكرية جوية في بداية الشهر الجاري بتونس مع قوات عسكرية سعودية، هي الأولى من نوعها منذ الاستقلال".

وحذرت المنظمات من "خطورة مثل هذا التعاون والتقارب مع دولة منغلقة تشير العديد من التقارير الحقوقية والدراسات العلمية إلى أنها ما انفكت تزداد استبدادًا وعداءً لدُعاة الاجتهاد في الدين والإصلاح السياسي، حتى داخل أسرة آل سعود الحاكمة ذاتها، وتجميعًا لأحدث أسلحة الدمار والقمع والرقابة".

كما اعتبرت مصادر تونسية هذه التدريبات صورة من صور التورط التونسي في الحرب اليمنية، لكون القوات العسكرية التونسية تقوم بتدريبات مع سلاح الجو السعودي المتورط في انتهاكات حقوقية هناك، فالجيش السعودي الذي سيعود لمعاركه في اليمن يسعى لتعزيز جاهزيته بتدريبات مع الجيش التونسي.

يقول المدير التنفيذي لـ"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، علاء الطالبي أن "إجراء المناورات أمر خاطئ من أساسه، لكونه يأتي في إطار تدريب القوات السعودية، ما يُعد مساهمة في تقوية قدرات الجيش السعودي، التي سيستغلها في حربه ضد اليمن"، وتابع القول لـ"الأخبار" اللبنانية إن وزارة الدفاع السعودية، سبق أن قالت إن المناورات تهدف إلى رفع القدرة القتالية للضباط المشاركين وتدريبهم في بيئة مختلفة، فالسكوت عن المناورات، بمثابة استهتار بالجرائم التي ترتكب في اليمن، حسب الطالبي.

رجل السعودية في تونس الذي كاد يقلب النظام

"إن المملكة السعودية مهددة بثورة".

لم تنس البتة السعودية هذه الجملة التي قالها زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في ديسمبر (كانون الأول) 2011 ردًا على قرار السعودية استقبال الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

لكن بهذه الجملة أو من دونها كان الثأر السعودي سينال من الحزب المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، العدو اللدود للرياض، فقد دخلت السعودية مع خط الإمارات في التدخل بالشأن التونسي، ويمكن البدء بالحديث عما حدث في 25 فبراير (شباط) الماضي، حين هبطت طائرة للخطوط الجوية التونسية تحمل وزير الداخلية التونسي لطفي براهم في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، فاستقبله وكيل وزارة الداخلية الدكتور ناصر بن عبد العزيز الداود، والسفير التونسي لدى المملكة، فمع عودة الرجل بعد أيام بطيارة خاصة تعود ملكيتها لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لن ينتهي أثر هذه الزيارة.

ربطت هذه الزيارة الرسمية غير العادية بمحاولات السعودية وولي عهدها التدخل في الشأن الداخلي التونسي إلى جانب الحليف الإماراتي، إذ إن الرجل الذي عاد محمّلًا بأموال سعودية، كان قد اتّفق على خطّة معينة لقلب الأمور السياسية في تونس كما تشير مصادر صحافيّة، وتحديدًا للتأثير في خط سير الانتخابات التي كان مزمع إجراؤها في مايو (أيار)الماضي، فالسعودية لا تريد الفوز لحزب النهضة في الانتخابات.

بل تذهب -حسب بعض التسريبات- أهداف السعودية في تونس لأكثر من ذلك، إذ تشير إلى أنّ: "الحكومة السعودية لا تزال ترغب في إعادة ابن علي إلى الحكم، وذلك بتنفيذ برنامج إعلامي سياسي أمني لإقناع الشعب التونسي أن الوضع تحت حكمه أفضل بكثير مما عليه الآن، ويمارسون هم والإمارات نفوذهم المالي هناك لتهيئة الشعب التونسي لذلك"، كما جاء في حساب المغرد السعودي الشهير "مجتهد" عبر تويتر.

وتابع الحساب: "لطفي براهم من الشخصيات المساهمة في هذا البرنامج، وكانت آخر فضيحة له قبل أن يعين وزيرًا للداخلية هي مسؤوليته عن عملية إرهابية وهمية (تمثيلية)، جرى تنفيذها بدعم من السعودية والإمارات لتبرير مزيد من القمع وتوسيع سلطة الأمن وبيان خطر الإسلاميين، وأخيرًا تسهيل الحديث عن عودة ابن علي".

في المحصلة، كانت هذه الزيارة محطة هامة في إيضاح الخلافات والتوترات بين براهم ورئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد، الذي لم يكن على علم بزيارة براهم ولم يطلع على فحوى المحادثات التي جرت في السعودية، وتدهورت الأمور إلى حد إقالة براهم الذي لم يمض أكثر من تسعة أشهر في منصبه وزيرًا للداخلية، وأقيل براهم في قضية غرق زورق مهاجرين أسفر عن وفاة 66 مهاجرًا على الأقل، ولفشله في إيقاف وزير الداخلية الأسبق ناجم الغرسلّي في ظرف 48 ساعة.

ويبرز اسم براهم الرجل الغامض ذو التحركات المثيرة داخليًا وخارجيًا، وأحد أكثر وزراء الداخلية جدلًا بعد الثورة التونسيّة، فيما تسرب عن  اكتشاف مخطّط إماراتي محتمل لإحداث انقلاب في تونس، إذ التقى الرجل حسب موقع "موند أفريك" الفرنسي سرًا مع مدير المخابرات الإماراتية بجزيرة جربة التونسية، لوضع خارطة طريق تهدف لفرض تغييرات جذرية على رأس السلطة في تونس، كإقالة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، وعزل الرئيس الباجي قائد السبسي الذي عيّن براهموزيرًا للداخلية بهدف تحجيم حزب النهضة لاعتبارات مرضية.

وبناء على هذا الاتفاق قام براهم الذي يوصف بـ"رجل الظل ذي الطموحات الكبيرة"، بالتقرّب من عدد من الساسة التونسيين وأغدق عليهم الأموال الإماراتية نظير محاولة إعادة تشكيل المعادلة السياسية في تونس، واستبعاد حركة النهضة نهائيًا من الحياة السياسية في تونس، وذلك رغم وصولها إلى الحكم عبر الانتخابات ودخولها في تحالف مع الرئيس الحالي.

فقد أيقنت الإمارات أن قوة حركة النهضة يجب التصدي لنفوذها عبر تقوية الإسلام التقليدي، وصناعة معارضة عبر ربط علاقات مع معارضي الحركة والعمل على تكسير تحالفاتها السياسية، وهذا ما تكشفه وثيقة بعنوان: "الاستراتيجية الإماراتية المقترحة تجاه تونس" من تأليف وحدة الدراسات المغاربية بـ"مركز الإمارات للسياسات" في أبوظبي. وتنقسم الاستراتيجية الإماراتية لاختراق تونس إلى ثلاثة محاور: "أولًا؛ محاربة الإسلام الراديكالي في أبعاده الأمنية والسياسية والفكرية، ثانيًا؛ بناء كتلة سياسية موالية في الساحة الداخلية، ثالثًا؛ كبح النفوذ القطري في الساحة التونسية".

المال السعودي لا يشتري كل شيء

تراجعت الرياض التي احتضنت الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عن دعم تونس بعد الثورة التونسية، وقدوم حركة النهضة إلى رأس الحكم، وهو أمر لا غرابة فيه من قبل المملكة التي تعتبر النهضة تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، التنظيم الذي كان قد أشار إليه ولي العهد السعودي ابن سلمان باعتباره "أحد محاور الشرّ".

وقد تدهورت العلاقات بين الجانبين حتى وصلت لدرجة غياب الدعم الاقتصاديّ شبه الكامل عن الدولة الثالثة من حيث الأهمية في الاستثمار السعودي، إذ كانت تونس تمثل ثقلًا معتبرًا بالنسبة لمشاريع رجال الأعمال السعوديين في قطاعي العقارات والسياحة بقيمة تبلغ حوالي 800 مليون دولار.

لكن السعودية راجعت نفسها مع وصول الباجي قائد السبسي إلى كرسي الحكم في تونس عام 2014، فتقربت الرياض من تونس رغم استمرار تحفظها على مشاركة النهضة في الحكم، واعتبرت زيارة السبسي للرياض في ديسمبر (كانون الأول) 2015، بمثابة ميلاد جديد للعلاقات السعودية التونسية، وهي الزيارة التي وقعت فيها اتفاقيتي قرض بقيمة 659 مليون دينار، لتمويل مشروع محطة توليد الكهرباء بمدينة المرناقية، شمال تونس العاصمة.

أيضًا بلغت استثمارات الرياض 900 مليون دولار، كما منحت السعودية في العام 2016 تونس 500 مليون دولار لدعم الاستثمار في مجالات عدّة، وكذلك تخصيص 200 مليون دولار لتمويل صادرات سعودية، بل تحرّكت الرياض نحو دعم مشاريع بعيدة عن الطابع الاستثماريّ، كقيامها بترميم جامع عقبة بن نافع في القيروان، كما تبرّعت بنحو 5 ملايين دولار لترميم جامع الزيتونة، وصيانة مسجد الملك عبدالعزيز الواقع في ضواحي تونس، وإنشاء مستشفى جامعيّ.

وكان نظير هذا الإغداق السعودي مواقف مؤيدة للسياسة السعودية من قبل حكومة السبسي، فأبدى الأخير اعتراضه على السياسة الإيرانيّة في المنطقة، وأعلنت تونس انضمامها إلى "التحالف الإسلامي" إلا أن الانتقادات الداخليّة جعلت الأمر صوري الشكل، ووصل أمر التدخل السعودي للكشف عن طلب الرياض من الحكومة التونسية الحدّ من نشاط مكتب "الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين" في تونس، الذي يرأسه القياديّ في حركة النهضة عبد المجيد النجّار، وهو المؤسسة المصنفة من قبل السعوديّة والإمارات والبحرين ومصر في قوائم المنظمات الإرهابية.

ورغم ذلك، تسجل لتونس مواقف ضد الرغبة السعودية، أبرزها الموقف التونسي من الأزمة الخليجية مع قطر، فقد رفضت تونس الاصطفاف ضد قطر، وطالبت الدول الخليجية بتفادي التصعيد وحلّ خلافاتها عبر الحوار، كما أيدت تونس خلافًا لرؤية الرياض إجراء حوار وطني في كلٍّ من ليبيا وسوريا واليمن، دون تدخلات خارجية. انتهى/خ.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق