في 12 يونيو (حزيران) الماضي، صدر تقرير عن مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له، حول استخدام سوق العقارات في دبي خلال السنوات الماضية، ملاذًا لغسيل أموال كثير من منتفعي الحرب وممولي الإرهاب ومهربي المخدرات حول العالم. التقرير الصادر اعتمد على بيانات عقارية رسمية مسربة، تثبيت حدوث عمليات شراء مشبوهة للشقق والفيلات في جميع أنحاء الإمارات، هذا التقرير لم يكن الأول من نوعه، وربما لن يكون الأخير، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية واجهت الإمارات العديد من الاتهامات حول استخدام بعض قطاعاتها الاقتصادية في جريمة غسل الأموال، فهل باتت فعلًا دولة الإمارات، أو إمارة دبي تحديدًا، وجهة رئيسية للأموال القذرة؟

الإمارات وغسيل الأموال.. اتهامات الماضي ووقائع الحاضر

تحتل الإمارات المرتبة السادسة عربيًّا والثانية والسبعين عالميًّا في المؤشر الدولي لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وفق تقرير معهد "Basel" للحوكمة الصادر عام 2017، ويضم المؤشر الذي يصدره المعهد 146 دولة، ويتم حساب التصنيفات استنادًا إلى جودة قوانين الدولة المعنية بمكافحة غسل الأموال، بالإضافة إلى مستويات الفساد، ومعايير القطاع المالي والشفافية العامة، ويتم ترتيب الدول من الأكثر إلى الأقل خطورة في ما يتعلق بغسيل الأموال.

وبالرغم من أنه وفق المؤشرات العالمية لا تقع الإمارات في مرتبة متقدمة عالميًّا من حيث غسيل الأموال، إلا أنه كثيرًا ما تثار هذه القضية، فبحسب تقرير نشر بصحيفة "الجارديان" البريطانية، في 24 يونيو الماضي، فإن دبي تخطت جزيرة كوستا ديل كرايم الإسبانية، التي تعد أسوأ مكان في العالم لغسيل الأموال، مشيرة إلى أن هناك معلومات تكشف أن بريطانيين استخدموا دبي لإخفاء 16.5 مليار جنيه إسترليني، ضرائب للمملكة المتحدة ما بين عامي 2005 و2016، وهو ما يوضح أن المؤشر ربما لا يكشف حقيقة ما يحدث في البلاد.

على الجانب الآخر، كان اسم الإمارات حاضرًا في ما عرف بـ"المغسلة الروسية"، إذ وردت أسماء 150 شركة إماراتية ضمن آلاف الشركات التي تم رصد تورطها بعمليات فساد مالي، وتحويلات بنكية غير مشروعة في 96 بلدًا، خلال التحقيق الذي نشر في 2014، عبر مشروع التحقيقات الصحافية حول الجريمة المنظمة والفساد "OCCRP"، للكشف عن أكبر عملية غسيل أموال في روسيا، والتي تمت عبر 732 بنكًا حول العالم، وصولًا إلى 5140 شركة، إذ ورد خلال التحقيق أسماء بنوك إمارتية أيضًا، وعلى رأسها بنكا الإمارات دبي الوطني وأبوظبي التجاري، لكنهما عدّا نفسيهما ضحيتي هذه العملية.

مجلة "لونوفال أوبستيرفاتور" الفرنسية هي الأخرى تحدثت خلال تحقيق استقصائي حمل عنوان "أوراق دبي" -على شاكلة "أوراق بنما" الشهيرة– عن معلومات تشير إلى تحول الإمارات إلى مركز عالمي للتهرب الضريبي وغسيل الأموال، وذلك على مدار 20 عامًا مضت، من خلال شبكة تعمل خارج القانون، تضم رجال أعمال ومديري مقاولات كبرى ورياضيين، ولكن بعيدًا عن هذه الحوادث، هناك وقائع جديدة ربما توضح أكثر أن دبي باتت مركزًا عالميًّا بالفعل لعمليات غسيل الأموال، وعلى رأس هذه الوقائع ما حدث في كل من باكستان وأستراليا وإيران.

باكستان.. 150 مليار دولار في عقارات الإمارات

منذ أن قررت المحكمة العليا في باكستان التحقيق في مصادر ثروة أسرة رئيس الوزراء الأسبق، نواز شريف، وتحدثت الأسرة عن أن الأموال التي استخدمتها لشراء العقارات والشركات في لندن والخليج جاءت أساسًا من بيع مصانع الصلب التي كانت تمتلكها في الإمارات، أصبحت الإمارات محل شك لدى السلطات في باكستان.

وكشفت تقارير صحافية أن الحكومة الباكستانية الجديدة تطارد استثمارات بنحو 150 مليار دولار لأثرياء باكستانيين تقول إنهم غسلوها في عقارات بالإمارات، وذلك وفق تقرير قدمته شركة "برايس ووتر هاوس" لتدقيق الحسابات إلى المحكمة العليا في باكستان مؤخرًا، حسبما ذكرت صحيفة "أرابيان بيزنس" الصادرة بالإنجليزية في دبي، ويشير التقرير إلى أن الأموال تعود إلى شخصيات سياسية ومسؤولين ورجال أعمال فاسدين.

أستراليا.. الإمارات مركز عمليات تبادل متعددة للعملات

في الخامس من فبراير (شباط) الماضي، نشر موقع "أي بي سي" تقريرًا من إعداد لانتون بيسر، الصحافي الشهير في مجال الصحافة الاستقصائية، يتهم دبي بأنها منفذ خطير في الجريمة المنظمة وغسيل الأموال، إذ تحدث خلال التقرير عن أن الإمارات كانت قناة رئيسية لعملية غسل الأموال العالمية التي استنزفت مئات الملايين من الدولارات في أستراليا.

وكشف بيسر الحائز جائزة الصحافة الاستقصائية عام 2010، عن أن أربع عمليات غسيل أموال نفذت في الإمارات عبر "ألطاف خاناني"، المسجون حاليًا في فلوريدا -مسؤول عن غسيل ما يصل إلى 16 مليار دولار سنويًّا لمنظمات الجريمة المنظمة حول العالم-، وذلك من خلال إجراء عمليات نقل دولية لتبادل العملات المتعددة؛ موضحًا أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال تمت إدارتها من خلال صرافة "وول ستريت" المملوكة للدولة، وهي الصرافة نفسها التي خضعت لتحقيقات الكونجرس في هجمات سبتمبر (أيلول) 2001

وقال التقرير إن الصرافة الإماراتية التي تعد إحدى كبرى شركات تحويل الأموال في الشرق الأوسط؛ حددتها الشرطة الاتحادية الأسترالية على أنها مركز رئيسي "لحركة أرباح المخدرات وتمويل الإرهاب"، ناهيك عن أنه منذ عام 2008، كان خاناني يدير شركة "الزرعوني" للصرافة في دبي، ولكن تم إغلاقها في 2015، بعدما ضبطته إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة.

إيران.. الصرافات الإماراتية البوابة الخلفية لتمويل طهران

رغم الخلافات السياسية الواسعة بين الإمارات وإيران؛ إلا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين على عكس هذه الخلافات، إذ تشهد نموًا وتطورًا ملحوظًا، فبحسب ما أعلن الجمرك الإيراني، في نهاية 2017، فإن الإمارات تأتي في صدارة التبادل التجاري مع طهران خلال آخر تسعة أشهر من العام الماضي، إذ إن حجم التبادل وصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار، بينما تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن إجمالي قيمة الصادرات الإماراتية إلى إيران تصل إلى نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، وذلك بالرغم من المشاحنات الإعلامية الكبيرة بين البلدين، لكن ما الذي يثبته ذلك؟

بالطبع لا يدل زيادة حجم التبادل بشكل مجرد على شيء، ولكن عندما نعرف أن إيران تصدرت في 2017 للعام الرابع على التوالي المؤشر الدولي لغسيل الأموال، فإن التعاملات مع إيران يجب أن يكون عليها علامات استفهام كبيرة. وهو بالفعل ما كشفته مؤخرًا وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، سيجال مانديلكر، التي قالت في منتصف يوليو (تموز) الماضي: إن شركات صرافة استخدمت النظام المالي الإماراتي لنقل أموال إلى خارج إيران، ثم تحويلها إلى دولارات أمريكية لتستخدمها جماعات تدعمها إيران في المنطقة.

هذه الأحداث ظهرت على سطح بعد قرار الرئيس الأمريكي بإعادة العقوبات على إيران، والانسحاب من الاتفاق النووي، إذ أعلن بعدها مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي أنه خفض نشاط سبع شركات صرافة، بسبب انتهاكات غير محددة لقواعد مكافحة غسيل الأموال وغيرها.

هل تفتح القوانين والقطاعات الاقتصادية في الإمارات الباب أمام غسيل الأموال؟

بالرغم من أن القوانين والأنظمة والإجراءات المطبقة في دولة الإمارات بشأن مواجهة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب ليست حديثة، لكنها كما تشير المعطيات السابقة لم تكن كافية لمنع تحول البلاد لأحد المراكز الرئيسية لغسيل الأموال حول العالم، بالإضافة إلى أن بعض القطاعات الاقتصادية وفرت المناخ المناسب لهذه الجريمة مثل العقارات، وتجارة الذهب والماس، بالإضافة إلى المناطق الحرة.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، كان مجلس الوزراء الإماراتي قد أصدر قانونًا بشأن مواجهة جرائم غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب مكونًا من 25 مادة، إلا أن البلاد تعمل حاليًا على إدخال تعديلات جديدة على القانون الاتحادي بشأن مكافحة جرائم غسيل الأموال، في إطار مراجعة قواعدها الخاصة على النحو المطلوب لضمان الالتزام المستمر بالمعايير العالمية، في إشارة إلى أن القانون القديم كان به العديد من الثغرات التي سمحت بتوسع عمليات غسيل الأموال في الإمارات.

بالإضافة إلى أن عقارات دبي الفاخرة أتاحت الفرصة لأولئك الذين يرغبون في استثمار النقود التي لا يمكنهم إنفاقها، إذ لا تقدم دبي قاعدة بيانات لجميع معاملاتها، وسجلات العقارات عامة، بل تكتفي بطلب تفاصيل محددة، وتكون متاحة للمشترين والبائعين الفرديين فقط، بينما تعتبر المعلومات التي تظهر من حين لآخر معلومات سرية يتم تسريبها، وبهذا الوضع فإن القطاع العقاري الذي يُعد محركًا رئيسًا للنشاط الاقتصادي في البلاد، وإمارة دبي على وجه الخصوص، يعد بيئة مناسبة لنشاط غسيل الأموال.

من ناحية أخرى تعتبر دبي مركزًا عالميًّا لتجارة الذهب والماس، وتحتل المركز الثالث عالميًّا في هذه التجارة التي نمت حتى بلغت 75 مليار دولار سنويًّا، وتحتل الإمارات أيضًا المركز الخامس في قائمة أكثر الدول استيرادًا للماس في العالم، بنسبة بلغت حوالي 7.8% من الواردات العالمية. وتشير تقديرات إلى أن هذه التجارة هي الأخرى توفر مناخًا مناسبًا لجرائم غسيل الأموال، خاصة بسبب المميزات التي تحصل عليها التجارة في البلاد، والتي كان آخرها الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة.

وعلى مستوى المناطق الحرة التي لا تختلف كثيرًا عن قطاعي العقارات والماس، فإنها تستحوذ في دبي على 39% من صادرات الإمارة، وتشكل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، فضلًا عن أنها مصدر أساسي للاستثمار الأجنبي المباشر؛ إذ يوجد بها ما يزيد على 38 ألف شركة، ويرتبط النمو السريع الذي تشهده المناطق الحرة بالطفرة الاقتصادية التي حققتها البلاد خلال العقد الماضي، لكن هذه المناطق أصبحت وجهة مفضلة لأولئك الذين يريدون الابتعاد عن أعين القانون، وسبق أن حذرت الخارجية الأمريكية من مخاطر هذه المناطق. انتهى/خ.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق