قال الكاتب بول بيلار مؤلف كتاب "لماذا تسيئ أمريكا إلى العالم بأسره" بمقاله في مجلة "ناشيونال إنترست" إن مشاكل سوريا لا ينبغي أن تصرف الانتباه عن أشياء مشابهة تجري في العراق؛ الدولة التي زعزعها تنظيم داعش، وتستخدمها إدارة دونالد ترامب لحملتها العدائية تجاه إيران.

وأضاف الكاتب، منذ غزو الولايات المتحدة عام 2003، ظل العراق بعيدًا عن الديمقراطية الليبرالية الناشئة التي تصورها مروجو تلك الحرب ووعدوا بها. لقد احتوت قصة العراق على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية على نشوب حرب أهلية، وتمرد، وصراع طائفي مكثف امتد على حدود العراق ونشأة الجماعة الإرهابية. في الآونة الأخيرة، أشعل السخط العام وعدم الاستقرار اضطرابات عنيفة في مدينة البصرة، إذ ظهرت الحشود الجماهيرية غاضبة من الجميع بشأن كل شيء، وأحرقت المباني الحكومية والقنصلية الإيرانية.

ترامب لا ينظر للعراق إلا من خلال عدسته

ترى إدارة ترامب، التي تنظر للعراق من خلال عدستها الضيقة المناهضة لإيران، أن البلاد ساحة للألعاب السياسية إذ يعمل رجل أمريكا في بغداد، المبعوث الخاص بريت ماكجورك، على إبقاء القادة المدعومين من الولايات المتحدة في السلطة وإبعاد أي شخص موالٍ لإيران عن السلطة. ويلفت الكاتب إلى أن هذا نهج الإدارة الأمريكية السابقة، إذ رأت مساعدة وزير الخارجية، فيكتوريا نولاند، أن مهمتها تكمن في اختيار قادة أوكرانيا. ويظهر البعد المناهض لإيران بالسياسة الأمريكية بشكل واضح في إلقاء إدارة ترامب اللوم على إيران بشأن أي شيء سلبي يحدث في العراق – بما في ذلك بعض الأحداث التي اندلعت في الآونة الأخيرة بالقرب من مبنيين دبلوماسيين أمريكيين – في حين تجاهلت حقيقة أن القنصلية الإيرانية هي التي دُمرت في أعمال العنف، وليست أمريكية.

وتتعامل الولايات المتحدة بنفس أسلوب صنع حرب عام 2003، التي استمع فيها صقور الحرب لبعض المغتربين الذين لم يكونوا يعرفوا سوى القليل عن العراق، مما يظهر أن سياسة الولايات المتحدة لا تولي اهتمامًا كبيرًا لإرادة معظم العراقيين، ويعلق الكاتب، إن ما يهتمون به بشكل أساسي هي الأمور التي حركت المتظاهرين في البصرة: مثل المياه النظيفة والتيار الكهربائي الفعال والاستخدام النزية للثروة النفطية في المنطقة الجنوبية.

ما مدى علاقة العراق بإيران؟

المواقف العراقية تجاه القوى الخارجية معقدة، رغم أنها ليس بها الكثير من اللاعبين الخارجيين مقارنة بدول أخرى. ويشير الكاتب إلى أن الطائفية عامل حاسم في المواقف العراقية تجاه إيران، مع أن هذا البعد معقد أيضًا. إذ يتشارك معظم العراقيين الجنوبيين مع معظم الإيرانيين الانتساب للطائفة الشيعية، لكن الشيعة العراقيين – بمن فيهم رجل الدين الشيعي البارز في العراق، آية الله علي السيستاني، رغم أنه إيراني عرقيًا – لم يدعموا مفهوم آية الله روح الله الخميني عن ولاية الفقيه (الحكم المباشر لرجال الدين). كما يدرك العراقيون تمامًا ما هي القوة الخارجية التي ساعدتهم على صد تقدم داعش. تلك القوة كانت إيران، التي ساعدتهم أكثر من الولايات المتحدة.

وأشار الكاتب إلى أن القرب الجغرافي من إيران أثر في التفكير العراقي من جهة الاقتصاد والأمن. ويتطلب الازدهار الاقتصادي تجارة كبيرة عبر الحدود العراقية الإيرانية، والضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على حكومة حيدر العبادي لوقف معاملات الدولار مع إيران وكذلك منع استيراد السلع الإيرانية، بما في ذلك الوقود، تؤدي للمعاناة بدلاً من الازدهار. وبالتالي، فإن مثل هذا الضغط الذي يمثل جزءًا من الحرب الاقتصادية الأمريكية على إيران يعمل ضد الهدف الأمريكي المتمثل في دعم قبضة العبادي المهزوزة على السلطة.

أما من الجهة الأمنية، فلا يريد العراقيون ولا الإيرانيون تكرار الحرب الإيرانية-العراقية المدمرة في الثمانينيات. إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية وعداوتهم المشتركة ضد داعش، كل هذه الأمور دعمت وجود علاقة ودية معقولة بين بغداد وطهران.

ما الذي يقف أمام فرض الهيمنة الإيرانية في العراق؟

وفي الوقت نفسه، تضع القومية العراقية قيودًا على تلك العلاقة. وظهر هذا بوضوح أثناء الحرب العراقية الإيرانية، عندما فضل الشيعة العراقيون الجنسية على الدين في تحديد ولاءاتهم. معظم العراقيين يرحبون بالتجارة المربحة مع إيران والمساعدة الإيرانية ضد أمثال داعش، لكنهم لا يريدون أي شيء يشبه الهيمنة الإيرانية. يمكن تفسير حرق القنصلية الإيرانية في البصرة جزئيًا على أنه يرسل هذا المعنى. إذا تركنا بدون تدخل، فإن الميول الطبيعية للعراقيين ستوجهم في الغالب للحفاظ على علاقات ودية واسعة مع إيران، ولكن مع قوميتهم التي تحافظ على العراق من أن تصبح دولة عميلة لإيران. ومثل هذه العلاقات المفيدة للطرفين ستكون أكثر ملاءمة للاستقرار داخل العراق وفي المنطقة المحيطة به.

ويرى الكاتب أنه من الصعب على الأمريكيين فهم هذا المنظور، لأن جغرافيا بلادهم لم تضطرهم للعيش مع جار يحمل تهديدًا محتملًا. وللمساعدة لفهم هذا الوضع، تخيل نفسك مكان المكسيك وفكر في علاقة المكسيك بالولايات المتحدة. حتى قبل ترامب، كان لدى المكسيكيين الكثير من الأسباب التي تشعرهم بالحذر والاستياء تجاه جارهم الشمالي القوي. لكن الازدهار الاقتصادي للمكسيك يتطلب علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة. وهذا هو ما تعنيه اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، من وجهة نظر المكسيك. والمكسيك بالتأكيد لا تريد حربًا مع الولايات المتحدة. في المرة الأخيرة التي خاضت فيها هذه الحرب، هُزمت المكسيك وفقدت ثلث أراضيها.

بغض النظر عن أي حذر أو استياء تجاه الولايات المتحدة، ليس هناك دور جيد لقوة خارجية بعيدة عن المحيط، ففرنسا التي تصور نفسها على أنها ثقل موازٍ للنفوذ الأمريكي. حاولت أن تفعل ذلك في ستينيات القرن التاسع عشر، ونصبت الأمير النمساوي ماكسيمليان إمبراطورًا للمكسيك، عندما كانت الولايات المتحدة مشتتة بسبب حربها الأهلية. ولم تكن هذه التجربة جيدة بالنسبة للمكسيك، ولا لماكسيميليان (الذي أعدمته جمهورية المكسيك المستعادة في عام 1867) أو لفرنسا. والولايات المتحدة لن تُفيد العبادي أو أي زعيم عراقي آخر إذا أصبح ماكسيميليان أمريكيًا.

اضف تعليق