تسعى السلطات السعودية إلى تنفيذ عقوبة الإعدام بحق ثلاثة رجال دين بارزين، في امتحانٍ للقوانين غير المكتوبة التي أبقت حكام المملكة في السلطة، حسبما نقل تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن ناشطين في مجال حقوق الإنسان ومسؤول حكومي.

وكان ولي العهد محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان قد قاما باحتجاز نشطاء ورجال أعمال ومسؤولين حكوميين كجزء من جهودهم لإعادة تشكيل المجتمع والاقتصاد السعوديين، لكن رجال الدين السعوديين لطالما كانوا سلطة مستقلة بذاتها، ويحظون  بشهرة ونفوذ تتجاوز نفوذ الآخرين الذين تم اعتقالهم في حملات القمع الأخيرة.

وقال التقرير: "إن رجال الدين المعتقلين هم من بين الشخصيات الدينية الأكثر شهرة في المملكة، وأكثرهم شعبية. ويأتي في مقدمة هؤلاء الشخصيات: الشيخ سلمان العودة الذي لديه أكثر من 14 مليون متابع على (تويتر)، والشيخ عوض القرني، والداعية علي العمري".

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلًا عن نشطاء حقوقيين: إنهم اعتقلوا قبل عام ضمن مجموعة من الأئمة الذين يحظون بمتابعين كثر لعدم تأييدهم العلني لحملة الضغط التي تمارسها الحكومة ضد قطر. وهم يواجهون الآن محاكمات في محكمة أمن قومي بتهم تشمل التآمر ضد الملكية ودعم الإرهاب، ويسعى مدعو العموم السعوديون إلى تطبيق عقوبة الإعدام بحق هؤلاء الأشخاص، حسبما قال أقارب ونشطاء ومسؤول حكومي.

وقال مسؤول سعودي بارز: إن رجال الدين "يخضعون للتحقيق؛ لأنهم يشكلون خطرًا على المجتمع؛ لأنهم ينتمون إلى منظمات إرهابية". وقال المسؤول الكبير: "إن مدعي العموم والقضاة السعوديين مستقلون، وإن ولي العهد لن يلعب أي دور في الحكم أو العقوبة".

تعزيز سلطة ابن سلمان

وقال المسؤول البارز: "لا يتم التحقيق مع أي شخص في السعودية بسبب آرائه السياسية. إن اعتقال هؤلاء الأفراد وغيرهم يتماشى مع حرص المملكة مع المجتمع الدولي على بذل الجهود لمكافحة التطرف الذي يعاني منه العالم ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله".

ونفى المسؤول الكبير أن يكون الرجال قد اعتقلوا في الأصل بسبب آرائهم حول قطر. وقال المسؤول: "إن الرجال لديهم الحق في التواصل مع المحامين، والحق في استئناف أي حكم". وتعد الملاحقات القضائية من بين أخطر الجهود التي بذلها الأمير محمد – البالغ من العمر 33 عامًا – لتعزيز سلطته منذ يونيو (حزيران) 2017، عندما تولى مهام ولاية العهد بدلًا عن الأمير محمد بن نايف.

ظل آل سعود العائلة الحاكمة في البلاد لأكثر من ثمانية عقود من خلال تحالف مع الأئمة الذين ينتمون إلى تيار الوهابية. وقد أتاحت هذه الشراكة قيادة مستقرة إلى حد كبير، وأسفرت عن واحدة من أكثر المجتمعات الدينية محافظة في العالم، وهو مجتمع يتمتع فيه رجال الدين بتأثير كبير على الرأي العام.

ونقل التقرير عن علي الشهابي، مؤسس المؤسسة العربية، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن تدعم الحكومة السعودية، قوله: إن الأمير محمد يرسل رسالة إلى رجال الدين من خلال المحاكمات بأن "القواعد قد تغيرت الآن". وقال الشهابي إنه يشك في أن الحكومة ستمضي قدمًا وتعدم رجال الدين. وقال: "هذه رسالة أكثر من مضمون".

ويواجه العودة 37 تهمةً، منها نشر الفتنة والتحريض ضد الحاكم، والانتماء لجماعة "الإخوان المسلمين"، حسبما قال نجله. وأشار المسؤول السعودي البارز إلى انتماء العودة لـ"الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين"، والذي قال: إن له صلات بتنظيم "القاعدة" وجماعة الإخوان المسلمين. ووصف ابنه عبد الله عودة، وهو زميل بارز في جامعة جورج تاون، الاتهامات بأنها عبثية. وقال: "ليس لديهم أي قواعد، لقد كسروا كل تقاليد السلطة والدين والسياسة والثقافة وكل شيء في البلاد، لذلك نحن لا نعرف ما هو القادم".

لم يكن رجال الدين يؤيدون الأمير محمد دائمًا؛ لأنه تابع سلسلة من التغييرات التي تشمل السماح للنساء بقيادة السيارات، وصياغة سياسة خارجية أكثر قوة، وانتقل إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط بجعل السعودية أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي والسياحة. كما سعى إلى تحويل السعودية – التي تضم أقدس مدينتي مكة المكرمة والمدينة – إلى المركز الأكثر اعتدالًا في الإسلام.

سعت السلطات السعودية إلى إعادة تشكيل البلاد أيضًا من خلال الملاحقات القضائية. يسعى مدعو العموم إلى تطبيق عقوبة الإعدام على العديد من النشطاء الذين قاموا بحملة من أجل حقوق الأقلية الشيعية المسلمة. تم سجن النشطاء الذين قاموا بحملات من أجل حق المرأة في القيادة والحريات الأخرى. ولا يزال عشرات من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين معتقلين بتهم لم يكشف عنها بعد 10 أشهر من بدء حملة الفساد.

وقال جيم كرين، الزميل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر في جامعة رايس: "بما أن الأمير ابن سلمان يمكن أن يكون في السلطة لمدة 50 عامًا، فهناك حالة قوية للدخول في أكثر التغييرات إثارة للجدل الآن، قبل أن يجلس ابن سلمان على العرش، ويتلقى اللوم الكامل".

انتقادات حقوقية

قاد العودة، البالغ من العمر 61 عامًا، ذات يوم حركة "الصحوة الإسلامية" في التسعينات، والتي انتقدت قرار السعودية بالسماح للجيش الأمريكي بدخول البلاد لحمايته من غزو عراقي محتمل. سجن لمدة خمس سنوات، واعتنق وجهات نظر أكثر اعتدالًا بعد الإفراج عنه، وأصبح مدافعًا عن الإصلاح الاجتماعي والسياسي.

وقال نشطاء حقوقيون وأقارب لهم: إن رجال الدين حُكم عليهم بأثر رجعي لانتمائهم إلى منظمات لم تكن محظورة في وقت اعتقالهم. وقال عبد الله العودة: إن والده متهم بالانتماء إلى الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين، والذي لم يتم تسميته كمنظمة إرهابية من قبل السلطات السعودية حتى نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد شهرين من اعتقاله.

فيما يواجه العمري 30 تهمة تتعلق بالإرهاب، بما في ذلك مزاعم بتشكيل منظمة إرهابية للشباب، حسب نشطاء حقوقيين. ولم تتمكن الصحيفة الأمريكية من الوصول إلى عائلة العمري، أو الممثلين القانونيين للحصول على تعليق منهم.

وفقًا لناشطين في مجال حقوق الإنسان، فإن القرني مسؤول عن دعم جماعة الإخوان المسلمين وجماعات أخرى في السعودية تم تصنيفها كمنظمات إرهابية. كما أنه متهم بجرائم إثارة الفتنة العلنية والتآمر ضد زعماء المملكة والتعاطف مع المعتقلين في القضايا الأمنية.

وكانت الاعتقالات الأخيرة بالمملكة قد واجهتها انتقادات من منظمات حقوقية دولية. وقال آدم كوغل، الباحث في شئون الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش": "إن جهود السعودية المزعومة للتعامل مع التطرف كلها من أجل الاستعراض إذا كان كل ما تفعله الحكومة هو سجن الأفراد للتعبير عن آرائهم السياسية".

كما تجري محاكمة 15 شخصًا سعوديًا آخرين على الأقل في نفس الجولة التي ألقت القبض على الأئمة الثلاثة العام الماضي في قضايا غير علنية في المحكمة الجنائية المتخصصة التي تنظر في قضايا الأمن القومي والإرهاب. يطالب مدعو عموم بعقوبات لمدة 20 عامًا ودفع غرامات تصل إلى 100 مليون دولار، وفقًا لنشطاء حقوقيين ومسؤول سعودي. انتهى/خ.

اضف تعليق