اقتصاد

هل تتمرد اوبك على ترامب؟

في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، اختتمت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها من المنتجين المستقلين وعلى رأسهم روسيا اجتماعها في الجزائر، دون توصية رسمية بأي زيادة إضافية في إمدادات النفط، وذلك بالرغم من الحديث عن الأثر الكبير التي قد تتسبب به العقوبات الأمريكية على إيران، وذلك في رفض واضح لطلب الرئيس الأمريكي بزيادة إنتاج النفط، هذا الحدث تحديدًا جعلنا نشهد أسبوعًا مختلفًا فيما يخص أسعار النفط، فما الذي حدث تحديدًا؟

لماذا ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2014؟

كما يوضح المؤشر التالي لم تتوقف أسعار النفط عن الصعود منذ بداية 2018، إذ وصلت إلى ذروة هذا الصعود في جلسة الجمعة 29 سبتمبر (أيلول)، مرتفعه بأكثر من 1%، لتسجل عقود برنت أعلى مستوى في أربع سنوات، لتبلغ عند التسوية 82.72 دولار للبرميل بعد أن سجلت خلال الجلسة نحو 82.87 دولار، وهو أعلى سعر وصل إليه النفط منذ العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.

وخلال الأسبوع الماضي وتحديدًا، بعد اجتماع (أوبك) والمنتجين المستقلين في الجزائر، صعدت أسعار النفط بأكثر من 7%، وذلك بعد أن خلص الاجتماع إلى ضرورة التركيز على الوصول إلى نسبة الامتثال بنسبة 100% لتخفيضات الإنتاج، والذي جرى الاتفاق عليه في اجتماع أوبك في يونيو (حزيران) الماضي، بينما لم تتم مناقشة الآلية المحددة للقيام بذلك، ولم يتم الحديث كذلك عن كيفية تعويض صادرات إيران، وهو الأمر الذي دفع السوق للقلق بشأن الإمدادات المستقبلية للنفط.

ومن المنتظر أن تدخل جولة جديدة من العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، وهو ما سيوثر بشكل مباشر على الصادرات النفطية لثالث أكبر منتج للنفط في أوبك، إذ تسعى أمريكا لخفض واردات طهران إلى الصفر لدفعها نحو التفاوض على اتفاق نووي جديد، وخلال الأيام القليلة الماضية تباينت مواقف المشترين الرئيسيين للنفط الإيراني، ففي الوقت الذي خفضت فيه شركة سينوبك الصينية شحنات النفط الخام من إيران إلى النصف خلال سبتمبر (أيلول) تحت ضغوط قوية من واشنطن، كشفت الهند -مشترٍ رئيسي آخر- عن أنها ملتزمة بشراء النفط من إيران.

وبالرغم من الإمكانيات الإنتاجية لدى السعودية والمنتجين الآخرين إلا أنه من غير المتوقع أن يتمكنوا من تعويض نقص الإنتاج الإيراني، إذ تشير تقديرات بنك «إيه إن زد» إلى أنه من غير المرجح أن الزيادة في الإمدادات من كبار المصدرين ستعوض الخسائر التي ستنتج عن العقوبات، والمقدرة بنحو 1.5 مليون برميل يوميًا، وذلك من إجمالي صادرات بلغت في مايو (أيار) الماضي نحو 2.71 مليون برميل يوميًا، أي 3% من الاستهلاك العالمي اليومي من النفط.

على الجانب الآخر وبعيدًا عن إيران فإن هناك مؤشرًا هامًا يؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط العالمية، وهو متعلق بشركات الطاقة الأمريكية، فبحسب ما قالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة في تقريرها الأسبوعي الذي يحظى بمتابعة وثيقة من ناحية سوق النفط، إن شركات الحفر خفضت عدد الحفارات النفطية العاملة بواقع ثلاثة في الأسبوع المنتهي في 28 سبتمبر (أيلول) ليصل العدد الإجمالي إلى 863، وهو الأسبوع الثاني على التوالي الذي يتراجع فيه عدد الحفارات، إذ سجلت الشركات أقل زيادة فصلية في عدد الحفارات منذ عام 2017.

ويعد عدد الحفارات النفطية النشطة في الولايات المتحدة مؤشرًا أوليًا للإنتاج مستقبلًا، ومع زيادة عدد الحفارات تستعد الأسواق لاستقبال إمدادات نفطية أعلى وهو ما يدفع أسعار النفط للهبوط، بينما يشير تراجع عدد الحفارات كما حدث خلال الأسبوعين الماضيين إلى نقص ممكن في المعروض النفطي، قد يدفع الأسعار للصعود.

هل سيصل النفط إلى 100 دولار قريبًا؟

رجح استطلاع للرأي أجرته وكالة "رويترز" مؤخرًا ارتفاع أسعار النفط على نحو متواصل حتى العام المقبل، إذ توقع الخبراء المشاركون في الاستطلاع أن يتفوق أثر المخاوف من انخفاض إمدادات دول مثل إيران وفنزويلا على القلق بشأن الحرب التجارية العالمية، إذ يرى رئيس أبحاث السلع الأولية لدى "إل بي بي دبليو"، فرانك تشالنبرجير، أن نزاعات التجارة العالمية لم تؤثر فعليًا بعد على النمو الاقتصادي حتى الآن، بينما العقوبات على إيران كان لها بالفعل أثر على صادرات إيران وإنتاجها، لذلك كان تأثيرها على الأسعار أسرع.

الأفضل سيأتي مع الربع الأخير

هكذا يتوقع جان إدلمان، محلل السلع الأولية لدى "إتش إس إتش نوردبنك إيه جي"، إذ يرى أن سعر النفط سيرتفع أكثر مدفوعًا باستمرار النمو القوي للطلب على النفط، وانخفاض الصادرات الإيرانية، كما يتفق أغلب من استطلعت «رويترز» آراءهم على أن الفترة المتبقية من 2018، والعام القادم سنشهد تباطؤ نمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي، لكن بالرغم من التوقعات بزيادة السعر لم يتحدث الخبراء عن الرقم 100، فهل ما زال بعيدًا عن النفط؟

في الواقع قبل أشهر قليلة من الآن كان الجميع يستبعد وصول أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، ولكن مع المعطيات الجديدة بات البعض يؤكد أن النفط أصبح قريبًا من تسجيل هذا المستوى، وعلى رأس هؤلاء كان بين لوكوك، المدير المشارك لتداول النفط في «ترافيجورا»، الذي قال إن أسعار النفط قد ترتفع إلى 90 دولارًا للبرميل بحلول عيد الميلاد، بينما ستسجل 100 دولار بحلول العام الجديد، إذ عزى ذلك إلى طلب عالمي قوي على النفط.

في الوقت ذاته، يرى بنك "جولدمان ساكس" إن أسعار خام برنت ستستقر على الأرجح في النطاق بين 70 و80 دولارًا للبرميل مع اقتراب نهاية 2018، إذ ما زال البنك يتوقع أن تعوض بقية دول أوبك خسائر الإنتاج الإيراني؛ وهو ما يجعل توقعات البنك الأمريكي متوازنة إلى حدٍ كبير، بالرغم من أنه ذكر توقعات النمو القوي للطلب على النفط ومستويات المخزونات الأقل من المتوسط في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بين منتجي النفط، تشير إلى احتمالات تحرك الأسعار صعودًا.

كان هذا مبرر "بنك أوف أمريكا ميريل لينش" لرفع توقعاته لسعر النفط في العام القادم، لكنه أيضًا لم يتجاوز نطاق 80 دولارًا، معللًا هذا التوقع خلال مذكرة بحثية نشرت الأسبوع الماضي بأن بواعث القلق بشأن طلب الأسواق الناشئة قد تعود مرة أخرى، وهو ما سيقوض ارتفاع النفط.

صراع ترامب وأوبك.. من يرضخ للآخر؟

في يونيو الماضي تخلت أوبك عن سياسة خفض الإنتاج التي بدأتها المنظمة في ديسمبر (كانون الأول) 2016، والذي كان أول خفض للإنتاج خلال 10 سنوات، وأول تخفيضات مشتركة مع 11 من المنتجين المستقلين بقيادة روسيا في 15 عامًا، وتخلت أوبك حينها عن سياسة الخفض في ظل ضغوط سياسية جاءت بقيادة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

وطلب ترامب من المنظمة بشكل مباشر زيادة الإنتاج، فبحسب ما ذكرت وكالة بلومبرج فإن الحكومة الأمريكية طلبت من السعودية ومنتجين آخرين من أوبك زيادة إنتاج النفط بنحو مليون برميل يوميًّا، وذلك بعد أن ارتفعت أسعار البيع بالتجزئة للبنزين في الولايات المتحدة لأعلى مستوياتها في أكثر من ثلاث سنوات مطلع يونيو (حزيران) الماضي، الأمر الذي استجابت له المنظمة بزيادة الإنتاج، فهل يتكرر السيناريو؟

بات الوضع حاليًا مختلفًا بعض الشيء فالمطالبات صحبتها تهديدات سياسية، إذ اتهم ترامب خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أعضاء أوبك باستغلال بقية العالم، قائلاً "نريدهم أن يوقفوا رفع الأسعار ونريدهم أن يشرعوا في خفض الأسعار"، ولكن بما أن اجتماع أوبك في الجزائر انتهى بدون الاتفاق على زيادة في الإنتاج فإن التدخل قد يكون فرديًا، لكن من سيتدخل؟

وقالت وكالة الأنباء السعودية، السبت، إن الرئيس الأمريكي أجرى اتصالاً هاتفيًا بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمناقشة جهود الحفاظ على الإمدادات لضمان استقرار سوق النفط ونمو الاقتصاد العالمي، هذا الاتصال فسره المراقبون بأن السعودية قد تتجه الفترة القادمة لزيادة الإنتاج، فبحسب مصدرين مطلعين على سياسة أوبك قالا لوكالة رويترز إن السعودية ومنتجين آخرين ناقشوا إمكانية زيادة الإنتاج نحو 500 ألف برميل يوميًا، وفي حال حدث ذلك فإن السعودية تكون قد رضخت لمطالب ترامب للمرة الثانية منذ يونيو (حزيران) الماضي وحتى الآن، وأيضًا فإنه في هذه الحالة سنستبعد سيناريو وصول النفط إلى 100 دولار للبرميل قريبًا.

الرابحون والخاسرون من ارتفاع النفط

لم تشهد معادلة الرابحون والخاسرون تغيرًا كبيرًا بشكل عام، فالمنتجون يربحون والمستوردون يدفعون الفاتورة، ففي الوقت التي تجني فيه روسيا والسعودية وأمريكا المكاسب بسبب الإنتاج القياسي، يتعرض المستوردون وخاصة في الشرق الأوسط إلى ضغوط مالية كبيرة، بعكس الصين والهند واليابان ودول الاتحاد الأوروبي التي حققت وفرات ضخمة في موازناتها خلال فترة هبوط الأسعار.

بينما في الشرق الأوسط يمكن القول إن كلًا من تركيا التي تعاني أزمة اقتصادية حالية، بالإضافة إلى مصر والمغرب وتونس هم أبرز الدول الخاسرة من صعود أسعار النفط، ولكن ما يجعل الأزمة مضاعفة بالنسبة لدولة مثل مصر على سبيل المثال، هو أن موازنة البلاد قائمة على تقدير لسعر برميل النفط أقل كثيرًا من المستوى الحالي الذي وصلت إليه الأسعار، إذ تشير تقديرات إلى أن كل زيادة في سعر برميل خام برنت بقيمة دولار واحد، ترفع قيمة دعم المواد البترولية بنحو 3 مليارات جنيه في مصر، وكذلك لا يختلف الوضع كثيرًا في تونس والمغرب. انتهى/خ.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق