نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لمدير المركز العربي في واشنطن دي سي، خليل جهشان، يقول فيه إنه إذا كانت إدارة ترامب تسعى إلى تجريد اللاجئين الفلسطينيين من وضعهم، فإنها ستزعزع استقرار أحد أقرب حلفاء أمريكا في المنطقة.

ويقول الكاتب إن "محاولات إدارة الرئيس الأمريكي ترامب للضغط على الأردن لنزع صفة اللجوء عن اللاجئين الفلسطينيين فيها أصابت عصبا حساسا في المملكة، في وقت اضطراب سياسي واقتصادي غير مسبوق، وبطرحهما خطتهما على المسؤولين الأردنيين، فإن المفاوضين الأمريكيين جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات أثبتا تحيزا وفشلا سيؤديان إلى تعطيل خطة واشنطن للسلام، وزيادة تقويض مصداقية أمريكا في الشرق الأوسط.

ويشير جهشان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن حوالي 2.2 مليون لاجئ فلسطيني مسجل -أكثر من أي بلد آخر في المنطقة- يعيشون في الأردن، فعندما طرد الفلسطينيون من بيوتهم في فلسطين، التي كانت تحت الانتداب البريطاني خلال الحرب التي أدت إلى قيام اسرائيل، رحبت المملكة بهم، ومنحتهم الجنسية لتسهيل شؤونهم الإنسانية، لكن بصفة محدودة لا تؤثر على تطلعات الفلسطينيين الوطنية أو مستقبلهم السياسي، فهم لا يزالون يعتبرون (دون دولة)، وينتظرون العودة كما تقرره الالتزامات القانونية الأردنية والإقليمية والدولية، وكانت الجملة السائدة (الأردن ليست فلسطين) ولا تزال تعكس قلقا على الأمن القومي في المملكة". 

ويلفت الكاتب إلى أن "وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) قامت على مدى سبعة عقود، بالاعتناء بأفقر اللاجئين في الأردن، فتدير الوكالة 171 مدرسة في الأردن، تخدم أكثر من 121 ألف طالب، بالإضافة إلى أن لها 25 عيادة صحية تستقبل أكثر من 1.5 مليون زيارة في السنة، ويعيش في 10 مخيمات معترف بها حوالي 370 ألف لاجئ". 

ويبين جهشان أن "هدف البيت الأبيض الذي شرحته رسائل بريد إلكتروني داخلية من جاريد كوشنر إلى زميله جيسون غرينبلات، التي حصلت عليها مجلة (فورين بوليسي)، هو (للقيام بجهد صادق وأمين لتعطيل عمل الأونروا)، ولتجريد اللاجئين كلهم، باستثناء القلة الذين خرجوا من فلسطين منذ الانتداب عام 1948، والذين لا يزالون على قيد الحياة، وهذه خطة تعكس جهلا مطبقا بما تمر به الأردن من أزمات سياسية واقتصادية حاليا".

ويعلق الكاتب قائلا: "يبدو أن كوشنر مقتنع بأن الأونروا (تديم الوضع القائم، وفاسدة وغير فعالة، ولا تساعد على التوصل إلى سلام)، وكان صهر الرئيس ترامب، الذي تحول إلى مستشار كبير، والذي يفتقد أي خبرة دبلوماسية في شؤون الشرق الأوسط، عبر عن رايه بالقول إنه (أحيانا عليك أن تغامر استراتيجيا بكسر الأشياء للوصول إلى مبتغاك)، لكن ما لم يستطع فهمه هو أن خطته نصف المطبوخة تغامر في تقويض شرعية وسيادة الأردن، أقرب حلفاء وشركاء أمريكا في الشرق الأوسط، ولهذا فإن إزالة قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات، كما يحب أن يقول ترامب، شبيهة بقطع أنفك نكاية في وجهك". 

ويستدرك جهشان بأنه "بالرغم من المساعدات السخية الأجنبية التي تستقبلها عمان، وبمساعدة في طريقها من دول الخليج هذا الأسبوع، فهي تعاني من أزمة اقتصادية تسببت بها عوامل محلية ودولية، بما في ذلك الصراعات الدائرة في كل من العراق وسوريا، بالإضافة إلى أن تجنب دفع الضرائب السائد زاد من ديون الأردن لتصل إلى 95% من الناتج المحلي الإجمالي، وتسبب نقص التمويل بتضخم جامح في وقت تصارع فيه الدولة لتوفير الغذاء والماء لـ670 ألف لاجئ سوري".

ويلفت الكاتب إلى أن "مقترحات بإصلاحات ضريبية وارتفاع الأسعار تسببت ربيع هذا العام بإضراب عام للاتحادات العمالية، أسقط رئيس الوزراء هاني الملقي، فيما تتوقف شعبية رئيس الوزراء الجديد عمر الرزاز على تمكنه من مواجهة الفساد". 

ويجد جهشان أنه "وسط هذا المناخ السياسي، وبهدف واحد هو حل الـ(أونروا) بأي ثمن فإن هناك تقارير بأن كوشنر عرض على الأردن أن تدفع له الملايين التي كانت تدفع لـ(أونروا) سنويا مقابل استيعاب المسؤولية الكاملة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، ورفض الملك عبدالله العرض مباشرة، وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي بأن لمثل هذا التحرك (تداعيات إنسانية وسياسية وأمنية خطيرة جدا، وذلك للمنطقة كلها)".

ويقول الكاتب: "قد يعتبر بعض المسؤولين في إدارة ترامب بسذاجة أن الأردن أضعف من أن يقاوم ضغط أمريكا لقبول أوامر البيت الأبيض، صحيح أن الأردن حليف مقرب من أمريكا، ويعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية، لكن، وبعد أن عاش تحديات وجودية منذ عام 1946، لن يكون ملك الأردن مستعدا لارتكاب انتحار وطني لإرضاء واشنطن فقط".

ويرى جهشان أنه "يحسن بالبيت الأبيض أن يفكر في مخاطر زعزعة استقرار حليفه، فقيادات اللاجئين المدنية في الأردن تعد (أونروا) حامية للأموال التي يتبرع بها للاجئين الذين يعتمدون عليها في لقمة عيشهم في وجه فساد مستشر في الحكومة الأردنية، وتحويل أموال الـ(أونروا) للحكومة سيشكل حتما فرصة لبيروقراطية نهمة، وهو ما سيشعل احتجاجات يمكنها أن تقوض الحكومة الجديدة في عاصفة من الحماس ضد الاستبداد، وضامن سابق للاستقرار أثبت جدارة سينهار ممهدا الطريق أمام دمار ومعاناة لا يمكن تصورهما".

وينوه الكاتب إلى أن "ترامب اتهم الـ(أونروا) بأنها تديم أزمة اللاجئين من خلال تقديم الخدمات الضرورية للاجئين المنتظرين للعودة، بدلا من العمل على توطينهم في أماكن أخرى، لكن ليس هناك أي شيء في تفويض الـ(أونروا) يمنحها السلطة على توطين أحد، حتى لو هي أرادت فعل ذلك، كما أن محاولة من جانب واحد للي ذراع الأردن لقلب اتفاقيات متعددة الأطراف يظهر جهلا بالحقائق السياسية على الأرض".

ويفيد جهشان بأن "ترامب أعلن في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأسبوع الماضي بأنه سيكشف عن خطته للسلام الإسرائيلي الفلسطيني خلال أربعة أشهر، وقام البيت الأبيض بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ونقل السفارة الأمريكية في إسرائيل الى القدس، وهو تحركات تثبت تحيزا لإسرائيل، وهو ما يضمن عدم تعاون الفلسطينيين، وتنفير حليف قديم مثل الأردن سيفاقم من الصدع المتنامي بين الدول العربية، ويقوض فرص السلام".

ويذهب الكاتب إلى أنه "إذا كانت الخطة تمنع المساعدات الدولية للفلسطينيين، فإن العنف سيعم المنطقة -بما في ذلك إسرائيل- بسبب الأزمة الإنسانية الناتجة عن ذلك".

ويقول جهشان: "إن نجحت خطة كوشنير، فإن البلدان المستضيفة مثل الأردن هي التي ستتحمل نتائج زوال الـ(أونروا)، وهذا ما يوضح سبب الدور الريادي المتحمس الذي قام به الملك عبدالله والدبلوماسيون الأردنيون في الجمعية العمومية لجمع ملايين الدولارات لـ(الأونروا) لتعويض التمويل الأمريكي للوكالة ومنع انهيارها".

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "الأردن تجنب إلى الآن وقوع كارثة، ولمنع المزيد من عدم الاستقرار فإن على أمريكا أن تعيد تمويل الـ(أونروا)، وأن تسعى لعملية مفاوضات شاملة عادلة تعامل الفلسطينيين بصفتهم طرفا مساويا يستحق السيادة والأمن بدلا من إشباع رغبات إسرائيل".انتهى/س

اضف تعليق